تداعيات صحية لعدم معالجة ضعف السمع

قدمت دراسة طبية حديثة مزيداً من التوضيح للجوانب السلبية التي قد لا يتوقعها البعض، في عدم اهتمام البالغين بتلقي معالجة ضعف السمع لديهم. ووفق ما تم نشره ضمن عدد 8 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي من مجلة «جاما» لأمراض الأنف والأذن والحنجرة (JAMA Otolaryngology)، أفادت نتائج دراسة الباحثين من جامعة «جونز هوبكنز» بأن البالغين الذين يُعانون من ضعف السمع ترتفع لديهم احتمالات تعرضهم للاضطرابات المرضية التي لا علاقة لها بصحة الأذن، كما يزيد ذلك من التكاليف المادية لتلقيهم الرعاية الصحية. وأضافت نتائج الدراسة أن كبار السن الذين يعانون من ضعف السمع غير المعالج (Untreated Hearing Loss) ينفقون عشرات الآلاف من الدولارات على فواتير طبية إضافية، بسبب زيارات أطول وأكثر لعيادات الأطباء وأقسام الإسعاف، وتكرار الدخول إلى المستشفيات.
وشملت الدراسة متابعة بحثية لمدة عشر سنوات، من عام 1999 إلى عام 2016، للحالة الصحية وتكاليف رعايتها لنحو 150 ألف شخص، ممنْ أعمارهم 60 سنة عند بدء الدراسة البحثية. وقال الباحثون إن الدراسة حاولت الإجابة على السؤال التالي: «هل فقدان السمع غير المعالج مرتبط بزيادة تكاليف الرعاية الصحية والاستفادة منها؟».

اضطراب السمع
في دراستهم الطبية الحديثة، قام الباحثون من كلية الطب بجامعة «جونز هوبكنز» في بالتيمور، بتحديد الكيفية التي يؤثر بها اضطراب السمع على جوانب صحية مختلفة لدى الذين يُعانون منه، والتكاليف المادية المترتبة على عدم تلقي المعالجة الطبية لضعف السمع لديهم. وعلق الدكتور نيكولاس ريد، الباحث الرئيس في الدراسة، والمتخصص في علوم أمراض اضطرابات السمع في جامعة «جونز هوبكنز»، بالقول: «يعاني كبار السن المُصابين بضعف السمع غير المعالج من ارتفاع تكاليف تلقيهم للرعاية الصحية، مقارنة بالبالغين الذين لا يعانون من ضعف السمع». وتحديداً وجد الباحثون أن هذه التكاليف كانت أعلى بنسبة 46 في المائة، لدى مجموعة الذين يُعانون من ضعف السمع، مقارنة بالمجموعة التي لا تعاني من الضعف فيه.
وأضاف الباحثون أن الأشخاص الذين يعانون من ضعف السمع غير المعالج هم أكثر عُرضة لمزيد من الإقامة في المستشفيات، وأكثر عرضة للعودة للدخول إليها في غضون شهر واحد من الخروج منها. كما أفاد الباحثون بأن الأشخاص الذين يعانون من ضعف السمع معرضون بشكل أكبر لتدهور قدرات المعرفة والإصابة بالخرف، والتعرض لحوادث التعثر والسقوط، وتدني قدرات الأداء الوظيفي، والمعاناة من الاكتئاب، وزيادة عدد زيارات قسم الطوارئ بالمستشفيات، واحتمالات الإصابة بارتفاع ضغط الدم.
وأشار الباحثون إلى أن هناك حاجة إلى مزيد من الوعي بين الأطباء، لفحص قدرات السمع لدى المرضى ومعالجته، وقالوا: «تدعم هذه الدراسة الحاجة إلى أبحاث مستقبلية لفهم دور ضعف السمع في التواصل بين المريض والطبيب، والتأثير المحتمل للرعاية السمعية، بما في ذلك الأجهزة السمعية».

مشكلة شائعة
تشير نتائج الإحصائيات الطبية في مختلف مناطق العالم، إلى أن مشكلة ضعف السمع هي إحدى المشكلات الصحية الشائعة، وخاصة مع التقدم في العمر. وتفيد الإحصائيات الأميركية بأن ما يقدر بـ38 مليون أميركي يُعانون من درجات متفاوتة في ضعف السمع، ومع هذا لا يرتدي منهم سوى أقل من 20 في المائة أجهزة سمعية تعالج صعوبات السمع لديهم. وتحديداً تشير نتائج الإحصائيات العالمية إلى أن 15 في المائة من الذين تجاوزوا سن الثامنة عشرة، لديهم إحدى درجات ضعف السمع، وترتفع تلك النسبة لتبلغ نحو 25 في المائة، فيما بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 65 و74 سنة.
حتى بين المواليد الصغار في السن، تفيد الإحصائيات الطبية بأن طفلين من بين 1000 مولود لديهم ضعف في قدرات السمع في إحدى الأذنين، وبأن متوسط المدة الزمنية فيما بين ملاحظة الشخص أن لديه ضعفاً في السمع وتوجهه لزيارة الطبيب حول هذا الأمر يفوق سبع سنوات.
والواقع أن كثيرين ممنْ لديهم ضعف في قدرات السمع، خاصة إذا كان ذلك في أذن دون أخرى، قد لا يلحظون وجود هذه المشكلة لديهم لأسباب عدة. منها قيام الأذن السليمة بتعويض قدرة السمع، وتمكين الشخص من فهم أحاديث الغير، ما يجعل المرء لا يشعر بوجود المشكلة في الأذن التي بها الضعف. كما أن المرء قد يُرجع عدم سماعه بشكل جيد أو عدم فهمه للكلام إلى عدم رفع الشخص الآخر صوته أثناء حديثه، أي أن المشكلة ليست لديه؛ بل في الشخص الذي يتحاور معه ويستمع إليه. وأيضاً قد يُطور المرء لا شعورياً استخدام الأذن السليمة بدل الضعيفة، ويختار أماكن الجلوس لا شعورياً بما يُمكنه من عدم الاعتماد على الأذن الضعيفة في السمع. هذا بالإضافة إلى احتمال تفكير الشخص في أن المشكلة السمعية لديه لها علاقة مؤقتة بالتهابات الجهاز التنفسي العلوي، أو الحساسية أو الإرهاق البدني وغير ذلك.
لذا تلاحظ مصادر طب الأذن، أن هناك فجوة زمنية طويلة فيما بين بدء حصول ضعف السمع والذهاب إلى الطبيب لطلب معالجة ضعف السمع، بما يفوق الفترة الزمنية في أعراض مرضية أخرى، كضعف قدرات الإبصار أو قدرات الشم، ناهيك عن أعراض أخرى كألم الصدر أو مغص البطن أو المفاصل أو الطفح الجلدي، وغيرها.

أنواع ضعف السمع
وفق ما تشير إليه المصادر الطبية، ثمة ثلاثة أنواع من ضعف السمع.
> النوع الأول: يُسمى ضعف السمع «الحسي العصبي» (Sensorineural Hearing Loss)، وهو نوع ضعف السمع الأكثر شيوعاً. وضعف السمع في هذا النوع هو ضعف دائم، وينتج إما عن طريق تلف خلايا صغيرة تشبه الشعر في الأذن الداخلية، وإما في العصب السمعي نفسه. والعصب السمعي هو الذي يعمل على توصيل معلومات مهمة عن الصوت الذي يسمعه الشخص للكلام وغيره، ودرجة وضوحه ومكوناته الصوتية، ويدفع بتلك المعلومات إلى الدماغ كي يحللها ويكوّن معناها. ومعظم البالغين الذين يعانون من ضعف السمع لديهم هذا النوع. وغالباً ما يؤدي ضعف السمع الحسي العصبي إلى صعوبة في فهم الصوت أو الكلام، على الرغم من أنه مرتفع بما يكفي لسماعه.
> النوع الثاني: هو ضعف السمع «التوصيلي» (Conductive Hearing Loss)، وفيه يحدث ضعف السمع بسبب مشكلة ميكانيكية في الأذن الخارجية أو الوسطى، مثل الانسداد في قناة الأذن، بسبب تراكم شمع الأذن الذي يمنع الصوت من الوصول إلى طبلة الأذن. ويمكن أن يكون هذا النوع من الضعف في السمع دائماً، ولكن في كثير من الأحيان يكون ضعفاً مؤقتاً ويمكن علاجه طبياً.
> النوع الثالث: هو خليط بين النوعين الأول والثاني، أي ينتج عن ضعف السمع المختلط (Mixed Hearing Loss) عند وجود مكونات لكل من فقدان السمع الحسّي العصبي والتوصيلي.

* استشارية في الباطنية