النهايات.. في مسلسلات رمضان

النهايات.. في مسلسلات رمضان
TT

النهايات.. في مسلسلات رمضان

النهايات.. في مسلسلات رمضان

في المحصلة النهائية، قد يكون (وكلمة «قد» مهمة هنا؛ لأن المقارنات لا يمكن أن تكون شاملة وكاملة)، «ابن حلال» أفضل مسلسل مصري للعرض في هذا الشهر.
في مطلع الحلقة الـ29، مشهد يلخص ما قام عليه «ابن حلال»: الدقـة والتميـز. المشهد لامرأتين جالستين تتواسيان. المكان غرفة نوم (وهما جالستان على سرير)، والتشكيل الفني دقيق للغاية بتصويره وإضاءته، كما أن التمثيل معبـر وشبه استثنائي.
حال الحلقات التي شاهدناها من هذا المسلسل كلـها على هذا الوضع. هناك دقـة عمل من المخرج إبراهيم فخر، وكتابة ذكية من المؤلف حسان دهشان، وتمثيل جيـد وينقر على الحقيقة بعناد من كل الممثلين المشاركين؛ ومنهم محمد رمضان، ووفاء سالم، وهالة فاخر، ووفاء عامر، وأحمد فؤاد سليم، ومحمد سليمان، ومن سواهم.
الكثير من المسلسلات باتت تنفـذ بأسلوب السينما، كما أشرت هنا سابقا، والكثير منها يعمد إلى الكاميرا التي تجوب المكان؛ إما بحركات «تراكينغ شوتس» وإما «بان» وإما بالارتفاع عن الأرض أو الهبوط إليها في انسياب. لكن «ابن حلال» من تلك التي يجعل من هذه الحركات متعة للنظر وليس مجرد توظيف لقدرة الكاميرا.
وهو إلى ذلك، لا يزال حتى هذه الحلقة ما قبل الأخيرة، مليء بالمفاجآت والمضامين التي يلخصها قول إحدى الشخصيات مفسرا لماذا يقف الناس مع المجرم حبيشة: «علشان إحنا بدل ما نفذ القانون ونحمي الناس بقينا نحمي النظام». كون الأحداث تقع في فترة الحكم السابق (افتراضيا) يجعله عملا ذا رسالة تتوخى البحث في مصر اليوم وتياراتها، في الوقت الذي ما زال فيه سرد حكاية لفرد جاء المدينة للعمل وانتهى مطاردا من قبل القانون.
في «صاحب السعادة»، نجد الكثير من تلك المضامين بدورها، لكن هناك حسابات تضر بها، من بينها أن المسلسل هو إطار يقوده ممثل رئيس واحد. وعلى تعدد الشخصيات ووجود مشاهد كافية لكل منها، إلا أن الممثل عادل إمام يبقى محوره بما لديه من كاريزما نجومية لا يمكن التغاضي عنها. لكن نبرته، حتى حين تتحدث عن الاتجاهات السياسية، مختلفة. ما زالت تعمد إلى الخطابة أكثر مما تدخل في أي عمق.
في الحلقة الـ28 إيجاز آخر لما قامت عليه الحلقات السابقة وتستمر معه إلى النهاية: الشخصية التي يؤديها عادل في «صاحب السعادة» هي لعادل إمام وليست لشخص ما كان عليه أن يرتديه مثل قفاز. صحيح أن ذلك ليس جديدا؛ فعادل إمام هو عادل إمام في كل مسلسل وفيلم، إلا أن هذا لا ينفي أن هناك مناسبة جيـدة فاتت الممثل لكي يقدم جديدا.
من ناحيته، يشترك «السيدة الأولى» مع «صاحب السعادة» و«سرايا عابدين» (وعدد آخر من المسلسلات) في إظهار الثراء الفادح للشخصيات التي تؤدي البطولة (غادة عبد الرازق هنا)، لكن في حين أن «سرايا عابدين» هو استنساخ للمسلسل التركي «حريم السلطان» (واستنساخ رديء في حد ذاته)، فإن «السيدة الأولى» جديد من نوعه بما يحمله من شؤون اجتماعية وسياسية تربطه بالكثير من المسلسلات المصرية الأخرى المتداولة.
في الحقيقة، هناك حديث طويل يمتد عبر كل الحلقات من المسلسلات الثلاثة المذكورة: «ابن حلال» و«صاحب السعادة» و«السيدة الأولى» حول الأوضاع الداخلية. وهي تتطرق أيضا إلى شخصيات سياسية وأمنية عليا تشمل الوزراء ووكلاء الوزارات وضباطا في مناصب أمنية عالية. كذلك الحال مثلا مع «تماسيح النيل» أو «جبل الحلال» أو «عد تنازلي» أو «الصياد»، وصولا إلى «صديق العمر» حول الرئيس جمال عبد الناصر والمشير عبد الحكيم عامر.
هذا كله شكـل بانوراما مثيرة جدا للاهتمام، تتعامل والأوضاع الحالية وتواجه الحقبة الحاضرة وما فيها من تيارات دينية ومشاكل أمنية بحرية ملحوظة.
المسلسلات السورية من ناحيتها متنوعة أيضا. أفضلها، مما شاهدت، «باب الحارة» و«ضبو الشناتي»، وكلاهما جيـد لأسباب مختلفة.
كما الحال في «ابن حلال»، نجد في «باب الحارة» دقـة في التفاصيل تشمل كل شيء داخل الصورة وفي إطارها: الكتابة والتمثيل وأوضاع الممثلين داخل المشهد ارتباطا مع نوع وحجم اللقطة المستخدمة. تصوير لاقط لتفاصيل الأجواء ويستخدم الإضاءة صحيحة ومدروسة، والحلقة الـ28 لا تزال في قوة أي من الحلقات التأسيسية (في حين وهنت حلقات أخيرة من مسلسلات مختلفة أخرى). خذ المشهد الذي يبدأ بلقطة ثابتة بين زوجين، متوسطة بعيدة تكشف المكان وتسمح للإضاءة بالتنوع بمستويات صحيحة. حين يمشي أحد الزوجين بعيدا نحو الباب تتحرك الكاميرا في «تراكينغ شوت» ثم تتركه لتطل على حدث آخر يقع في باحة المنزل السفلى. هذا هندسة وتصميم لقطات يأخذ وقتا في التخطيط ووقتا أطول في التنفيذ، لكن وجوده هو جوهر أي عمل، بصرف النظر عن الموضوع، الذي لو لم يكن قويا بدوره لما منح معنى للتصوير ولما سواه من عناصر الصورة.
«ضبو الشناتي» المؤلف من حكايات مختلفة، ولو كانت أيضا متواصلة، لديه ميزة؛ وهي أنه يجمع بين الكوميديا وقدر كبير من الدراما ويدور في الزمن الراهن. لا يكترث كثيرا لتتويج المشاهد بتصوير فني بالغ، لكنه يعوض ذلك بقدر من المعايشة وبالاعتماد على تصميم الإنتاج الداخلي لإعطاء المسلسل لون الحارة وطعمها. في الوقت ذاته، وكونه يدور في الزمن الراهن، فإنه يقف على الحافة بدقة بين الأحداث الدائرة. كتابته قد تكون نموذجا لكيفية ترويج مسلسل لا يهاجم أحدا، لكن لديه وجهة نظر في كل اتجاه.
ما كتبناه هنا طوال شهر رمضان كان استعراضا نقديا، تفاعل مع الأنواع والمضامين، ونتمنـى أن يكون حقق تفاعلا إيجابيا مع القراء. لم تكن الرغبة مجرد تقديم ما يشاهده القارئ كل بعد ظهر ومساء، بل التوسع في جوانبه إنتاجيا وفنيا وكمضمون بما يتجاوز وجهة النظر وحدها. في مجملها، كانت حلقات رمضانية من النوع المقروء، نأمل أن تكون أصابت بعض الحقيقة على الأقل.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».