«الشرق الأوسط» في مهرجان «القاهرة السينمائي الدولي» (1): لقاء عربي ودولي حاشد في عاصمة المهرجانات العربية

تنطلق اليوم (الثلاثاء) الدورة الأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي ويستمر حتى الثلاثين من الشهر نفسه.
كل ما يمكن أن يُقال في سياق تقديمه للقارئ من قبل بما في ذلك كونه المهرجان السنوي العربي الأعرق (وإن لم يكن الأقدم). تلك العراقة لها صلة وثيقة بسنوات تواصله منذ أن تم إطلاقه سنة 1976، على يدي الرّاحل كمال الملاخ الذي كان رئيس ما عُرف حينها بـ«الجمعية المصرية للكتاب والنقاد».
أيامها كان المهرجان صغيراً من حيث حجم المشاركة، لكنّه عرف كيف يستقطب جمهوراً متعدداً من السينمائيين والنّقاد والجمهور عرباً وأجانب. لم يكن هناك كومبيوتر لحفظ المراجع والصور ما عنى أنّ النّاقد كما الصّحافي، عليه أن يحسب زيادة الوزن من كثرة ما قد يعود به من كتب وصور ومنشورات.
بما أنّه لم يكن هناك كومبيوتر فقد سمحت لنفسي باستخدام رقم غرفة الوفد السوفياتي (من دون علمه طبعاً)، في فندق شيراتون الزمالك، لكي أوقع على فاتورة غذائي في المطعم كون المهرجان خص الصحافة بفنادق لا مطاعم لها أو أنّها كانت بعيدة عن حيث تمركز المهرجان إدارة وضيوفاً.
لكنّ الأجمل هو الشّعور بأنّ هذه المنطقة العربية من العالم بات لها مهرجانها الدّولي الفعلي. تلك المحاولات السابقة لذلك التّاريخ (في دمشق وبيروت)، لم تستطع أن تصمد أمام المشكلات الفنية والإدارية والمالية التي عصفت بها باكراً. وهذا الشّعور لا يزال يتواصل كلما حطّ النّاقد في القاهرة ليؤم المهرجان في دورة جديدة.
- 2351 طلب اشتراك
في العام الماضي كانت الدورة هي آخر دورة ترأستها الناقدة ماجدة واصف. كانت تسلمت الإدارة سنة 2016، إثر انعكاف النّاقد الراحل سمير فريد عنها، إذ أدارها سنة لسنة واحدة (2015)، واستقالت في تلك الدورة الثانية لها مدركة أنّ ما هو مطلوب منها ليس في المقدور تحقيقه. آنذاك اقترحت على حسين فهمي، الذي كان يرأس لجنة التحكيم بأن يعود إلى إدارة المهرجان وهو الذي كان قام بإدارته فعلياً ما بين 1998 و2001. لمعت الفكرة في رأسه لبضع ثواني، لكنّه ابتسم وقال لي إنّه لن يفكر في هذا الأمر مطلقاً: «لقد كانت لي تجربتي التي اعتبرها ناجحة لكنّها أيضاً كافية». هذا العام لم يستمر البحث طويلاً. اجتماعات وزارة الثّقافة مع الفريق الاستشاري الدائم أثمرت عن انتخاب المنتج وكاتب السيناريو الملم محمد حفظي رئيساً. لكن هذا ليس من قبل أن يطرح البعض أسماء أخرى لم تستحوذ في التّصويت على العدد الكافي (وبعضها لم تستحوذ إلّا على صوت واحد). محمد حفظي لم يتبدّ كأفضل المرشحين فقط، بل هو أكثر الموجودين كفاءة وصاحب الاتصالات الأكثر شمولية بين الطواقم القليلة الممكنة. ومن يعرفه يعرف أنّه جاد في طلب النجاح. يكفي مراقبة منوال عمله بدءاً بدراسته السينمائية وعمله ككاتب سيناريو من ثمّ كمنتج. كذلك هو صاحب القدر الأوسع من الاتصالات مع الجهات العالمية والسينمائيين في الخارج.
لا عجب إذن أن ارتفع عدد الطّلبات المقدمة من قبل شركات الإنتاج العربية والعالمية إلى 2351 طلباً من أكثر من 100 دولة (121 تحديداً). وحسب مصادر المهرجان فإنّ لبنان حظي بالعدد الأعلى من الطلبات المقدمة عربياً (38 فيلماً مختلف الفورمات، روائي وتسجيلي وقصير) تبعه المغرب (33 فيلماً) وتونس (28) والعراق (20) وسوريا (17) والجزائر (14) والسعودية (12) والإمارات (9) ثم الأردن والبحرين (5 لكل منهما) وفلسطين وقطر (4 لكل منهما) والكويت (3) واليمن (2) وفيلم ليبي واحد وفيلم عُماني واحد.
- مجموعة أفلام عربية
إسبانيا احتلت الرقم الأول في عدد الأفلام التي قامت بترشيحها (202 فيلم) ثم فرنسا (172) وألمانيا (140) وروسيا (136) والصين (134) والولايات المتحدة (118) والهند (91).
ويقال حسب المصدر نفسه، إنّ عدد الأفلام المصرية التي أرادت الانضمام إلى عروض هذه الدورة ناهزت 140 فيلماً وهو رقم غريب إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنّ مستوى الإنتاج السنوي حالياً ما زال تحت سقف الستين فيلماً.
كثرة الطّلبات العربية لا يعني أن جميعها دخل الأقسام المختلفة للمهرجان طبعاً، لكن يعني أن البوصلة توجهت، بعد اختفاء مهرجانات عربية كبيرة، إلى العاصمة السينمائية الأم. ومعظم الأفلام العربية لها قسمها الخاص تحت عنوان «آفاق السينما العربية» الذي يضم هذا العام الفيلم السعودي «عمرة والزواج الثاني» لمحمود صباغ، و«ورود مسمومة» لأحمد فوزي صالح (مصر) و«غود مورنينغ» لبهيج حجيج (لبنان) و«العزيزة» لمحسن بصري (المغرب) و«جاهلية» لهشام العسري (المغرب) و«غداء عمل» للوسيان بورجيلي (لبنان) و«كيلو 64» لأمير الشناوي (مصر) و«فتوى» لمحمود بن محمود (تونس) وهذا الأخير نال ذهبية مهرجان قرطاج قبل عشرة أيام.
أمّا المسابقة الرسمية، وإلى جانب أفلام إسبانية وكولومبية وفرنسية وإيطالية وألمانية وأخرى من بريطانيا وتايلاند والفلبين والمجر وقبرص وكازخستان وفيتنام والنرويج، فتحتوي على فيلم عربي واحد هو الفيلم المصري «ليل/ خارجي» لأحمد عبد الله السيد.
وهناك فيلم مصري واحد يعرض خارج المسابقة هو «جريمة الإيموبوليا» لخالد الحجر. أمّا قسم «أسبوع النقاد» فيحتوي على فيلمين عربيين أحدهما هو الفيلم اللبناني «طرس.. رحلة الصعود إلى المرئي» (ولو أن العنوان الإنجليزي هو «إلى غير المرئي» -Invisible) ) والثاني هو «الأحد هناك» لأحمد مجدي (مصر) وثمة فيلم تكرر وجوده في أكثر من مهرجان مؤخراً هو «صوفيا» للمغربية مريام بنمبارك ويتم تقديمه هنا تحت رايتي فرنسا وقطر.
وهناك قسم مستحدث هذا العام بعنوان «عروض منتصف الليل» يحتوي على فيلم عربي واحد هو «دشرة» للتونسي عبد الحميد بوشناق. هذا الفيلم (أيضاً من عروض مهرجان قرطاج سابقاً) هو فيلم رعب يناسب وهذا القسم المستحدث. هو فيلم أول من نوعه بالنسبة للسينما التونسية، لكن ليس الأول من نوعه بالنسبة للسينما العربية مطلقاً، إذ سبقته أفلام مصرية وإماراتية وسعودية.
إلى كل ما سبق، تم تأسيس عدد من الورش والأقسام والندوات بحيث لا يمر يوم واحد من دون أن يجد الحاضرون ما يؤمونه إذا ما كانوا جادّين في طلب الفائدة والتنوّع.
هناك الندوة المخصصة لرئيس لجنة التحكيم في هذه الدورة وهو المخرج الدنماركي بيلي أوغوست التي سيديرها كاتب هذه الكلمات، وإلى جانبها «ورشة تطوير السيناريو» وإلى يسارها تكمن تظاهرة خاصة بـ«سينما المرأة» وأخرى بعنوان «صانعو الميديا العالمية» التي يقول التّعريف عنها إنّها تقصد المساعدة على تطوير «السّرد البصري» لصانعي الأفلام في المنطقة العربية.