المحافظة على الحياة

الصيد الجائر هو الذي كاد يقضي على الكائنات الحية في الجزيرة العربية، ابتداءً من الغزلان إلى الأرانب إلى الوعول، بل وحتى الجرابيع، وانتهاءً بالضبّان ومختلف الطيور المهاجرة والمستوطنة، ولم تسلم من تلك المجازر العبثية سوى القردة، ومن حسن حظها أنها لا تؤكل، وإلا كانت قد ذهبت في خبر كان مثل غيرها، وأفضل ما فعله المسؤولون أنهم استقطعوا أراضي شاسعة لحماية الحياة الفطرية، من حيوان وطير ونبات.
ولا يمكن أن أنسى مقطعاً في التواصل الاجتماعي، عندما شاهدت مسؤولاً خليجياً في رحلة أفريقية وهو يصوب بندقيته على زرافة وديعة آمنة من على بعد ستة أمتار فقط، ويرديها قتيلة، وسط تصفيق مرافقيه واستحسانهم ومديحهم على شجاعته ودقته بالتصويب!
المشكلة أن الإنسان استخدم ذكاءه وتطوّره العلمي لخداع الكائنات، من أجهزة الكشف الصوتية لتحديد أماكن الأسماك، وتقليد أصوات البط، ونداء السناجب والوعول، وتقريبها بالمناظير المكبّرة، والتصويب عليها بالبنادق البعيدة المدى، بل ووصل بهم الأمر إلى مطاردة الدببة القطبية حتى بالطائرات.
وقبل أن أنسى، لا بد أن أذكر أن لي بعضاً من الأصدقاء والمعارف يذهبون في كل سنة إلى أفريقيا يشبعون هواياتهم بالصيد، ولا أقول بالقتل، وأحياناً أدخل منزل أحدهم، وأول ما يواجهني ناب فيل أو رأس وعل أو ثور أو نمر فاغر فاه مكشّر عن أنيابه، وكلها معلقة على الحائط بكل فخر، تدل على (فتاكة) صائدها، وما إن أجلس على الكرسي حتى أجد جلد حمار وحشي ممدود تحت قدمي، وما إن يشاهد صاحب البيت ملامح الارتباك والامتعاض على وجهي، حتى يبتسم قائلاً لي وهو يمزح: آه منك يا خواف!
وللمعلومية، فرحلات الصيد الأفريقية الخطيرة و(الفدائية) تلك تبدأ كالتالي:
أول ما يصل الشيخ للمطار، وغالباً يكون بطائرته الخاصة، مرتدياً بدلة (السفاري)، يكون في استقباله الدليل مع باقة من الزهور.
ويأخذه إلى فندق تخصص في الطهي على الطريقة الفرنسية، ويقوم الدليل بشراء المعدات ثم ينقل الشيخ بالسيارة، وينطلق في مقدمة موكب من سيارات النقل التي تحمل الثلاجات وكل ما يلزم لإعداد المشروبات الباردة والساخنة، ووجبات طعام من أربعة أصناف، ولن تزيد الأمور سوءاً في الطريق، فهناك جيش من مقتفي الأثر يقودون الفريسة نحو الشيخ الذي يقبع فوق أو تحت شجرة، وإلى جواره شخص محترف سوف يقتل الحيوان عنه إذا ما أخطأ هو. الحقيقة أنها مهمة شاقة وخطيرة و(عظيمة) كذلك، وما عليكم إلا أن تصفقوا.