السلطة الخامسة... عصر الثورة الرقمية الدائم يرغم الإعلام على التجدد والتأقلم

لا شك أن وسائل الإعلام التقليدية تعيش الآن أصعب أوقاتها في محاولة لتلافي الأفول أمام الإعلام الجديد والسوشيال ميديا، وحول هذه القضية أصدر الباحث العراقي الدكتور جودت هوشيار كتاباً يتناول بعمق هذه الظاهرة محللاً جوانبها الإشكالية.
يقول هوشيار لـ«الشرق الأوسط»: «طرأ خلال العقود الثلاثة الأخيرة تحول جذري على مبادئ عمل وسائل الإعلام الحديثة، وبدأ هذا التحول نتيجة للتعميم الرقمي في مجالات الحياة اليومية وانتشار الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية، التي أتاحت إمكانية استخدام مجموعة من الوسائل الجديدة بأشكال متنوعة وجذابة، وبأكثر من حاسة واحدة في وقت واحد، كالمشاهدة والقراءة والاستماع، بحرية - تكاد تكون كاملة - وبتكلفة زهيدة وتزايد وتنوع مصادر الحصول على معلومات موثقة وحديثة بسهولة ويسر وسرعة فائقة».
ويضيف: «في كل لحظة مئات الملايين من البشر يخلقون، ويتبادلون، ويحصلون على كميات هائلة من المعلومات في فضاء حر لا تحده في الواقع أي حدود جغرافية أو سياسية. وبفضل الإمكانات الجديدة للتعبير الحر عن الرأي والتدفق المعلوماتي الهائل نشأ المشهد الافتراضي المعقد المعروف لنا. نحن نعرف اليوم كل ما يحدث في العالم لحظة بلحظة. الإنترنت غيّر ثقافتنا، فنحن اليوم نحصل على الفور على إجابات لأي سؤال يخطر ببالنا».
ويلفت هوشيار إلى أنه «في الوقت ذاته، فإن عدم وجود أي نوع من التوجيه المركزي على الشبكة، أتاح الفرص للعنصريين والمتطرفين والإرهابيين نشر سموم الكراهية والعنف في العالم على نحو غير مسبوق».
ويقول: «أدت الثورة الرقمية إلى تغيير جذري في أنماط التفكير وعادات القراءة، وشيوع ثقافة الحصول المجاني على المعلومات، وأخذت الأزمات المالية المتلاحقة في كل مكان تعصف بالصحف الورقية. فالجيل الجديد لا يكتفي فقط بالقراءة والمشاهدة والاستماع دون حسيب أو رقيب، بل يكتب أيضاً في مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات والمدونات عن كل ما يشغل باله ويصور الأحداث الساخنة وينشرها على الملأ فور وقوعها، وبهذا يعد مشاركاً فعالاً في الفضاء الإعلامي».
نحن نعيش في عصر ثورة رقمية دائمة، والسؤال ليس عن التغيرات التكنولوجية الكثيرة المتلاحقة، بل عن التغير المستمر في الدور الاجتماعي لوسائل الإعلام في عصر الثورة الرقمية. حيث إنها باتت عاملاً رئيسياً في التغيير السياسي والاجتماعي والثقافي في العالم بأسره.
وحول كيفية تناول الكتاب للعلاقة بين التكنولوجيا ووسائل الإعلام؟ وهل تأثيرها إيجابي أم سلبي؟ يؤكد هوشيار: «لا شك أن ثورة الاتصالات أزاحت الصحافة التقليدية عن عرشها بخطوات تدريجية ولكن متسارعة ومتواصلة، وأرغمت التلفزيون على التكيّف مع التطور السريع للتكنولوجيا الرقمية، واضطر إلى إدخال تغيير جذري في البرامج التي يقدمها، وإلى الاندماج التدريجي مع شبكة الإنترنت».
ويؤكد: «لا أحد - بين خبراء الإعلام - يعرف على وجه الدقة نتائج هذه المنافسة المحمومة، التي ستكون من دون شك طويلة وشاقة. أو بتعبير آخر، هل سيتمكن التلفزيون من الصمود أمام وسائل الإعلام الرقمية، التي تتصدر اليوم المشهد الإعلامي وأصبحت تستحوذ على اهتمام الجمهور على نحو متزايد وتقتحم جميع مجالات النشاط البشري وبضمنها المجالات المتنوعة للإعلام والتثقيف والترفيه؟».
ويلفت إلى أن «الاستبيانات التي أجريت مؤخراً في بلدان متباينة التطور والثقافات تشير إلى نتائج مختلفة. ففي الدول النامية، التي ما زال انتشار الإنترنت فيها محدوداً، نرى أن التلفزيون فعال ويحظى بشعبية واسعة، ويعد المصدر الرئيس للأخبار وتغطية الأحداث السياسية والرياضية الساخنة وعرض الأفلام السينمائية والمسلسلات الدرامية والكوميدية ونقل وقائع الندوات والمؤتمرات والحفلات وغيرها. أما في الدول الغربية المتقدمة، فإن الصورة مغايرة إلى حد كبير، حيث تشير تلك النتائج إلى أن شبكة الإنترنت تتفوق على التلفزيون في النقل الفوري للأخبار وتحديثها على مدار الساعة، والنشر الفوري للآراء والتعليقات، وعرض المضامين المرئية التي ينتجها ويخرجها ملايين من مستخدمي الإنترنت، إضافة إلى إجراء المكالمات الهاتفية المجانية أو لقاء أجور زهيدة وتقديم خدمات كثيرة للمشاهدين وبضمنها برامج المحادثة (الشات) والبريد الإلكتروني، وخدمات أخرى كثيرة ومتنوعة».
وعن سؤال حول كيف يمكن للصحافي أو الإعلامي جذب القراء في ظل هيمنة شبكات التواصل الاجتماعي؟، أجاب هوشيار: «ثمة عدة عوامل جاذبة في مقدمتها عرض الموضوع على نحو منسق وصياغته بعناية وعلى نحو سلس وجميل، متضمناً العنوان الناجح والاستهلال الجاذب، وتقسيم المادة إلى فقرات ذات معنى، ووضع العناوين الفرعية لها أو ترقيمها، كل ذلك كفيل بنجاح النص المنشور، ولفت الأنظار إليه لأن القارئ المعاصر لم يعد يتحمل قراءة الصفحات المطولة، وسرعان ما ينتقل لقراءة مواد أخرى أو يغادر الموقع الإلكتروني أو يطوي الصحيفة إلى غير رجعة». مؤكداً: «الإعلامي الذي يدرك أهمية التواصل مع الجمهور المستهدف، يحاول التعرف على حاجات الناس وتلبيتها وبتعبير آخر عرض مشاكل المجتمع واقتراح الحلول لها».
ويرفض هوشيار المقال الساخن المرتبط بحادث معين أو مسألة آنية، معتبرا أنه: «يفقد قيمته ويتقادم إذا نشر بعد فترة وجيزة، قد لا تتعدى بضعة أيام أو ساعات؛ لأن الأحداث تتلاحق ووتيرة الحياة أصبحت سريعة وهي في تغير متواصل».
وحول إمكانية انهيار الصحافة المطبوعة أمام الإعلام الإلكتروني، أكد: «لقد جرت إزاحة الصحافة التقليدية عن عرشها بخطوات تدريجية ولكن متسارعة ومتواصلة.
لكنه يختتم حديثه بالقول إن «الصحافة التقليدية عصية على الموت وأخذت تتكيف مع الواقع الجديد المفروض عليها بوسائل شتى، ومنها الانتقال إلى الشبكة العنكبوتية كلياً، أو إصدار نسخ إلكترونية بموازاة نسخها الورقية أو التحول إلى صحافة مجانية تعتمد على الإعلانات في ديمومتها، أو التحول إلى صحافة التابلويد، التي ما زالت تلقى هوى ورواجاً لدى القراء».