نائب الرئيس الإقليمي للبنك الدولي لـ«الشرق الأوسط»: لن نتراجع عن تأييد سياسات خفض دعم الطاقة

فريد بلحاج نائب رئيس البنك الدولي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا
فريد بلحاج نائب رئيس البنك الدولي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا
TT

نائب الرئيس الإقليمي للبنك الدولي لـ«الشرق الأوسط»: لن نتراجع عن تأييد سياسات خفض دعم الطاقة

فريد بلحاج نائب رئيس البنك الدولي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا
فريد بلحاج نائب رئيس البنك الدولي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا

يعد البنك الدولي من أبرز المؤسسات الدولية المؤيدة لسياسات خفض الإنفاق على دعم الوقود، باعتباره آلية غير ناجحة في توصيل الدعم لمستحقيه، لكن الاحتجاجات الأخيرة في فرنسا على رفع أسعار الوقود، وقبلها احتجاجات ومجادلات واسعة ضد تخفيض دعم الطاقة في بلدان عدة، منها الأردن وتونس، سلطت الضوء بشكل أكبر على الدور الاجتماعي لأسعار الطاقة وأثارت التساؤلات حول كيفية التعامل مع هذا الملف.
فريد بلحاج، نائب رئيس البنك الدولي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أكد في حواره مع «الشرق الأوسط»، على تأييد مؤسسته لسياسة تخفيض دعم الطاقة، واعتبر أن هذا النوع من النفقات يمثل ظلماً لدافعي الضرائب، حيث يتم توزيع دعم الطاقة بشكل معمم ويصل لفئات غير مستحقة.
لكنه رأى أن ما ساهم في خلق الصورة الذهنية السلبية عن سياسات إعادة هيكلة الدعم هو عدم التزام حكومات في السابق بتأسيس شبكات بديلة للحماية الاجتماعية.
وقال بلحاج: «في أول الثمانينات وقت أزمة الديون كان البنك وصندوق النقد الدوليان يوصيان بالحد من نفقات الدعم وغيرها من النفقات العامة، وفي الوقت نفسه بتأسيس شبكات أمان اجتماعي. عدة بلدان، بسبب الديناميكية السياسية، ساروا في مسار تخفيض الدعم والنفقات، ولم يؤسسوا شبكات الأمان، وعندما وقعت مشكلات (اجتماعية في هذه البلدان) قالوا (أي قيادات هذه البلاد) هذه إملاءات البنك وصندوق النقد. ولم يكن لدينا وقتها سياسات للتواصل مع الإعلام، وكنا نركز على إخراج هذه البلدان من الأزمة... لكن اليوم البنك يتكلم».
ويرى المسؤول بالبنك الدولي أن الدعم البديل الأكثر كفاءة هو الدعم النقدي الموجه للفئات الأقل دخلاً، ويشير إلى تجارب ناجحة في مجال تأسيس نظم أكثر كفاءة للدعم، من وجهة نظره، مثل إندونيسيا وتركيا والمكسيك والبرازيل.
وفي مصر، وجهت منظمات حقوقية نقداً لسياسات تخفيض دعم الوقود، حيث إن آثاره لم تقتصر على الفئات مرتفعة الدخل، ولكنها امتدت لزيادة تكاليف المواصلات التي تعتمد عليها الفئات محدودة الدخل، مثل المواصلات التي تعمل بوقود السولار، وكذلك مع زيادة تذاكر مترو الأنفاق.
ويقول بلحاج: «لقد دخلنا مع مصر في عدة برامج، منها (تكافل وكرامة) (للدعم النقدي للفئات الأقل دخلاً)، ويبدو لنا أننا يجب أن نزيد التمويلات لهذه البرامج لأنها تستحق الدعم وكذلك المواطنين المستهدفين بهذه البرامج يستحقون الدعم بشكل أكبر».
ويستهدف برنامج «تكافل» دعم الأسر الفقيرة، بينما يستهدف «كرامة» دعم أفراد مثل المعاقين وكبار السن، وأبرمت مصر اتفاق قرض مع البنك الدولي في 2015 لدعم سياسات اقتصادية واجتماعية كان هذان البرنامجان من أبرز بنودها.
كما وقعت مصر اتفاق قرض آخر مع صندوق النقد الدولي في 2016. وتؤيد المؤسسة الدولية أيضاً هذين البرنامجين كأسلوب بديل في الحماية الاجتماعية.
ولم تعلن مصر عن بيانات محدثة لنسبة الفقراء، لكن آخر التقديرات عن عام 2015، رصدت زيادة معدلات الفقر إلى 27.8 في المائة مقابل 25.2 في المائة عام 2011.
وعلى مستوى الاقتصاد الكلي، لا ينكر بلحاج أن بعض دول المنطقة تواجه تحديات تتمثل في ارتفاع مستويات المديونية، التي تتزامن مع اتجاه أميركا والاتحاد الأوروبي لزيادة أسعار الفائدة، وهو ما ينذر بزيادة تكاليف التمويل في الفترة المقبلة.
ويقول بلحاج بخصوص هذا الملف، «يجب على كل بلدان المنطقة أن يكونوا منتبهين (...) الأردن عندها مديونية عالية وكذلك تونس ولبنان، هذه الأمور تحتاج للمعالجة والنظر بدقة أكثر، ويجب أن تكون لديها (الدول مرتفعة المديونية) نظرة دقيقة خاصة مع النظر لما جرى في تركيا والأرجنتين».
وواجهت تركيا والأرجنتين انخفاضات في قيمة العملة المحلية مع الخروج السريع للمستثمرين الأجانب بحثاً عن العوائد الأكبر في الغرب مع زيادة الفائدة الأميركية فيما يعرف بأزمة الأسواق الناشئة.
وبحسب بيانات متفرقة لصندوق النقد الدولي، فقد وصل الدين الحكومي للناتج المحلي الإجمالي في لبنان خلال 2016 إلى 151 في المائة، بينما بلغ الدين العام المجمع للناتج في تونس 70.3 في المائة، وذلك خلال 2017. ووصلت الديون الحكومية والديون المضمونة من الحكومة في الأردن خلال 2016 لنحو 95 في المائة.
وزيادة المديونية في المنطقة تستدعي التساؤل حول جدوى الإصلاحات الهيكلية التي ينادي بها البنك وصندوق النقد الدوليان، فبعد سنوات طويلة من التزام بلدان الشرق الأوسط بسياسات المؤسسة الدولية لا تزال غير قادرة على توليد الإيرادات الكافية وتحتاج للمزيد من القروض.
وبالنظر للحالة المصرية، فقد تزامنت السياسات الاقتصادية التي يدعمها الصندوق منذ 2016 مع زيادة في الفائدة وتعويم للعملة، مما ساهم في زيادة نسبة الإنفاق على الفوائد، من إجمالي نفقات الموازنة العامة، بشكل ملحوظ، لتصل إلى ما يقرب من 40 في المائة في موازنة 2018 - 2019.
وفي هذا الشأن، يقول بلحاج إنه يجب التفرقة بين المديونية السلبية، التي يعني بها الاستدانة للصرف على النفقات الجارية، والمديونية الإيجابية التي ترتبط بإصلاحات هيكلية وعميقة.
وأضاف: «خلال الأربع سنوات الماضية شهدنا تطبيق إصلاحات هيكلية عميقة مثل التحول لضريبة القيمة المضافة وتعويم العملة وتخفيض الدعم. الاقتصاد المصري كان منهاراً واليوم وقف على ساقيه... اليوم نتمنى أن يتقدم وذلك من خلال دعم للقطاع الخاص».
ومن أبرز الأنشطة التي قام بها المسؤول الدولي خلال زيارته لمصر، توقيع اتفاق قرض مع الحكومة المصرية بقيمة مليار دولار لدعم الإصلاح الاقتصادي.
ويرى بلحاج أن قروض مؤسسات التمويل الدولية تتسم بالتيسير في شروطها، ما يجعلها أداة لدعم البلدان على تخفيض تكاليف الاستدانة، واستبدال ديون منخفضة التكلفة بتلك المرتفعة، قائلاً: «إذا نظرت لفائدة البنك في القرض الأخير مع مصر ستجد أنها 2 في المائة مع وقت طويل للسداد».
وكانت شركة «فيتش سوليوشنز» حذرت في تقرير أخير من قصر آجال الديون المصرية، حيث إن 50 في المائة منها تنتهي آجالها في نهاية 2020. وفي ظل البيئة العالمية لتشديد السياسات النقدية قد يضع ذلك البلاد أمام مخاطر ارتفاع تكاليف الاستدانة.
وعلى مستوى توقعات النمو إقليمياً، جاءت آخر تقارير البنك الدولي برؤية متفائلة نسبياً، حيث توقعت للشرق الأوسط وشمال أفريقيا نمواً بـ3.3 في المائة خلال 2019 مقارنة بـ3 في المائة في العام الحالي، وهو ما يعزى بدرجة كبيرة لتعافي أسعار النفط.
ويعلق بلحاج على هذه التوقعات بقوله إن المنطقة «منقسمة لبلدان مصدرة للنفط، التي تستفيد من زيادة أسعاره، وبلدان مستوردة يكون لارتفاع أسعار النفط آثار سلبية. يجب من ناحية أن يكون اقتصاد البلدان المنتجة للبترول أكثر تنوعاً ونحن لدينا بالفعل تعاون في هذا المجال مع السعودية والكويت والجزائر، ومن جهة أخرى أن تدخل البلدان المستوردة للنفط في مجال الطاقة المتجددة بشكل أكبر حتى لا تبقى رهينة لتقلبات الأسعار».


مقالات ذات صلة

«كوب 29» في ساعاته الأخيرة... مقترح يظهر استمرار الفجوة الواسعة بشأن تمويل المناخ

الاقتصاد مفوض الاتحاد الأوروبي للعمل المناخي فوبكي هوكسترا في مؤتمر صحافي على هامش «كوب 29» (رويترز)

«كوب 29» في ساعاته الأخيرة... مقترح يظهر استمرار الفجوة الواسعة بشأن تمويل المناخ

تتواصل المفاوضات بشكل مكثّف في الكواليس للتوصل إلى تسوية نهائية بين الدول الغنية والنامية رغم تباعد المواقف في مؤتمر المناخ الخميس.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد أشخاص يقومون بتعديل لافتة خارج مكان انعقاد قمة المناخ التابعة للأمم المتحدة (أ.ب)

أذربيجان تحذر: «كوب 29» لن ينجح دون دعم «مجموعة العشرين»

استؤنفت محادثات المناخ التابعة للأمم المتحدة (كوب 29)، يوم الاثنين، مع حث المفاوضين على إحراز تقدم بشأن الاتفاق المتعثر.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد سفينة شحن في نهر ماين أمام أفق مدينة فرنكفورت الألمانية (رويترز)

«المركزي الألماني»: خطط ترمب الجمركية نقطة تحول في التجارة العالمية

أعرب رئيس البنك المركزي الألماني عن خشيته من حدوث اضطرابات في التجارة العالمية إذا نفّذ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خططه الخاصة بالتعريفات الجمركية.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الاقتصاد لافتة للبنك المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)

ناغل من «المركزي الأوروبي»: تفكك الاقتصاد العالمي يهدد بتحديات تضخمية جديدة

قال عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، يواخيم ناغل، إن هناك تهديداً متزايداً بتفكك الاقتصاد العالمي، وهو ما قد يضع البنوك المركزية أمام تحديات تضخمية جديدة.

«الشرق الأوسط» (فرنكفورت)
الاقتصاد يقف المشاركون وموظفو الأمن خارج مكان انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في باكو (إ.ب.أ)

الدول في «كوب 29» لا تزال بعيدة عن هدفها بشأن التمويل المناخي

كانت عوامل التشتيت أكبر من الصفقات في الأسبوع الأول من محادثات المناخ التابعة للأمم المتحدة (كوب 29)، الأمر الذي ترك الكثير مما يتعين القيام به.

«الشرق الأوسط» (باكو)

أميركا توسّع لائحتها السوداء ضد الشركات الصينية

حاويات وسفن شحن في ميناء تشينغداو بمقاطعة شاندونغ الصينية (رويترز)
حاويات وسفن شحن في ميناء تشينغداو بمقاطعة شاندونغ الصينية (رويترز)
TT

أميركا توسّع لائحتها السوداء ضد الشركات الصينية

حاويات وسفن شحن في ميناء تشينغداو بمقاطعة شاندونغ الصينية (رويترز)
حاويات وسفن شحن في ميناء تشينغداو بمقاطعة شاندونغ الصينية (رويترز)

أعلنت الولايات المتحدة، أنها وسّعت مجدداً لائحتها السوداء التي تحظر استيراد منتجات من منطقة شينجيانغ الصينية، أو التي يُشتبه في أنها صُنعت بأيدي أويغور يعملون قسراً.

وقد اتُّهمت نحو 30 شركة صينية جديدة باستخدام مواد خام أو قطع صنِعَت أو جمِعَت بأيدي أويغور يعملون قسراً، أو بأنها استخدمت هي نفسها هذه العمالة لصنع منتجاتها.

وبهذه الإضافة، يرتفع إلى 107 عدد الشركات المحظورة الآن من التصدير إلى الولايات المتحدة، حسبما أعلنت وزارة الأمن الداخلي.

وقالت الممثلة التجارية الأميركية، كاثرين تاي، في بيان: «بإضافة هذه الكيانات، تواصل الإدارة (الأميركية) إظهار التزامها بضمان ألّا تدخل إلى الولايات المتحدة المنتجات المصنوعة بفعل العمل القسري للأويغور أو الأقليات العرقية أو الدينية الأخرى في شينجيانغ».

وفي بيان منفصل، قال أعضاء اللجنة البرلمانية المتخصصة في أنشطة «الحزب الشيوعي الصيني» إنهم «سعداء بهذه الخطوة الإضافية»، عادّين أن الشركات الأميركية «يجب أن تقطع علاقاتها تماماً مع الشركات المرتبطة بالحزب الشيوعي الصيني».

يحظر قانون المنع الذي أقرّه الكونغرس الأميركي في ديسمبر (كانون الأول) 2021، كل واردات المنتجات من شينجيانغ ما لم تتمكّن الشركات في هذه المنطقة من إثبات أن إنتاجها لا ينطوي على عمل قسري.

ويبدو أن المنتجات الصينية ستجد سنوات صعبة من التصدير إلى الأسواق الأميركية، مع تهديدات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية تزيد على 60 في المائة على السلع الصينية جميعها، وهو ما أثار قلق الشركات الصينية وعجَّل بنقل المصانع إلى جنوب شرقي آسيا وأماكن أخرى.

كانت وزارة التجارة الصينية، قد أعلنت يوم الخميس، سلسلة من التدابير السياسية التي تهدف إلى تعزيز التجارة الخارجية للبلاد، بما في ذلك تعزيز الدعم المالي للشركات وتوسيع صادرات المنتجات الزراعية.

وكانت التجارة أحد المجالات النادرة التي أضاءت الاقتصاد الصيني في الآونة الأخيرة، في وقت يعاني فيه الاقتصاد من ضعف الطلب المحلي وتباطؤ قطاع العقارات، مما أثقل كاهل النمو.

وقالت الوزارة، في بيان نشرته على الإنترنت، إن الصين ستشجع المؤسسات المالية على تقديم مزيد من المنتجات المالية؛ لمساعدة الشركات على تحسين إدارة مخاطر العملة، بالإضافة إلى تعزيز التنسيق بين السياسات الاقتصادية الكلية للحفاظ على استقرار اليوان «بشكل معقول».

وأضاف البيان أن الحكومة الصينية ستعمل على توسيع صادرات المنتجات الزراعية، ودعم استيراد المعدات الأساسية ومنتجات الطاقة.

ووفقاً للبيان، فإن الصين سوف «ترشد وتساعد الشركات على الاستجابة بشكل نشط للقيود التجارية غير المبررة التي تفرضها البلدان الأخرى، وتخلق بيئة خارجية مواتية لتعزيز الصادرات».

وأظهر استطلاع أجرته «رويترز»، يوم الخميس، أن الولايات المتحدة قد تفرض تعريفات جمركية تصل إلى 40 في المائة على وارداتها من الصين في بداية العام المقبل، مما قد يؤدي إلى تقليص نمو الاقتصاد الصيني بنسبة تصل إلى 1 نقطة مئوية.