قصة قصيرة: الأبيض والأسود

قصة قصيرة: الأبيض والأسود
TT

قصة قصيرة: الأبيض والأسود

قصة قصيرة: الأبيض والأسود

تمدد باهر فوق العشب المندى وسط ميدان ساحة كبيرة في بلده الجديد الذي لجأ إليه أخيراً، غير آبه بما سيترك هذا البلل من تجمع الماء تحت خاصرته التي يجتاحها الألم بين الحين والآخر إثر مرض مزمن قديم نتيجة لكمات قوية كان قد تلقاها من ذلك الرجل الجسور المفتول العضلات المدجن على أكل لحوم البشر، والمحنك في وسائل التعذيب المقننة في المعتقلات والزنزانات العفنة برائحة الدم والموت ذات الجدران السميكة، والأضواء الخافتة المدهونة بالطلاء الأحمر، وضع يديه تحت رأسه وبدأ يعد النجوم في السماء، ثم خطرت في باله أن يسميها بأسماء رفاقه الذين يرقدون بسلام في الأراضي القاحلة المجاورة للسجن الكبير شمال عاصمة بلده، بعد أن تمددت رقابهم طويلاً وغاب عنهم ذووهم وأحبتهم بأمر من السلطة، حيث تولى عسكر الموت مهمة دفنهم خلسة. لكنه ارتعب لحظة خشية أن تقيد عليه في سجلات المخبرين من رجال الأمن والجواسيس المنتشرين بكثرة بين أكوام القاذورات والأوساخ. وفجأة راح يضحك في هستيرية مرة منبطحاً على وجهه، وأخرى متكوماً، واضعاً رأسه بين يديه وقدميه مشكلاً قفصاً هلالياً شبيهاً بتلك الأقفاص المتعددة والمضلعة التي تزدحم بها ذاكرته التي أسعفته في هذه اللحظة، فأعطته الإشارة أنه الآن مقذوف من تلك الجمهوريات وشعارات الثورة المناهضة للإمبريالية، وسطوة المال والجحيم، وحقوق الإنسان الخاوية، والسياسات العفنة، إلى حضن البداوة الأكثر رحمة منها، فتحسس جسده، وراح ينظر لطفل يلعب بالقرب منه، كان برموش مكحلة. دنا منه حاول أن يمسكه انزلق الصبي مرتاباً، لكنه استمر يغني بلغة كان باهر قد تعود سماعها في السينما، حينما كان في مدينته الجنوبية الغافية على النهر، باهر كان يحفظ صور أبطال هذه الأفلام التي كانت مشحونة بالغناء والحزن والبكاء، بقيت عيناه شاخصتين تراقبان الصبي الذي فر منه باتجاه والديه، أدرك حينها أن العالم يتسع للجميع، فلماذا القهر ومسالخ الموت المنصوبة، والاستعباد والظلم والسجون المكتظة بالبشر، ألا يكفي أن ينفى الإنسان إلى المجهول، فتبدو اللحظة تتجاوز وجوده ويصبح المنفى بديلاً للحرية.
قال باهر. هل يتعقبني الزمن؟
أجابت روحه
- لا أدري، ربما سأغادر مرة أخرى، أو ربما أعود كالطفل الذي كان بقربي، وأغادر هذا المنفى لكي أتنفس الوطن بين أحشاء تربته.
لكن ألا تحسد نفسك اليوم أنك لم تمت؟
- ومن قال إنني لم أمت يا محمود أتتذكر. ثم استدرك:
- كيف تحدثني وأنت ميت؟
- نعم أتذكر جيداً حينما رش علينا ذلك اللعين زخات الرصاص ونحن مجرد موتى في تلك الغرف المظلمة الرطبة لا أدري.
كيف نجوت أنت؟
- لقد أخذوني لوجبة تعذيب إضافية وعندما عدت لم أجدك، أين ذهبت؟ قال باهر
- لقد علقوني وأنا ميت ثم قرأ السجان شهادة موتي بتوقيع أحمر من الرئيس.
- وماذا فعلنا يا محمود؟
- أسرقنا أم قتلنا مثلهم؟
- سيان فالجلاد لا يفرق بين ضحاياه.
- لا تمت يا صديقي محمود، لأنني بحاجة إليك.
غادر باهر شروده ودخل الفراغ السرمدي، متجولاً بين حافات المدن الساكنة في الذاكرة، تلمس أعضاءه وأدرك أنه السراب بلون أحمر فالذاكرة شريط سينمائي بالأبيض والأسود.
لكنه سيعود حتماً...

- صحافي وكاتب عراقي مقيم في دولة الإمارات العربية المتحدة



قضية ابنة شيرين عبد الوهاب تجدد الحديث عن «الابتزاز الإلكتروني»

شيرين وابنتها هنا (إكس)
شيرين وابنتها هنا (إكس)
TT

قضية ابنة شيرين عبد الوهاب تجدد الحديث عن «الابتزاز الإلكتروني»

شيرين وابنتها هنا (إكس)
شيرين وابنتها هنا (إكس)

جدد الحكم القضائي الصادر في مصر ضد شاب بتهمة ابتزاز وتهديد الطفلة «هنا»، ابنة الفنانة المصرية شيرين عبد الوهاب، الحديث عن «الابتزاز الإلكتروني» عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وسبب انتشاره بكثافة، ومدى المخاطر التي يحملها، لا سيما ضد المراهقات.

وقضت محكمة جنايات المنصورة بالحبس المشدد 3 سنوات على المتهم، وهو طالب بكلية الهندسة، بعد ثبوت إدانته في ممارسة الابتزاز ضد ابنة شيرين، إثر نجاحه في الحصول على صور ومقاطع فيديو وتهديده لها بنشرها عبر موقع «تيك توك»، إذا لم تدفع له مبالغ مالية كبيرة.

وتصدرت الأزمة اهتمام مواقع «السوشيال ميديا»، وتصدر اسم شيرين «الترند» على «إكس» و«غوغل» في مصر، الجمعة، وأبرزت المواقع عدة عوامل جعلت القضية مصدر اهتمام ومؤشر خطر، أبرزها حداثة سن الضحية «هنا»، فهي لم تتجاوز 12 عاماً، فضلاً عن تفكيرها في الانتحار، وهو ما يظهر فداحة الأثر النفسي المدمر على ضحايا الابتزاز حين يجدون أنفسهم معرضين للفضيحة، ولا يمتلكون الخبرة الكافية في التعامل مع الموقف.

وعدّ الناقد الفني، طارق الشناوي، رد فعل الفنانة شيرين عبد الوهاب حين أصرت على مقاضاة المتهم باستهداف ابنتها بمثابة «موقف رائع تستحق التحية عليه؛ لأنه اتسم بالقوة وعدم الخوف مما يسمى نظرة المجتمع أو كلام الناس، وهو ما يعتمد عليه الجناة في مثل تلك الجرائم».

مشيراً لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «أبناء المشاهير يدفعون أحياناً ثمن شهرة ومواقف ذويهم، مثلما حدث مع الفنانة منى زكي حين تلقت ابنتها حملة شتائم ضمن الهجوم على دورها في فيلم (أصحاب ولاّ أعز) الذي تسبب في موجة من الجدل».

وتعود بداية قضية ابنة شيرين عبد الوهاب إلى مايو (أيار) 2023، عقب استدعاء المسؤولين في مدرسة «هنا»، لولي أمرها وهو والدها الموزع الموسيقي محمد مصطفى، طليق شيرين، حيث أبلغته الاختصاصية الاجتماعية أن «ابنته تمر بظروف نفسية سيئة للغاية حتى أنها تفكر في الانتحار بسبب تعرضها للابتزاز على يد أحد الأشخاص».

ولم تتردد شيرين عبد الوهاب في إبلاغ السلطات المختصة، وتبين أن المتهم (19 عاماً) مقيم بمدينة المنصورة، وطالب بكلية الهندسة، ويستخدم حساباً مجهولاً على تطبيق «تيك توك».

شيرين وابنتيها هنا ومريم (إكس)

وأكد الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع، أن «الوعي لدى الفتيات والنساء هو كلمة السر في التصدي لتلك الجرائم التي كثُرت مؤخراً؛ نتيجة الثقة الزائدة في أشخاص لا نعرفهم بالقدر الكافي، ونمنحهم صوراً ومقاطع فيديو خاصة أثناء فترات الارتباط العاطفي على سبيل المثال»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «كثيراً من الأشخاص لديهم وجه آخر صادم يتسم بالمرض النفسي أو الجشع والرغبة في الإيذاء ولا يتقبل تعرضه للرفض فينقلب إلى النقيض ويمارس الابتزاز بكل صفاقة مستخدماً ما سبق وحصل عليه».

فيما يعرّف أستاذ كشف الجريمة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بمصر، الدكتور فتحي قناوي، الابتزاز الإلكتروني بوصفه «استخدام التكنولوجيا الحديثة لتهديد وترهيب ضحية ما، بنشر صور لها أو مواد مصورة تخصها أو تسريب معلومات سرية تنتهك خصوصيتها، مقابل دفع مبالغ مالية أو استغلال الضحية للقيام بأعمال غير مشروعة لصالح المبتزين».

ويضيف في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «مرتكب الابتزاز الإلكتروني يعتمد على حسن نية الضحية وتساهلها في منح بياناتها الخاصة ومعلوماتها الشخصية للآخرين، كما أنه قد يعتمد على قلة وعيها، وعدم درايتها بالحد الأدنى من إجراءات الأمان والسلامة الإلكترونية مثل عدم إفشاء كلمة السر أو عدم جعل الهاتف الجوال متصلاً بالإنترنت 24 ساعة في كل الأماكن، وغيرها من إجراءات السلامة».

مشدداً على «أهمية دور الأسرة والمؤسسات الاجتماعية والتعليمية والإعلامية المختلفة في التنبيه إلى مخاطر الابتزاز، ومواجهة هذه الظاهرة بقوة لتفادي آثارها السلبية على المجتمع، سواء في أوساط المشاهير أو غيرهم».