روحي العالقة في ملف مروان

أنا مؤمن، كصحافي مارس المهنة في أشكالها المطبوعة والمرئية والمسموعة، وفى أكثر من بلد، وبدرجات وظيفية كثيرة، أن روحي عالقة في موضوعات صحافية بعينها. نعم، روحي - وأنا حي - تحوم حول موضوعات، تمنيت أن أعيد إنتاجها أو كتابتها من جديد.
رحلات ومغامرات ومقابلات وقرارات تحريرية مؤثرة. مانشيتات في الصفحات الأولى، كان ينبغي أن تكون أفضل وأعمق! غير أن روحي عالقة بشكل أكبر في قصة حاولت خلالها البحث عن الحقيقة في قضية كبرى شغلت الرأي العام، لكنني بدلاً من وصولي إلى هذه الحقيقة، حققت عدة إنجازات صحافية مصحوبة بإشادات وجوائز وأزمات، وصلت إلى حد مصادرة صحيفتي، لكني لم أصل أبداً إلى إجابة مقنعة بشأن سؤالي الأساسي، وهو: هل كان أشرف مروان رجلاً وطنياً.
قدم إنجازات لبلده مصر، أم كان خائناً جاسوساً لإسرائيل؟. مع حادث مصرع مروان، صهر عبد الناصر مدير مكتب السادات، بشكل غامض في لندن في صيف عام 2007، حاولت أن أدلو بدلوي في هذه الإشكالية، خصوصاً وأن هذه الثقة الإسرائيلية غاظتني، حول أنه كان رجلهم الوفي، أو «الملاك» الذي أبلغهم بساعة العبور في 6 أكتوبر 73.
في المقابل اعتمدت مصر الرسمية، الصمت المعلوماتي، إلا من تصريح مقتضب للرئيس الأسبق حسنى مبارك بأن «مروان رجل وطني قدم الكثير لبلاده». حاولت العثور على إجابة أشمل مشفوعة بالمعلومات. تحاورت مع عدد من القيادات السابقة لجهاز المخابرات العامة. قال الوزير أمين هويدي كلاماً مقتضباً، بأن «الجهاز» لا يمتلك ورقة واحدة عن مروان. نصحني لواء صديق، على دراية بأسرار هذه المرحلة بالجلوس إلى اللواء فؤاد نصار، أحد القيادات التاريخية لأكتوبر، مدير المخابرات الحربية الأسبق، رئيس المخابرات العامة نهاية عصر السادات.
بالفعل، ذهبت إليه... وأنتجنا معاً حواراً جامعاً، لم يقف عند حد مروان، إنما تعداه لأسرار عجيبة وجديدة عن سيناء وبطولات شعبها، عن القذافي واستفزازاته لمصر نهاية السبعينات.
لم أعثر على ما يشبعني من نصار حول حقيقة أشرف مروان. في المقابل فإن الحوار الذي نشرناه في خمس صفحات، استفز قيادياً آخر في «الجهاز» وهو الفريق رفعت جبريل، والملقب بـ«الثعلب» والذي تحولت عملياته في مكافحة التجسس لعشر مسلسلات وأفلام على الأقل، أبرزها المسلسل المسمى بصفته.
الرجل استفزته معلومة قالها نصار عن الجاسوسة هبة سليم وصديقها الضابط فاروق الفقي. بالفعل، كان جبريل وليس نصار هو قائد العملية. بعد مداولات وأعذار، وافق الرجل على أن أسجل معه جانباً من عملياته ورحلته، على أن نحصل على موافقة من «الجهاز» بعد ذلك، على النشر.
كل جملة قالها جبريل، كانت عن عملية أو موقف. علمت، وأنا أسجل معه هذا الحوار المطول أنني أمتلك كنزاً صحافياً. أنا لا تعجبني الأعمال الفنية المستمدة من بطولات المخابرات. الخيال فيها أكثر من الحقائق، رغم أن أرشيف الجهاز مليء ببطولات أقوى وأصدق. مات جبريل، قبل أن نحصل على الموافقة النهائية. وبعد تعاطف أحد القيادات معنا شفوياً نشرنا سبع حلقات في «المصري اليوم» مرت ست بسلام.
بل إن كل البرامج الحوارية سلطت الضوء عليها، وأصبح مضمون ما قاله وخصوصاً عن «رأفت الهجان» مادة جدلية رائعة. لكن الحلقة السابعة والأخيرة تسببت في مصادرة الجريدة.
مرت الأزمة على خير، بفضل العقلية المستنيرة لقيادات الجهاز، ولمؤازرة ملاك الجريدة لموقفنا بالنشر. المهم، أنني لم أصل لجديد بخصوص أشرف مروان، من حواري مع «الثعلب». تبدلت الظروف الصحافية عندنا، وفي إسرائيل تواترت الدعاية الموثقة عنه بأنه كان جاسوسهم لسنوات طويلة. ظهر كتاب «الملاك» الذي أنقذ إسرائيل وتحول إلى فيلم هزيل.
ومؤخراً، وجدت إلحاحاً داخلياً بأن أنقب في الموضوع مجدداً. ما زالت روحي الصحافية هائمة حول نفس القضية. أنا لا يهمني حقيقته، وهل استغل السادات وباع بلده وأسرارها للعدو؟ أم أن السادات استغل به الإسرائيليين؟ أردت أن أصل إلى ملاك الحقيقة المطلقة في القضية. هل عندي ما أقدمه، وهل عندي من أحاوره في هذه المسألة؟ الإجابة... نعم. هل أستطيع إجراء هذا الحوار؟... بالطبع لا... سيكون صعباً جداً حالياً!

- صحافي مصري رئيس تحرير جريدة «المصري اليوم» سابقاً