السمك والبطاطس على طريقة «التيك أواي» منذ القرن السادس عشر

من يشك في أن وجبة السمك والبطاطس ذات أصول بريطانية يمكنه أن يعود إلى رواية تشارلز ديكنز «أوليفر تويست»، التي نُشِرت في عام 1838، وذكر فيها «مخازن بيع السمك المقلي»، وتبعته في ذلك أليكسس سوير، التي ذكرت كيفية تحضير السمك المقلي في كتابها عن الطبخ الإنجليزي، الذي نُشِرت طبعته الأولى في عام 1845.
الوجبة البريطانية الشعبية المفضلة لم تعُد تقتصر على بريطانيا، بل انتشرت مع مهاجريها إلى الدول التي تتحدث الإنجليزية، مثل أستراليا ونيوزيلندا وكندا. وظهرت أوائل محلات بيع السمك والبطاطس في ستينات القرن التاسع عشر.
ومع حلول بدايات القرن العشرين كان هناك 25 ألف متجر يبيع السمك المقلي والبطاطس للجماهير. ويمكن تناول الوجبات في مطاعم مخصصة لهذه الوجبة، خصوصاً في المدن الساحلية، ولكن أغلب مبيعاتها تأتي في صيغة «تيك أواي» لتناولها في المنازل أو الحدائق العامة.
وليس من المعروف حالياً موقع أول مطعم لبيع السمك والبطاطس في لندن، ولكن اشتهر جوزيف مالين بهذه التجارة في لندن في ستينات القرن التاسع عشر. وإن كانت هناك بعض المصادر التي تربط بين بيع السمك المقلي والبطاطس قبل ذلك التاريخ بخمسين عاماً على الأقل.
وأصبحت هذه الوجبة عماد غذاء الطبقة العاملة في بريطانيا مع انتشار صيد الأسماك بالجملة من بحر الشمال، وتطور خطوط السكك الحديدية التي كانت تنقل الأسماك بسرعة من الموانئ إلى المدن الداخلية كثيفة السكان، خصوصاً أثناء الثورة الصناعة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
وتاريخياً كان صامويل إيزاك هو أول من افتتح مطعماً به طاولات لتناول السمك والبطاطس في عام 1896. وكانت الوجبة المحددة تتكون من السمك والبطاطس وشرائح الخبز مع الزبد مع كوب من الشاي بسعر تسعة قروش للوجبة. وبعد نجاحه في مطعمه الأول افتتح إيزاك عدة مطاعم كان يفرشها بالسجاد ويضع المفارش والورود على الطاولات، ويقدِّم وجباته على أطباق من الخزف الصيني. وانتشرت محلات إيزاك في أحياء لندن ومدن رامسغيت ومارغيت وبرايتون الساحلية. وتوفي إيزاك في برايتون في عام 1939. وظهرت محلات إيزاك في كثير من الأفلام البريطانية القديمة، خصوصاً تلك التي ظهر فيها الممثل الكوميدي نورمان ويزدم.
ومن المعتاد حالياً أن يبيع مطعم السمك والبطاطس الوجبة التي يطلبها العميل ملفوفة في أوراق بيضاء (بدلاً من أوراق الجرائد سابقاً) ويتم تناولها ساخنة في المنازل، وأحياناً على الطريق. ويعتاد البعض في بريطانيا إضافة الملح والخل إلى هذه الوجبة وإضافة الخيار أو البصل أو البيض المخلل إليها. ويمكن للمشتري أن يضيف أيضاً صلصة الكاتشاب للبطاطس المقلية. وفي كتاب عن «السمك والبطاطس والطبقة العاملة البريطانية» كتب المؤلف جون والتون أن الحكومة البريطانية جعلت من تأمين إمدادات الأسماك والبطاطس للشعب إحدى أولوياتها خلال الحرب العالمية الأولى. كما ذكر المخرج المشهور ألفريد هيتشكوك أنه كان يسكن في طفولته فوق محل لبيع السمك والبطاطس كان مصدر دخل عائلته. وكانت وجبة السمك والبطاطس هي الوجبة الوحيدة التي لم تخضع للحصص التموينية أثناء الحرب العالمية الثانية في بريطانيا.
- هاري رامسدن
أسس هاري رامسدن أشهر سلسلة محلات السمك والبطاطس في بريطانيا، وحقق بها رقماً قياسياً أيضاً؛ ففي عام 1928 افتتح هاري رامسدن أول محل بيع سمك وبطاطس له في منطقة غرب يوركشير. وخلال عام 1952 باع رامسدن 10 آلاف وجبة في يوم واحد، وهو رقم قياسي مسجَّل في موسوعة «غينيس للأرقام القياسية». وتعمل محلات «رامسدن» حالياً بأسلوب الفرانشايز وينتشر منها 25 فرعاً في أنحاء بريطانيا وآيرلندا.
وتعد وجبات هاري رامسدن هي المقياس الأفضل للسمك والبطاطس ويمكن للزائر أن يبدأ تذوقه لهذه الوجبة البريطانية من أحد فروع رامسدن لضمان جودتها. ولكن إتقان تحضير الوجبة الشعبية البريطانية لا يقتصر على شركة «رامسدن» وفروعها، ففي معظم المحلات المتخصصة تقف طوابير الزبائن لتلقي الطلبات التي تحضر طازجة أمامهم.
وتلزم إرشادات حكومية بريطانية البائع بأن ينص على نوع السمك الذي يقدمه في وجبة السمك والبطاطس؛ فلا يكفي أن يقدِّم الوجبة على أنها سمك وبطاطس، بل عليه أن يحدد أن السمك هو من نوع «كود» (Cod)، أو أنواع أخرى، منها «هادوك» و«بليس».
وتتنازع المدن البريطانية على تاريخ الوجبة الشهيرة بالبحث في أرشيفها عن جوانب التميز فيها. فيقول المجلس المحلي لمدينة داندي الاسكوتلندية إن أول محل للسمك والبطاطس افتتح فيها من مهاجر بلجيكي في عام 1870، بينما تؤكد أدنبره أن إضافة الخل إلى الوجبة بدأ في المدينة، وانتشر منها إلى مدن بريطانيا الأخرى.
- جوائز تقديرية
تُقام سنوياً مسابقات سنوية لأفضل وجبات السمك والبطاطس التي تقدم عليها جوائز تقديرية. وبدأت أول مسابقة في عام 1988، وحضرت السفيرة النرويجية منى جول حفل تقديم جوائز هذا العام. وتحتفل الجوائز بأفضل وجبات السمك والبطاطس بهدف تشجيعها للحفاظ على نوعيتها وحصتها من سوق الوجبات السريعة المتزايدة في بريطانيا.
وهناك العديد من الفئات التي تفوز بجوائز مختلفة مثل الحصول على السمك من مصادر مستدامة، أو التفاني في خدمة المستهلك والعناية بالنظافة العامة وتدريب العاملين. وبالطبع يكون الجانب الأهم هو نوعية الوجبة التي تقدمها مطاعم السمك والبطاطس.
وتقام احتفالات تقديم الجوائز في أحد فنادق لندن سنوياً.
ويقام حفل تقديم جوائز عام 2019 في آخر شهر يناير (كانون الثاني) المقبل في فندق «رويال لانكاستر»، غرب لندن.
وتقوم لجنة التحكيم بزيارة المطاعم التي تقدَّمت للمسابقة، وذلك بعد إغلاق باب الترشح في منتصف كل عام، ويتم الاختيار في الفئات المختلفة بناء على قرارات اللجنة خلال هذه الزيارات.
وفي العام الماضي كان مطعم كرومر كلاسيك في مدينة فايف الاسكوتلندية هو الفائز بجائزة أفضل مطعم سمك وبطاطس في بريطانيا، بينما فازت ثمانية مطاعم أخرى بجوائز المناطق، وفازت ثلاثة مطاعم بجوائز الجدد في الصناعة بينما فازت ثلاثة مطاعم أخرى في مجال التعامل مع مصادر صيد مستدامة.