«موجة حمراء» تضرب أسواق العالم

ترمب يدعو «الفيدرالي» للإحساس بالسوق وترك الأرقام الجامدة

طغى اللون الأحمر على أغلب شاشات البورصات خلال اليومين الماضيين مع تراجعات كبرى للأسهم في مختلف القطاعات (إ.ب.أ)
طغى اللون الأحمر على أغلب شاشات البورصات خلال اليومين الماضيين مع تراجعات كبرى للأسهم في مختلف القطاعات (إ.ب.أ)
TT

«موجة حمراء» تضرب أسواق العالم

طغى اللون الأحمر على أغلب شاشات البورصات خلال اليومين الماضيين مع تراجعات كبرى للأسهم في مختلف القطاعات (إ.ب.أ)
طغى اللون الأحمر على أغلب شاشات البورصات خلال اليومين الماضيين مع تراجعات كبرى للأسهم في مختلف القطاعات (إ.ب.أ)

دفع هبوط حاد لبورصة «وول ستريت» الأميركية الأسهم الآسيوية والأوروبية للانخفاض، وهبطت أمس جميع القطاعات مسلطة الضوء على مدى هشاشة المعنويات، في الوقت الذي تسببت فيه حالة القلق بشأن تباطؤ النمو العالمي في التأثير سلباً على الأسهم المرتبطة بالدورة الاقتصادية، وبخاصة في ظل التركيز والترقب قبيل قرار متوقع على نطاق واسع من مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) اليوم (الأربعاء) بشأن مسار رفع الفائدة.
وبالأمس، قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب في تغريدة على «تويتر»: «آمل أن يقرأ المسؤولون في الفيدرالي افتتاحية صحيفة وول ستريت جورنال اليوم قبل أن يرتكبوا خطأ آخر. لا تدعوا الأسواق تدخل في حالة جمود أكثر مما هي عليه بالفعل... اشعروا بالأسواق، ولا تأخذوا فقط بالأرقام الجامدة... بالتوفيق». ولا يتوقف ترمب عن الانتقاد العلني لسياسات «الفيدرالي»، أو اتهام مسؤوليه بالتسبب في هبوط الأسواق من خلال إصرارهم على رفع أسعار الفائدة، وهو الأمر الذي يعارضه الرئيس الأميركي بشدة.
وأول من أمس، قال ترمب في تغريدة قبل ساعة من افتتاح الأسواق المالية: «إنه أمر لا يصدق... فرغم أن الدولار قوي جداً ولا يوجد تضخم يذكر، والعالم من حولنا ينفجر وباريس تحترق والصين تتباطأ، فإن الاحتياطي الفيدرالي يفكر في رفع آخر للفائدة».
ومن المتوقع على نطاق واسع أن يرفع اجتماع اللجنة الاتحادية للسوق المفتوحة بـ«المركزي الأميركي» أسعار الفائدة في اجتماعه الذي بدأ أمس ويستمر يومين، لكن التركيز سيكون على توقعات اللجنة لعام 2019. وتسبب اضطراب في «وول ستريت» بعد سلسلة من البيانات الضعيفة على مستوى العالم في تعزيز الرأي القائل: إن زيادة «المركزي الأميركي» المتوقعة على نطاق واسع لأسعار الفائدة اليوم سيتبعها إبطاء لوتيرة الزيادات المطردة للفائدة على مدى ثلاث سنوات أو توقفها.

- الأحمر يكسو الشاشات
وفي خضم موجة الهبوط العالمية للأسواق، وفي أوروبا، نزل المؤشر «ستوكس 600» الأوروبي 0.5 في المائة بحلول الساعة 0811 بتوقيت غرينتش أمس، ليقترب من أقل مستوى في عامين الذي سجله الأسبوع الماضي، في حين تتنامى المخاوف بشأن النمو الاقتصادي البطيء لينصبّ الاهتمام على تحركات محتملة لصناع السياسات. ونزل «ستكوس 600» أكثر من 12 في المائة منذ بداية العام، ويتجه للهبوط للشهر الرابع على التوالي نتيجة التباطؤ الاقتصادي وعدم الاستقرار السياسي في أوروبا.
وفي آسيا، لحقت الأسهم اليابانية بنظيرتها العالمية وأغلقت منخفضة أمس، وأغلق المؤشر نيكي منخفضاً 1.82 في المائة إلى 21115.45 نقطة بعد أن لامس 21107.13 نقطة، وهو أدنى مستوى منذ 11 ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وأنهى المؤشر توبكس الأوسع نطاقاً التعاملات منخفضاً 1.99 في المائة إلى 1562.51 نقطة، وهو أدنى مستوياته منذ مايو (أيار) 2017.
وتكبدت الأسهم المرتبطة بالدورة الاقتصادية، مثل أسهم شركات صناعة المنتجات الإلكترونية والتكنولوجيا القدر الأكبر من الخسائر. وتستفيد تلك القطاعات عادة حين يكون من المتوقع أن ينمو الاقتصاد على نحو جيد.
ويوم الاثنين، انخفضت جميع المؤشرات الرئيسية بـ«وول ستريت» ما يزيد على اثنين في المائة بفعل مخاوف بشأن تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي قبيل اجتماع لمجلس الاحتياطي الفيدرالي هذا الأسبوع سيحظى بمتابعة وثيقة؛ بحثاً عن مؤشرات على آفاق السياسة النقدية الأميركية في 2019.
وانخفضت أسهم شركات التصدير مع بلوغ الين أعلى مستوياته في أسبوع مقابل الدولار. وانخفض سهم تويوتا موتورز 0.9 في المائة، وخسر سهم بريدجستون 1.5 في المائة، وتراجع سهم نيكون كورب 1.1 في المائة.
وكانت المؤشرات الثلاثة الرئيسية في بورصة «وول ستريت» هبطت مع إغلاق التعاملات يوم الاثنين بأكثر من اثنين في المائة، وهوى المؤشر «ستاندرد آند بورز 500» إلى أدنى مستوى في 14 شهراً بفعل مخاوف بشأن

- تباطؤ النمو الاقتصادي.
وهبط المؤشر داو جونز الصناعي 507.73 نقطة، أو ما يعادل 2.11 في المائة، إلى 23592.78 نقطة. كما انخفض المؤشر ستاندرد آند بورز بمقدار 54.12 نقطة، أو 2.08 في المائة، إلى 2545.83 نقطة. ونزل المؤشر ناسداك المجمع بمقدار 156.93 نقطة، أو 2.27 في المائة، إلى 6753.73 نقطة.

- الدولار يتدهور
وبالأمس، نزل الدولار لأقل مستوى في ستة أيام مع تصفية المستثمرين مراهنات على صعود العملة في ظل توقعات بأن يكبح «الفيدرالي» وتيرة زيادات أسعار الفائدة بعد اجتماعه الحالي.
وتسبب اضطراب «وول ستريت»، الذي تفاقم نتيجة سلسلة من البيانات الضعيفة على مستوى العالم، في تعزيز الرأي القائل إن زيادة «المركزي الأميركي» المتوقعة على نطاق واسع لأسعار الفائدة ستكون نهاية الزيادات المطردة للفائدة على مدى ثلاث سنوات. وبدأ بعض المستثمرين يتساءلون إذا كان أداء الدولار كأفضل العملات الرئيسية سيستمر في 2019؟
وانخفض مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة الأميركية مقابل سلة من ست عملات، 0.4 في المائة إلى 96.699، وهو أقل مستوى في ستة أيام. وفي الأسبوع الماضي، سجل الدولار أفضل أداء أسبوعي منذ سبتمبر (أيلول)، ليبلغ أعلى مستوى في 18 أسبوعاً.
وساعد ذلك اليورو، الذي ارتفع أمس 0.2 في المائة إلى 1.1373 دولار، في تعويض جميع خسائره التي تكبدها يوم الاثنين حين تأثر سلباً ببيانات ضعيفة لمنطقة اليورو. وارتفع الين نصفاً في المائة مقابل الدولار مع تسبب خوف المستثمرين من تباطؤ النمو العالمي في تنامي الطلب على أصول الملاذ الآمن. وارتفع الفرنك السويسري، وهو ملاذ آمن آخر، 0.3 في المائة.
وفي سوق المعادن، استقرت أسعار الذهب أمس بعدما لامست أعلى مستوى في أسبوع قبيل اجتماع الفيدرالي، في حبن ظل الدولار يتعرض لضغوط جراء تكهنات بأن دلائل حدوث اضطراب اقتصادي قد تحفز «المركزي الأميركي» على وقف سياسة التشديد النقدي. واستقر الذهب في التعاملات الفورية عند 1245.56 دولار للأوقية بحلول الساعة 0712 بتوقيت غرينتش. ولامست الأسعار أعلى مستوى لها منذ 11 ديسمبر (كانون الأول) عند 1249 دولاراً في وقت سابق من الجلسة. بينما نزل الذهب في العقود الأميركية الآجلة 0.2 في المائة إلى 1249.6 دولار للأوقية.


مقالات ذات صلة

قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

خاص ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)

قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

يقف عام 2025 عند منعطف محوري مع تنامي المواجهة التجارية بين الولايات المتحدة والصين ووسط استمرار التوترات الجيوسياسية.

هلا صغبيني (الرياض)
الاقتصاد متداولون يعملون في بورصة نيويورك (رويترز)

الأسواق الأميركية تشهد تراجعاً بسبب بيانات اقتصادية محبطة

انخفضت مؤشرات الأسهم الأميركية، يوم الخميس، في ظل بيانات محبطة قد تشير إلى تباطؤ بالنمو الاقتصادي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد يشتري الناس الهدايا في منطقة تايمز سكوير في نيويورك (رويترز)

تضخم الجملة يقاوم الانخفاض في الولايات المتحدة

ارتفعت تكاليف الجملة في الولايات المتحدة بشكل حاد خلال الشهر الماضي، ما يشير إلى أن ضغوط الأسعار لا تزال قائمة في الاقتصاد حتى مع تراجع التضخم من أعلى مستوياته.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد لافتة مكتوب عليها «نوظف الآن» في مغسل سيارات بأحد شوارع ميامي بفلوريدا (رويترز)

زيادة غير متوقعة في طلبات إعانات البطالة الأميركية

ارتفع عدد الأميركيين الذين تقدموا بطلبات جديدة للحصول على إعانات البطالة بشكل غير متوقع، الأسبوع الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
الاقتصاد يقوم عامل بإجراء فحص الجودة لمنتج وحدة الطاقة الشمسية في مصنع «لونجي للتكنولوجيا الخضراء» في الصين (رويترز)

واشنطن تُصعِّد تجارياً... رسوم جديدة على واردات الطاقة الصينية

تخطط إدارة بايدن لزيادة الرسوم الجمركية على رقائق الطاقة الشمسية، البولي سيليكون وبعض منتجات التنغستن القادمة من الصين.

«الشرق الأوسط» (بكين)

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».