التعاون الدولي والبعد الإنساني يستأثران بقسط وافر من نقاشات مؤتمر مراكش للهجرة

تواصلت أمس في مدينة مراكش، لليوم الثاني (الأخير)، نقاشات المؤتمر الدولي للهجرة، التي تطرقت إلى سبل تعزيز التعاون بين الدول الموافقة على ميثاق الأمم المتحدة للهجرة، الذي جرى تبنيه في افتتاح المؤتمر (الاثنين). واستأنف ممثلو نحو 60 دولة مرافعاتهم دفاعاً عن الميثاق الذي أثار اعتراضات القوميين وأنصار إغلاق الحدود في وجه المهاجرين.
وانكب المشاركون في مؤتمر مراكش، من خلال برمجة غنية تشمل ثلاث جلسات عامة وجلستين حواريتين وعدداً من اللقاءات الثنائية، على بحث سبل تدبير أفضل لظاهرة الهجرة، في ضوء اتفاق مراكش التاريخي وغير المسبوق، سعياً نحو تكريس مقاربة إنسانية تشاركية وتضامنية في مختلف أبعادها.
وأجمع المشاركون على اعتبار الميثاق وثيقة مهمة تطمح إلى أن تشكل مرحلة جديدة في مسلسل التعاون الدولي، الهادف إلى تدبير أفضل لظاهرة الهجرة التي تتطلب «تضامناً مسؤولاً». ويذكر أن المؤتمر شهد في يومه الأول تنظيم جلستين عامتين، وعدة جلسات للحوار، تناولت ظاهرة الهجرة من مختلف جوانبها، حيث أكد ممثلو الدول المشاركة والمنظمات الدولية والمجتمع المدني والقطاعات العمومية على أن الميثاق الدولي للهجرة الذي صادق عليه المؤتمر يشكّل لبنة جديدة في مسلسل تعزيز تعددية الأطراف.
وأوضح المتحدثون خلال هذه الجلسات أن الميثاق الدولي من أجل الهجرة يعتبر كذلك آلية لتدبير الهجرة تعتمد على التعاون الدولي، وتحث على التنسيق بين جميع الفاعلين المهتمين بالهجرة، سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي أو الدولي.
كما اعتبروا أن الميثاق الدولي للهجرة تمت المصادقة عليه في الوقت المناسب، على اعتبار أن تدفقات الهجرة ما زالت قائمة، ويمكن أن تتفاقم في أي وقت، نظراً لتدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية لمجموعة من البلدان من مختلف مناطق العالم، وبسبب التغيرات المناخية، مضيفين أن الميثاق سيساهم في وضع حد لانتهاك حقوق المهاجرين، بما أنه وثيقة تضفي طابعاً إنسانياً على تدبير الهجرة.
وفِي اليوم الثاني للمؤتمر، بدا أن البعد الإنساني قد استأثر بقسط وافر من النقاشات والحوارات والاجتماعات، قصد ربط الشراكات والقيام بمبادرات، والاستلهام من التجارب النموذجية في مجال الهجرة. وكان ممثلو 164 من أصل 193 دولة عضواً في الأمم المتحدة قد تبنوا الاثنين ميثاق الهجرة العالمي.
وأعلنت البرازيل بعد ساعات من ذلك أنها ستنسحب من الميثاق حالما يتسلم الرئيس المنتخب اليميني المتطرف جاير بولسونارو مهامه في الأول من يناير (كانون الثاني). وجاء هذا الإعلان على لسان وزير الخارجية البرازيلي المقبل إرنستو أروجو، بينما كان الوزير الحالي موجوداً في مراكش لتبني الميثاق.
وقال أروجو، الاثنين، إن الحكومة المقبلة «ستنأى بنفسها عن ميثاق الأمم المتحدة بشأن الهجرة»، وأضاف: «ستنأى حكومة بولسونارو بنفسها عن ميثاق الهجرة العالمي الذي يتم إطلاقه في مراكش؛ إنه أداة غير كافية للتعامل مع المشكلة»، وتابع: «لا ينبغي التعامل مع الهجرة كقضية عالمية، ولكن وفقاً لواقع وسيادة كل بلد».
وفي غضون ذلك، قال وزير الدولة للشؤون الخارجية البرازيلي ألويسيو نونييس فيريرا، أمس (الثلاثاء)، إن الميثاق العالمي من أجل هجرة آمنة ومنظمة ومنتظمة، الذي تمت المصادقة الرسمية عليه أمس، في إطار أشغال المؤتمر الحكومي الدولي حول الهجرة، يصب في مصلحة الإنسانية، ولا يتعارض مع سيادة الدول، بل على العكس يساعد ويساهم في تعزيز فعالية المعايير المتبناة من طرف كل بلد. وأوضح المسؤول البرازيلي، في تصريح صحافي على هامش أشغال المؤتمر، أن التعاون بين الدول يعد مهماً، بهدف تعزيز فعالية المعايير المعتمدة، خصوصاً المتعلقة بمحاربة الهجرة غير القانونية، مشدداً على ضرورة توثيق التعاون بين الدول بشكل يمكن من التصدي لشبكات الاتجار في البشر، ومن تقييم مختلف تدفقات الهجرة بين البلدان.
واعتبر أن ظاهرة الهجرة تستدعي التعاون بين الدول، مسجلاً أن الميثاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والمنتظمة يعد سياسياً، وليس قانونياً ملزماً، بل يجسد استعداد البلدان للتعاون فيما بينها، ومع مجتمعاتها المدنية، سواء فيما يخص مواجهة الهجرة غير القانونية أو تبني سياسات لفائدة المهاجرين.
وأعرب المسؤول البرازيلي عن الأمل في أن تعمل البلدان الموقعة على تفعيل أهداف الميثاق باعتباره «مرحلة تاريخية مهمة»، مجدداً التأكيد على أن السياسات الوطنية في مجال الهجرة تعد من مسؤولية الدول.
واستعرض المسؤول البرازيلي تجربة بلاده في مجال الهجرة، باعتبارها بلداً يضم أكثر من 200 مليون نسمة، تمزج بين اليهود والعرب والأفارقة والأوروبيين والآسيويين، مبرزاً أن نحو 50 في المائة من البرازيليين يعتبرون أنهم من أصول أفريقية.
وأكد أن البرازيل تعتبر الهجرة عاملاً لإغناء المجتمع، وتحقيق التنمية الاقتصادية، مضيفاً أن بلاده تتوفر على قانون للهجرة يساعد المهاجرين على الحصول على الوثائق، ويتيح لهم الولوج إلى الخدمات العمومية والقانونية، كما ينسجم مع الميثاق العالمي الذي تمت المصادقة عليه. ويعد مؤتمر مراكش محطة شكلية في مسار هذا الميثاق، قبل خضوعه لتصويت نهائي من أجل إقراره في 19 ديسمبر (كانون الأول) الجاري أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وأثار الميثاق كثيراً من الانتقادات. ورغم الاتفاق عليه في 13 يوليو (تموز)، في نيويورك، انسحبت 15 دولة من محادثات تفعيل الميثاق، بعدما كانت ضمن الموافقين عليه. وتشمل لائحة المنسحبين كلاً من: النمسا وأستراليا والتشيك وجمهورية الدومينكان والمجر وليتوانيا وبولندا وسلوفاكيا. وارتأت سبع دول أخرى إجراء المزيد من المشاورات الداخلية بخصوصه، وهي: بلجيكا وبلغاريا وإستونيا وإيطاليا وسلوفينيا وسويسرا وإسرائيل، في حين عارضت الولايات المتحدة الميثاق منذ البداية. وبدا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش واثقاً من مستقبل الميثاق، رغم الانسحابات، وقال الاثنين إن حضور «أكثر من 150 دولة» المؤتمر يمثل «جواباً» على ما أثير حول هذا النص.
ويتضمن النص غير الملزم، الواقع في 25 صفحة، مبادئ تتعلق بالدفاع عن حقوق الإنسان والأطفال، والاعتراف بالسيادة الوطنية للدول. ويقترح إجراءات لمساعدة البلدان التي تواجه موجات هجرة، من قبيل تبادل المعلومات والخبرات، ودمج المهاجرين، كما ينص على منع الاعتقالات العشوائية في صفوف المهاجرين، وعدم اللجوء إلى إيقافهم، سوى كخيار أخير. ويرى المدافعون عن حقوق الإنسان أن مضمون النص يبقى غير كافٍ، مسجلين أنه لا يضمن حصول المهاجرين على المساعدة الإنسانية والخدمات الأساسية، كما لا يضمن حقوق العاملين من بينهم، بينما يعتبر منتقدوه أنه يفتح الباب أمام موجات هجرة كثيفة لا يمكن التحكم فيها.