العراق يُحيي ذكرى الانتصار على «داعش» بمخاوف من عودة الإرهاب

أحيا العراقيون أمس، الذكرى الأولى لإعلان الانتصار على تنظيم «داعش» الذي تمكن من احتلال نحو ثلث الأراضي العراقية بعد شهر يونيو (حزيران) 2014، قبل أن تتمكن القوات الحكومية من إحراز النصر العسكري بعد أكثر من ثلاث سنوات، وإعلان رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي بيان النصر في 9 ديسمبر (كانون الأول) 2017.
ووقف العراقيون في مختلف المحافظات الساعة الواحدة من ظهر أمس، دقيقة صمت ترحماً على «أرواح الشهداء» وتضامناً مع عوائلهم وجرحى المعارك ضد «داعش». ومرت ذكرى الانتصار الأولى في ظل الانسداد السياسي القائم وتعثر اكتمال التشكيلة الوزارية التي يقودها رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، بعد نحو 7 أشهر من إجراء الانتخابات التشريعية في مايو (أيار) الماضي، كما مرت وسط مخاوف من عودة الإرهاب وتحذيرات من تنامي الصراعات السياسية داخل البرلمان، وتفشي ظاهرة الفساد، واحتمالات بروز أشكال جديدة من العنف في ظل عدم إعادة إعمار المناطق المتضررة وعودة النازحين، وقد عبّر عن هذه المخاوف كثير من الشخصيات وزعماء الكتل السياسية.
رئيس الوزراء عادل عبد المهدى الذي ألقى كلمة في الاحتفالية المركزية لوزارة الدفاع بمناسبة ذكرى الانتصار، قال صراحة إن «النصر النهائي الذي نصبو إليه هو تحقيق طموحات وتطلعات شعبنا في الاستقرار والبناء والإعمار والتخلص من البطالة ومن مظاهر الفساد الذي كان ولا يزال يمثل وجهاً آخر من أوجه الخراب والإرهاب، وما لم ننتصر على الفساد سيبقى نصرنا منقوصاً».
وقريب من كلام عبد المهدي، القناعة التي عبّر عنها زعيم ائتلاف «الوطنية» إياد علاوي، الذي «حيّا الأبطال الذين صنعوا النصر وطرّزوه بدمائهم»، في تغريدة على «توتير» بمناسبة ذكرى الانتصار أمس. وقال علاوي إن «غياب الأسس الواضحة للتفاهم السياسي، والإصرار على نهج المحاصصة، وتغليب المصالح الشخصية والحزبية على مصلحة الوطن والمواطن، وعدم اتخاذ خطوات حازمة تجاه مافيات الفساد والمفسدين، خطر جسيم يهدد الانتصارات والمكاسب التي تحققت وينذر بمستقبل غامض للبلد».
كذلك عبّر رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، عن مخاوف مماثلة في البيان الذي أصدره أمس، بمناسبة الذكرى، وقال في إحدى فقرات بيانه إن «احتفالنا بتحرير الموصل هو احتفال بالنصر في جميع المدن التي حررها أبطالنا، وإنما جاء هذا اليوم تعبيراً عن إنجاز المرحلة الأهم في مسيرة النصر». وأضاف: «لا يمكن أن نعدّ هذا النصر نصراً مكتملاً ما لم يتم ضمان حقوق الشهداء والجرحى والمقاتلين».
من جانبه، قال رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية واثق الهاشمي، لـ«الشرق الأوسط»: «المؤسف أن الطبقة السياسية لم تحسّن استثمار النصر الكبير الذي تحقق على (داعش) على كل المستويات تقريباً، وبالتالي ثمة حالة إحباط كبيرة في الشارع العراقي وخشية من عودة (داعش) مع بقاء المناطق المخربة على حالها والمعاناة الموجودة في محافظات الجنوب».
ويقول السياسي هاشم الحبوبي الذي يشغل منصب الأمين العام المساعد لحزب «الوفاق» بزعامة إياد علاوي، إن «لحظة الاحتفال بالنصر مستحقة ورائعة. (داعش) خسر ولم يعد له مكان لا يمكن الوصول إليه، لكنّ ذلك لا يعني أنه انتهى، فثمة كلام عن بقاء ما لا يقل عن 4 آلاف من عناصره في العراق». ويعتقد الحبوبي لـ«الشرق الأوسط» أن «الكارثة التي حصلت لم تسفر عن محاسبة أي أحد ومعرفة أسباب دخول (داعش). أظن أننا بحاجة إلى محاسبات سياسية فضلاً عن الجنائية».
وأضاف: «أتصور أن من الضروري سؤال رئيس الوزراء في حينها نوري المالكي عن ذلك ومعرفة أسبابه»، وشدد على ضرورة «قيام العراق بإنشاء مراكز دراسات متخصصة للوقوف على كارثة (داعش)، ولا أدري لماذا يستحيي القائمون على الأمور من القيام بذلك؟».
وبالتزامن مع الذكرى السبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان وذكرى الانتصار على «داعش» أصدر المرصد العراقي لحقوق الإنسان، أمس، بياناً تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه قال فيه إن «حقوق الإنسان مغيَّبة في العراق ولا قيمة للنصر العسكري دون النصر الإنساني»، مشدداً على أن «النصر لا يقتصر على الملف العسكري فحسب، بل لا نصر وما زال الإنسان يعاني بسبب تلك الحرب، فمئات الآلاف من النازحين ما زالوا في وضع سيئ، وما زال الذين عادوا إلى مدنهم لم يجدوا بيئة صالحة للعيش، ولم يجد جميع من يعيش في هذه البلاد فرصة للعيش بكرامة».
واسترعى الانتباه أمس، قيام السفارة الأميركية بتحذير مواطنيها من السفر إلى العراق أو الخروج إلى الشوارع خلال الاحتفالات. وقال بيان للسفارة: «الإجراءات التي يتعين اتخاذها هي عدم السفر للعراق، إضافة إلى البقاء داخل المنازل والأماكن المحمية من سقوط المقذوفات»، في إشارة إلى الأعيرة النارية التي قد يطلقها المواطنون بمناسبة الذكرى.