بريطانيا بعد «بريكست»... الخطة «ب»

لا تزال تداعيات نتائج استفتاء وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والمعروفة باسم «بريكست»، متواصلة ولم تتوقف. كان ذلك الأمر واضحاً جداً حينما خرجت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي لتعلن منذ أيام قليلة أنها توصلت مع إدارتها إلى اتفاق نهائي على خطة الخروج من الاتحاد الأوروبي. ولم تمضِ إلا ساعات حتى توالت الآثار لكلمة رئيسة الوزراء، فانهار الجنيه الإسترليني بشكل سريع، واستقال عدد لافت من الوزراء، وبدأت المخاوف تصيب القطاع العقاري إحدى أهم ركائز الاقتصاد البريطاني.
مع خروج بريطانيا الحتمي من الاتحاد الأوروبي، باتت اليوم تتطلع وبقوة لإعادة إحياء وإعادة الاعتماد على منظومة دول الكومنولث التي تتكون من مستعمراتها السابقة، وهي الممتدة في كل أنحاء المعمورة، من ماليزيا والهند إلى كينيا ونيجيريا مروراً بأستراليا وكندا والكثير غيرها من الدول. وسيتم توظيف إحدى أهم «المؤسسات» البريطانية للترويج لهذه الخطوة على ما يبدو، والمقصود هنا هي مؤسسة «الملكية».
العائلة المالكة البريطانية تعتبر إحدى أهم الواجهات للترويج لبريطانيا، ومنذ أيام، أتم الأمير تشارلز عامه السبعين، وهو ولي العهد الذي بات الأطول انتظاراً في تاريخ العائلة المالكة البريطانية في انتظار أن يخلف والدته الملكة إليزابيث، التي أصبحت أطول ملوك بريطانيا عمراً على العرش. الدور المهم الذي سيقوم به الأمير تشارلز وابناه الأميران ويليام وهاري وزوجتاهما للترويج لبريطانيا يعادل كل الحملات التسويقية مجتمعة، فلديهم قبول طبيعي وحضور شعبي عريض، ولقد أعدت رئاسة شؤون القصر الملكي البريطاني ورئاسة الوزراء خطة محكمة في حالة وفاة الملكة إليزابيث باسم «جسر لان» يتم إطلاقها لتسيير بريطانيا مدة عشرة أيام، وتبدأ من لحظة إخطار القصر لرئيس الوزراء للخبر وإعلانه بالشفرة «جسر لان سقط» أو في محطات «بي بي سي» الحكومية. سيتم إطلاق نظام الإنذار المشترك الذي استحدث إبان الحرب الباردة، وسيرتدي المراسلون بدلاً سوداء اللون، وتظهر إشارات زرقاء في محطات الإذاعة والتلفزيون إيذاناً ببدء موسيقى حزينة والانتقال إلى الأخبار. ثم يقوم الأمير تشارلز في الليلة نفسها بتوجيه خطاب إلى الأمة عن وفاة والدته الملكة، ثم ينطلق فوراً في جولة على البلاد لزيارة أدنبرة وبلفاست وكارديف لمقابلة القادة والوجهاء والشعب، ومراسم التأبين، وبعد ذلك فوراً تبدأ عملية أورب الذهبية، وهي معنية تحديداً بتتويج الملك تشارلز.
دول الكومنولث يبلغ تعداد سكانها أكثر من 2.4 مليار نسمة، أي ما يقارب ثلث سكان العالم، وهي تعني ولا شك سوقاً واعدة ومهمة جداً لبريطانيا الحصة الأعظم نظرياً فيها. هذه الدول التي يبلغ عددها 53 صوتت على قبول الأمير تشارلز خليفة للملكة إليزابيث، ومن الواضح أنه وعائلته سيكونان الأداء والمحرك الأساسي والمعتمد لتنشيط السوق الاقتصادية لبريطانيا في منطقة دول الكومنولث كبديل عقلاني ومنطقي واستراتيجي لفقدان الاتحاد الأوروبي.
بريطانيا خسرت الكثير بخروجها من الاتحاد الأوروبي، وهي تدرك ذلك، ولكن احترامها نتائج الاستفتاء وتبعاته الديمقراطية يبقى الخيار الأهم لها. والتحدي القائم أمامها هو إيجاد البديل الفعال سريعاً ولأجل ذلك على ما يبدو أنها ستسخر كل مؤسساتها.
بعد «بريكست» يبدو أن الخطة «ب» هي المعتمدة: الكومنولث.