مصر والسعودية تقودان اجتماع منظمات تمويل الأبحاث العلمية بالقاهرة

جانب من اجتماع تمويل الأبحاث العلمية في أكاديمية البحث العلمي المصرية أمس
جانب من اجتماع تمويل الأبحاث العلمية في أكاديمية البحث العلمي المصرية أمس
TT

مصر والسعودية تقودان اجتماع منظمات تمويل الأبحاث العلمية بالقاهرة

جانب من اجتماع تمويل الأبحاث العلمية في أكاديمية البحث العلمي المصرية أمس
جانب من اجتماع تمويل الأبحاث العلمية في أكاديمية البحث العلمي المصرية أمس

«إدارة تمويل البحث العلمي قد تكون في أحيان كثيرة أهم من زيادته...» سيطرت هذه القاعدة على اجتماع اليوم الأول للمجلس العالمي للبحوث في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أمس، الذي تستضيفه أكاديمية البحث العلمي المصرية، بالتعاون مع مدينة الملك عبد العزيز بالسعودية، ويختتم أعماله اليوم الثلاثاء.
وشدّد الخبراء المشاركون، الذين يمثلون منظمات تمويل الأبحاث العلمية، على أهمية الإدارة الناجحة التي تقيّم المردود الاقتصادي والاجتماعي للأبحاث. ويوجد طريقان في هذا الإطار أشاروا إليهما، هما إما الاهتمام بتمويل بحوث المشروعات التطبيقية التي يكون لها مردود سريع، وإما الاهتمام بتمويل بحوث العلوم الأساسية، التي تنتج معرفة في مجال العلوم، تأخذ بعض الوقت للتحول إلى مشروع تطبيقي، فيما يعرف بـ«اقتصاد المعرفة».
ويقول الدكتور محمود صقر، رئيس أكاديمية البحث العلمي المصرية لـ«الشرق الأوسط»: «بعض الدول تختار الطريق الأول السريع، ودول أخرى تختار الطريق الثاني البطيء، ولكنّنا في مصر قررنا السير بشكل متواز في الاتجاهين».
وسواء قررت أن تسير في الاتجاه الأول أو الثاني، يؤكد الدكتور صقر أنّه «يجب أن يكون لديك تقييم موضوعي لمردود الأبحاث العلمية يساعد في فهم مجتمعي أكبر لدور البحث العلمي ويحفز مشاركة أطراف أخرى مثل القطاع الخاص في تمويل الأنشطة البحثية».
وتفتقد كثير من الدول العربية إلى دور القطاع الخاص في تمويل البحث العلمي، وكانت التوصية المهمة التي خرجت من الدول والمنظمات المشاركة في الاجتماع، أن الحكومات وحدها لن تستطيع تلبية احتياجات البحث العلمي التمويلية، وبات إشراك القطاع الخاص ضرورة لا مفر منها للنهوض بالبحث العلمي.
وانطلق المجتمعون من تشخيص الداء إلى اقتراح الآليات، وأشار الدكتور صقر إلى آلية منها وهي «ضرورة التركيز على تمويل الأبحاث التي تحقق منفعة عامة، ومتابعة ما حققته هذه الأبحاث، وإعلان ذلك عبر وسائل الدعاية المختلفة، لتشجيع القطاع الخاص على التمويل».
وشدد على أن قانون حوافز العلوم والتكنولوجيا لعلوم الابتكار الذي أقره مجلس النواب المصري أخيرا، سيساعد كثيرا في اتجاه إشراك القطاع الخاص في تمويل البحث العلمي المصري.
من جانبه، استعرض وفد مدينة الملك عبد العزيز برئاسة الدكتور أنس الفارس، نائب رئيس المدينة لمعاهد البحوث، تجربة المدينة في تمويل الأبحاث التي يكون لها أثر اقتصادي واجتماعي يشعر به المجتمع.
ويقول الدكتور أحمد محمد العبد القادر، المشرف العام على الإدارة العامة لمنح البحوث في المدينة، وأحد المشاركين في الاجتماع لـ«الشرق الأوسط»، إنّ «المدينة تدعم 7 برامج بحثية، ويتقدم سنويا عشرات الأبحاث الراغب أصحابها في الحصول على تمويل، ولكن اختيار البحث الذي يمنح التمويل يتم من خلال لجنة من المحكمين تابعة للمؤسسة الأميركية لتقدم العلوم، وقد وضعت المدينة لهذه المؤسسة معيار الأثر الاقتصادي والاجتماعي لاختيار البحث الذي يفوز بالتمويل».
وأشار إلى أن «هناك زيادة سنوية تحدث في تمويل الأبحاث، تماشيا مع الاستراتيجية الوطنية للبحث والابتكار، وهي إحدى الاستراتيجيات التي تحقق رؤية المملكة 2030. وتهدف إلى نقل المملكة إلى مصاف الدول المتقدمة في البحث العلمي».
وينظم هذا الاجتماع بشكل دوري من قبل «مجلس البحوث العالمي»، وهو منصة دولية تضم جميع الهيئات الممولة للبحث العلمي حول العالم.
ويقام اجتماع هذا العام تحت رعاية الدكتور خالد عبد الغفار وزير التعليم العالي والبحث العلمي المصري، ويشارك فيه رؤساء منظمات تمويل البحث العلمي في الدول العربية والأجنبية مثل السعودية، والكويت، وسلطنة عمان، وفلسطين، وإنجلترا، وألمانيا، والبرازيل، والأرجنتين، وجنوب أفريقيا وممثلي مؤسسات دولية مثل منظمة الإسكوا والأكاديمية العالمية لشباب العلماء.
وتستضيف القاهرة هذا الاجتماع لأول مرة، في إطار سياسة أكاديمية البحث العلمي المصرية لتشجيع التعاون الدولي.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».