صندوق النقد: التباطؤ العالمي سينعكس على الاقتصاد الأميركي

توقّع كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي أن تلمس الولايات المتحدة تداعيات تباطؤ النمو الاقتصادي المسجّل في بقية أنحاء العالم، مستبعدا في الوقت الراهن انكماش أكبر قوة اقتصادية في العالم.
وفي مقابلة مع صحيفتي «وول سريت جورنال» و«فايننشال تايمز» قبل أيام من تركه منصبه، قال موريس أوبستفيلد: «نحن نتوقّع منذ فترة تباطؤا تدريجيا للنمو الأميركي في 2019 مقارنة بالعام الحالي»، مع تراجع التحفيزات الضريبية والمالية التي تقدّمها الإدارة الأميركية.
وقال أوبستفيلد إن التباطؤ «سيكون أكبر في 2020 مقارنة مع 2019 بحسب معطياتنا»، في حين خفّض الصندوق توقّعاته للنمو الأميركي للعام المقبل من 2.9 إلى 2.5 في المائة.
وتابع كبير الخبراء الاقتصاديين: «بالنسبة لبقية أنحاء العالم، يبدو أن البالون بدأ يفرغ من الهواء (الفورة بدأت تخمد)، وهذا سيؤثر في نهاية المطاف على الولايات المتحدة»، مستندا في ذلك إلى معطيات اقتصادية أقل من التوقعات في آسيا وأوروبا في الفصل الثالث.
وعلى غرار ما فعل منذ أشهر، ندد أوبستفيلد، الذي يغادر منصبه في صندوق النقد نهاية العام لتحل محله البروفسورة في جامعة هارفرد غيتا غوبيناث، بالنزاعات التجارية التي تهدد النمو العالمي... لكّنه استبعد إمكانية العودة إلى حقبة مشابهة للكساد الكبير «حين انهار الاقتصاد تحت ضغط القيود التجارية».
واعتبر كبير اقتصاديي صندوق النقد أن «التوترات الحالية يمكن أن تكون مضرّة، لأن الاستثمارات والإنتاج على مستوى العالم مرتبطة بالتجارة، لكن ليس من شأن ذلك أن يقود إلى الانهيار الذي شهدناه في ثلاثينيات القرن الماضي».
وفي مقابلة أجرتها معها شبكة «سي بي إس» التلفزيونية الأميركية، جددت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد تخوّفها من أن تؤدي التوترات التجارية إلى فرض مزيد من الضرائب والرسوم الجمركية.
ولدى سؤالها عن المظاهرات التي تشهدها فرنسا، ردّت لاغارد سيكون لها «بلا شك» تأثير اقتصادي. وقالت لاغارد: «إنها مشاهد محزنة جدا، وأن يحدث ذلك في باريس أمر محزن للغاية»، في إشارة إلى مشاهد أعمال العنف والأضرار التي سجّلت خلال المظاهرات والتي تناقلتها محطات التلفزة الفرنسية والأجنبية.
من جهة أخرى، قال أوبستفيلد، إن انفتاح الصين المتزايد على التجارة والاستثمار الدوليين سيساعد على تعزيز نموها الاقتصادي واستقرارها مع تحول البلاد إلى مرحلة من التنمية عالية الجودة.
وصرح أوبستفيلد بأن الإصلاح والانفتاح في الصين، الذي بدأ في أواخر السبعينات من القرن الماضي، «كان له تأثيرات إيجابية ملحوظة على مستوى المعيشة في الصين»، متابعا بأن «الكثير من هذه التأثيرات امتدت إلى بلدان أخرى، لا سيما في شرق آسيا وأماكن أخرى في العالم الناشئ».
وكجزء من جهودها للاحتفال بالذكرى السنوية الـ40 للإصلاح والانفتاح، أعلنت الصين عن سلسلة من التدابير الملموسة لانفتاح أوسع أمام المستثمرين الأجانب، بما في ذلك توسيع نطاق الوصول إلى الأسواق وتحسين بيئة الاستثمار وزيادة الواردات. وقال أوبستفيلد إن «الانفتاح بشكل أكبر على الاستثمار الأجنبي يمكن أن يفيد الصين كثيرا»، مضيفا أن هناك «مجالا كبيرا» للصين للانفتاح بشكل أكبر ولإعطاء الأسواق حتى «دورا أكبر» في الاقتصاد، ما سيساعد على تعزيز النمو والاستقرار الاقتصاديين في الصين.
وإذ يسلّم بأن السلطات الصينية قد اتخذت خطوات لكبح جماح نمو الائتمان السريع والإشراف بشكل أفضل على القطاع المالي، يعتقد أوبستفيلد أن زيادة مرونة سعر الصرف هي أمر أساسي أيضا لنمو الصين على المدى الطويل.
وقال كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، إن «هناك أجندة إصلاحية كبيرة. وأعتقد أن واحدة من أكبر المسائل بالنسبة للصين هي أيضا التوجه نحو عملة أكثر مرونة». وأضاف أن «هذا شيء، مجددا، هو هدف معلن بالنسبة للسلطات، لكنه سيكون من المهم للغاية في مساعدة الاقتصاد على التكيف وكذا في نهاية المطاف نزع فتيل بعض التوترات التجارية».
ولدى إشارته إلى أن الصين هي منتج على نحو متزايد للتكنولوجيات الجديدة، أفاد أوبستفيلد بأنه من مصلحة الصين تعزيز حماية حقوق الملكية الفكرية وإصلاح هذا النظام على أساس متعدد الأطراف. وأضاف: «أعتقد أنه من المهم حقا ألا يحدث هذا بطريقة صدامية، لأن من شأن ذلك أن يكون مزعزعا لاستقرار الاقتصاد العالمي بأكمله».
وفي معرض حديثه عن التغيرات الرئيسية في الاقتصاد العالمي، قال أوبستفيلد إن مؤسسات التعددية والأساس المتعدد الأطراف للحوكمة الدولية كانت «ليست موضع جدال بشكل أساسي» عندما انضم إلى صندوق النقد الدولي في سبتمبر (أيلول) عام 2015 , مع ذلك، لفت إلى أنه في الوقت الراهن «يبدو أن هناك الكثير من التشكيك في التعددية، وخاصة من جانب الحكومة الأميركية».
وتابع بأن «هناك نهجا أكثر صدامية في العلاقات الاقتصادية الدولية مما كنا نرى، وهذا تغيير كبير حقا».
ولدى إشارته إلى إدراج العملة الصينية، الرنمينبي، في سلة حقوق السحب الخاصة بصندوق النقد الدولي، أفاد أوبستفيلد بأن تضمين الصين في النظام المتعدد الأطراف هو «في الواقع يصب في مصلحة الجميع».