العلماء يعيدون تعريف وزن الكيلوغرام

قد لا يكون من شأن هذا الأمر تغيير الكيفية التي تشتري بها كيلوغراماً من الموز، لكنَّ العلماء اتفقوا على إعادة تعريف قيمة الكيلوغرام فيما وصفوه بـ«قرار تاريخي سيزيد دقة المقاييس العلمية».
ومنذ عام 1889، يتم تعريف الكيلوغرام بأنه كتلة لامعة من «البلاتينيوم - إريديوم» محفوظة في وعاء زجاجي خاص، وتُعرَف بالنموذج الأساسي الدولي للكيلوغرام. وهذه الكتلة محفوظة في مقر المكتب الدولي للأوزان والمقاييس الموجود على مشارف العاصمة الفرنسية باريس.
واتفقت الدول الأعضاء في المكتب الدولي للأوزان والمقاييس، وعددها نحو 60 دولة، أول من أمس (الجمعة)، على إعادة تعريف الكيلوغرام للقرن الحادي والعشرين، وذلك بربطه بالسمات الأساسية للكون، وذلك باستحداث رقم صغير غريب مستمد من الفيزياء الكمية المعروف باسم «ثابت بلانك»، المستخدم لوصف أصغر مقدار للطاقة.
وبفضل كشف ألبرت أينشتاين للعلاقة بين الطاقة والكتلة، التي حدد بمقتضاها كمية الطاقة الموجودة في تلك الوحدة، استطاع العلماء تحديد الكتلة استناداً إلى «ثابت بلانك»، وهي الوحدة الثابتة أياً كان الزمان والمكان - بدلاً من الاعتماد على أسطوانة معدنية غير ثابتة (أحياناً تحدد الكتلة الوزن، وفي أغلب الأحيان تكون الكتلة والوزن متساويين).
وصوتوا أيضاً لتحديث تعريفات الأمبير (وحدة قياس التيار الكهربائي)، والكلفن (إحدى وحدات قياس الديناميكا الحرارية)، والمول (وحدة قياس كمية المادة). وأوضحت وكالة «رويترز» للأنباء أن جميع مقاييس الكتلة الحديثة مستمدة من الكيلوغرام، سواء كانت ميكروغرامات الأدوية أو تراب الذهب أو كيلوغرامات الفاكهة أو السمك أو أطنان الصلب.
والمشكلة أن وزن النموذج دائماً ما يتغير. فحتى داخل جِراره الزجاجية الثلاث يلتقط النموذج جزئيات دقيقة من الأتربة ويتأثر بالغلاف الجوي. وأحياناً يحتاج إلى تنظيف، وهو ما يمكن أن يؤثر على كتلته.
ويمكن أن يكون لذلك انعكاسات بالغة الشأن. فإذا فقد النموذج جزءاً من كتلته فسيزيد وزن الذرات من الناحية النظرية في حين ينبغي أن يزن الكيلوغرام «كيلوغراماً واحداً على الدوام».
ويحاول العلماء منذ عقود تحديد قيمة ثابتة للكيلوغرام مستمدة من الفيزياء الثابتة بالطريقة ذاتها التي تصرفوا بها إزاء وحدات القياس الأخرى التي يشرف عليها المكتب الدولي للأوزان والمقاييس.
وعلى سبيل المثال، فإن المتر ليس مائة سنتيمتر إنما هو فعلياً «طول المسافة التي يقطعها الضوء في الفراغ خلال فاصل زمني يبلغ 1/ 299.792.458 من الثانية».
ويمكن استخدام ما يُعرَف باسم «ثابت بلانك»، وهو أحد ثوابت الفيزياء الكمية، و«ميزان كيبل»، وهو آلة وزن بالغة الدقة، لحساب كتلة جسم باستخدام قوة كهربية مغناطيسية مقيسة بدقة.
وقال مارتن ميلتون مدير المكتب الدولي للأوزان والمقاييس: «إعادة تعريف وحدات القياس لحظة تاريخية في التقدُّم العلمي».
وأضاف: «استخدام الثوابت الأساسية التي نلاحظها في الطبيعة كأساس للمفاهيم المهمة مثل الكتلة والوقت يعني أن لدينا أساساً مستقراً نطور منه فهمنا العلمي، ونتوصل من خلاله إلى تقنيات جديدة، ونتصدى به لبعض أكبر التحديات التي تواجه المجتمع».
وقال باري أنجليس الذي يرأس لجنة الأوزان والمقاييس إن النتائج هائلة. وأضاف: «لن نكون بعد الآن مقيدين بقيود الأجسام في قياسنا للعالم، لكن لدينا وحدات يمكن الوصول إليها عالمياً ويمكن أن تمهّد الطريق أمام دقة أكبر، بل وتسرع وتيرة التقدم العلمي».
ويمكن القول إن إعادة تعريف الكيلوغرام تمثِّل أهم إعادة تعريف لإحدى وحدات القياس منذ أُعِيدَ حساب الثانية في عام 1967، وهو قرار ساعد في تيسير الاتصال عبر العالم من خلال تقنيات، مثل نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس) والإنترنت.
وسيبدأ العمل بالتعريفات الجديدة التي وافق عليها المكتب الدولي للأوزان والمقاييس يوم 20 مايو (أيار) عام 2019.
وأشارت صحيفة «واشنطن بوست» إلى أنه رغم أن تعريف الكيلوغرام لن يؤثر على ميزان الحمام في بيتك، فسيكون له تطبيقات عملية في المجالين البحثي والصناعي الذي يعتمد على القياسات الدقيقة.
لم يكن التصويت الذي جرى، الجمعة الماضي، سوى إجراء شكلي، لأن الجميع كان على علم بأن القرار سيُمرَّر. لكن بالنسبة لجون بروت، أحد قادة الجهد المبذول في هذا الإطار، فإن التصويت كان أكثر من مجرد حدث رمزي، وأكبر من التجارة ويفوق حدود الفيزياء.
في عصر يسوده العنف والعداء وتتضاءل فيه فرص الاتفاق بين البشر، بحسب برات، فإن إعادة التعريف باتفاق الجميع يُعدّ إنجازاً كبيراً.
إن التصديق على وحدة الوزن الجديدة بمثابة اعتراف بأن هناك حقيقة ثابتة، وأن للطبيعة قوانينها التي نخضع لها جميعاً. هي خطوة أخرى في طريق تحقيق الحلم الأسمى، ألا وهي فهم قوانين الطبيعة التي يستطيع العلماء من خلالها بناء عالم أفضل.
قال العالم الفيزيائي، جون بروت، مبتسماً على استحياء: «إنها لحظة عاطفية. أنا فخور حقاً بجنسنا البشري».
إن «نظام الموازين العالمي» هو ما يسمح لنا بالتواصل وفق معايير محددة مع غيرنا من مختلف أنحاء العالم. كان الهدف من هذا النظام الذي استحدث آلياته في بداية عصر التنوير هو وضع حدٍّ للتناحر حول عدد وحدات «فارا» الإسبانية (وحدة لقياس الطول) في كل «فرلونغ» بريطاني، وذلك لتسهيل الحساب على التجار الذين يبتاعون بضاعة من هولندا التي كانت تحسب كتلة الوزن استناداً إلى كمية السمك الكافية لملء عنبر السفينة، ثم بيعها في فرنسا، التي تحسب الوزن استناداً إلى ثقل حبوب القمح.