«الماضي المجهول»... معلوم جداً!

هذا ليس مقالاً عن الفيلم الشهير «الماضي المجهول» الذي لعبت بطولته في منتصف الأربعينات ليلى مراد، وأخرجه وشاركها بطولته أحمد سالم... سوف أتوقف معكم قليلاً مع الماضي، الذي يعتقد البعض منا أنه بالضرورة مجهول. هناك من لديهم القدرة على البوح، بينما آخرون يناصبون الماضي العداء.
لم تكن، مثلاً، سميرة أحمد تشعر بخجل وهي تروي أنها بدأت «كومبارس» صامتاً، وهو أيضاً ما كان يذكره بفخر، مثلاً، صلاح منصور.
قال لي يوماً كمال الشناوي إنه كان أستاذاً لمادة الرسم في مدرسة ثانوية، وإن أحد أعضاء مجلس قيادة ثورة 23 يوليو (تموز) 1952، كان تلميذاً مشاغباً عنده في الفصل، وعندما كان الضابط يراه بعد الثورة في أي مناسبة وطنية، يتعمد تجاهله تماماً، خوفاً من أن يتذكر أستاذه كمال الشناوي ماضيه مع الشغب.
ذكر لي أيضاً (الشناوي) أنه تبادل على صفحات الجرائد الاتهامات مع أنور وجدي، وأن العبارة الوحيدة التي أزعجت وجدي منه هي أن كمال عايره بـ«كِرْشه» الذي يتدلى أمامه، والذي لا يسبقه في الحجم سوى «لُدغه» المتضخم.
قال له أنور وجدي بعد الصلح إنه عانى كثيراً في مطلع حياته، وكان يتقاسم قُرص «الفلافل» الواحد على رغيفين في الغداء والعشاء، وعدّ أن قضيته الأولى بمجرد أن يكسب أموالاً أن يأكل حتى ينمو «كرشه» ويتدلى «لُدغه».
كان الشاعر أحمد فؤاد نجم لا يخجل من أن يذكر أنه قد تربى وحتى عمر 17 عاماً في ملجأ للأيتام، بل ويشير أيضاً إلى دخوله السجن؛ ليس فقط بسبب مواقفه السياسية المعارضة لنظام الحكم، ولكن هناك قضايا أخرى عوقب بسببها جنائياً بالسجن المشدد.
عبد الحليم حافظ، مثلاً، أسقط من مشوار حياته تماماً سنوات الملجأ، ولهذا أجهض كل المحاولات الفنية للغناء من كلمات نجم، رغم حماس صديقهما المشترك الموسيقار كمال الطويل.
أم كلثوم، مثلاً، كانت تملك الشجاعة لكي تروي سنوات الطفولة التي عاشتها في فقر، وأنها كانت تنتظر عودة شقيقها من المدرسة لتستعيد هي مجدداً معه الدروس توفيراً للنفقات، إلا إنها كانت ترفض، وبشدة، التطرق لحياتها العاطفية، وعندما كان يوسف شاهين بصدد تقديم فيلم «ثومة» ويكتب له السيناريو سعد الدين وهبة، رفضت البوح بأي لمحة عاطفية، كما أنها لم تلتقِ فنياً مع الموسيقار محمود الشريف، تجنباً لأن يتذكر الناس تلك الخطوبة القصيرة التي جمعتهما معاً عام 1946.
وحيد حامد ذكر لي أنه كان يعاني كثيراً في طفولته أثناء ذهابه للمدرسة، لأن والده لم يكن قادراً على شراء حذاء له.
عبد الوهاب رغم أنه يصنف عند الناس فناناً أرستقراطياً، إلا إنه لم يتنكر مطلقاً لنشأته بجوار سيدي الشعراني في حي «باب الشعرية» الشعبي بالقاهرة القديمة، وكمّ الضربات والصفعات التي كان يتلقاها من شقيقه الكبير حسن، بسبب إصراره على احتراف الغناء.
نجاة لا تفضل الحديث مطلقاً عن طفولتها الفقيرة المعذبة، بينما كانت شقيقتها سعاد لا تجد أي غضاضة في أن تروي كل شيء.
سناء جميل عندما كانت في زيارة للكاتب إحسان عبد القدوس؛ على العشاء هي وزوجها الكاتب لويس جريس، لاحظت على المائدة مفرشاً مكتوباً عليه (s j) أول حرفين من اسمها، حيث إنها كانت، ولتوفير نفقات الحياة، تصنع المفارش وتبيعها للمحلات، وأخبرت إحسان، فمنحها المفرش في نهاية السهرة هدية لها!