السودان يؤكد استعداده للتفاوض مع الحركات المتمردة

TT

السودان يؤكد استعداده للتفاوض مع الحركات المتمردة

جددت الحكومة السودانية تأكيد رغبتها في الحوار مع الحركات المتمردة الدارفورية، غداة إطلاق رئيس جنوب السودان لوساطة بين الفرقاء السودانيين، في وقت احتضنت فيه مدينة برلين الألمانية اجتماعات مشتركة بين الوساطة الأفريقية وقادة نداء السودان لإحياء خريطة الطريق الأفريقية.
وأطلقت جوبا قبل أيام وساطة الرئيس سلفا كير ميارديت بين حكومة الخرطوم وحركات المعارضة المسلحة، في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، وإقليم دارفور، وقالت حكومة جنوب السودان إن الرئيس عمر البشير قبل بالوساطة.
من جانبه قال أمين حسن عمر، ممثل رئيس الجمهورية للاتصال الدبلوماسي لملف سلام دارفور، إن أبواب السلام مفتوحة لكل من يرغب فيه من الحركات المسلحة وحاملي السلاح، قاطعاً بأن «منبر الدوحة» هو الأساس الوحيد لأي تسويات سلمية يمكن أن تتم في إقليم دارفور.
وأوضح عمر أن حكومته لم تتسلم بعد أي دعوة من أي وسيط تتعلق باستئناف مفاوضات السلام في إقليم دارفور، مؤكدا تمسك حكومته بوثيقة سلام دارفور بقوله: «مستعدون لقبول أي مبادرة لمواصلة السلام، تبدأ من حيث انتهت جولة المفاوضات الأخيرة».
وأضاف عمر في إفادة لـ«الشرق الأوسط»، أن مبادرة رئيس دولة جنوب السودان لا تتقاطع مع الاتفاقيات السابقة، مبرزا أن جوبا ستعمل فقط على تسهيل عملية التفاوض دون التدخل في تفاصيلها.
في غضون ذلك، كشف عمر عن موافقة حكومته لمقترحات ألمانية تتعلق بملف دارفور، تقوم على عقد مفاوضات تمهيدية بين الحكومة والحركات المسلحة، بيد أن الحركات لم ترد على المقترحات الألمانية، وقال بهذا الخصوص: «أبلغنا الجانب الألماني أن الحركات المسلحة مستعدة للحوار الآن، لكننا لم نتلق دعوة لعقد أي مفاوضات بعد».
وبحسب المسؤول البارز، فإن المباحثات الأولية المقترحة من الجانب الألماني ستقوم على هدي «خريطة الطريق الأفريقية، واتفاقية سلام الدوحة»، ولن تسلك طريقاً جديداً، موضحاً أن حكومته تنظر ما سيثمر عنه اجتماع برلين بين الوساطة الأفريقية وممثلي المعارضة.
وعقد أمس في برلين برعاية ألمانية اجتماع بين ممثل للوسيط الأفريقي ثابو مبيكي، والمتدخلين الألمان من جهة، وممثلين عن قوى تحالف «نداء السودان» من الطرف الآخر، وهم جبريل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة، ومني أركو مناوي رئيس حركة جيش تحرير السودان الأمين العام لنداء السودان، ومريم الصادق المهدي نائبة رئيس حزب الأمة.
وقال نائب رئيس حركة العدل والمساواة السودانية الصادق يوسف لـ«الشرق الأوسط»، إن هناك حراكا سلميا ومبادرات انتظمت مجدداً للوصول لتسوية بين الفرقاء السودانيين. موضحا أن المبادرة الألمانية «تهدف لحل المعوقات، التي تواجه تنفيذ خريطة الطريق الأفريقية، وذلك بالتنسيق مع الشركاء الدوليين بغية وقف وإنهاء الحروب في السودان، وتحقيق السلام الشامل والتحول الديمقراطي».
وأوضح يوسف أن الاجتماع «يهدف إلى تنشيط خارجة الطريق الأفريقية، والوصول لتفاهمات حول الوساطات المتعددة التي تجددت أخيراً»، مبرزا أن «هناك نشاطا في برلين، يتزامن في ذات الوقت مع نشاط الوساطة الأفريقية مجدداً».
وسبق أن نقلت «الشرق الأوسط» الشهر الماضي أن هناك ثمة توجهات للتفاوض بين الحركات المسلحة وحكومة الخرطوم، في وقت أعلن فيه المعارض البارز وزعيم حزب الأمة الصادق المهدي عن عودته للبلاد، ما يعزز احتمالات عودة قوى تحالف «نداء السودان» لمنصات التفاوض.
وتخوض حركات مسلحة دارفورية منذ 2003 حرباً ضد القوات الحكومية في دارفور، أبرزها العدل والمساواة، وحركة جيش تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، وحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور.
وبحسب تقارير أممية فقد خلفت الحرب في دارفور مئات الآلاف من القتلى وملايين من اللاجئين والنازحين، وقد تدخلت الأمم المتحدة بواحدة من أكبر بعثات حفظ السلام في العالم «يوناميد»، فيما اندلع نزاع مسلح آخر في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، عشية انفصال دولة جنوب السودان في 2011 بين الحركة الشعبية لتحرير السودان - الشمال، وتتكون من مجموعة من السودانيين الذين اختاروا الانحياز لجنوب السودان إبان الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، بيد أن هذه الحركة انشقت أخيراً إلى جناحين. لكن رئيس جنوب السودان يقود وساطة لإعادة توحيدها مجدداً.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.