إجراءات لضبط المشهد الإعلامي المصري

تقنين أوضاع المواقع الإلكترونية وسط مخاوف من تقييد الحريات

يشترط القانون المصري أن يكون رأس مال الصحف الإلكترونية 100 ألف جنيه يودع نصفه في أحد البنوك المرخص لها في مصر قبل إجراءات تأسيس الصحيفة
يشترط القانون المصري أن يكون رأس مال الصحف الإلكترونية 100 ألف جنيه يودع نصفه في أحد البنوك المرخص لها في مصر قبل إجراءات تأسيس الصحيفة
TT

إجراءات لضبط المشهد الإعلامي المصري

يشترط القانون المصري أن يكون رأس مال الصحف الإلكترونية 100 ألف جنيه يودع نصفه في أحد البنوك المرخص لها في مصر قبل إجراءات تأسيس الصحيفة
يشترط القانون المصري أن يكون رأس مال الصحف الإلكترونية 100 ألف جنيه يودع نصفه في أحد البنوك المرخص لها في مصر قبل إجراءات تأسيس الصحيفة

في محاولة لضبط المشهد الإعلامي في مصر، بعد انتشار المواقع الإلكترونية التي تحض على الكراهية وتروج للفتنة والإرهاب، بدأت مصر في اتخاذ إجراءات لترخيص المواقع الإلكترونية وتقنين أوضاعها، وبينما يخشى البعض من أن تشكل هذه الإجراءات مزيدا من القيود على حرية التعبير، ما سيؤثر على مستقبل الصحافة وخاصة الإلكترونية، يرى آخرون أن هذه الإجراءات وإن كانت تتضمن تقييدا للحريات إلا أنها مهمة في المرحلة الحالية لحماية «الأمن القومي والمصلحة الوطنية».
وأعلن المجلس الأعلى للإعلام عن فتح باب ترخيص المواقع الإلكترونية، بموجب قانون تنظيم الصحافة رقم 180 لسنة 2018. وقال عبد الفتاح الجبالي، وكيل المجلس الأعلى للإعلام، في مؤتمر صحافي، قبل أسبوع، إن «معظم المواقع الإلكترونية في مصر غير مرخصة، وأمامها مهلة 6 أشهر لتقنين أوضاعها، وسيكون للمواقع الصادرة عن جهات حكومية وضع خاص»، مشيرا إلى أنه «سيتم حرمان الكيانات الإرهابية والمحرضة ضد الدولة من الحصول على هذه التراخيص».
وأضاف الجبالي أن «رسوم ترخيص المواقع الإلكترونية تبلغ 50 ألف جنيه مصري، ويمنح الترخيص لمدة 5 سنوات، وتدخل هذه الرسوم الخزانة العامة للدولة»، وتابع: «هدفنا ضبط المشهد الإعلامي ونحن مع الحرية الكاملة في الإطار التشريعي المنظم للعمل».
ووضع المجلس عدة شروط لمنح الترخيص للمواقع الإلكترونية، من بينها تحديد اسم الموقع الإلكتروني، واسم مالكه ولقبه وجنسيته، واللغة والجمهور المستهدف، ونوع النشاط، والسياسة التحريرية، ومصادر التمويل، والهيكل التحريري الإداري، ومقر الموقع وعنوان المراسلات، وتحديد رئيس التحرير، ورئيس مجلس الإدارة، ومكان بث الموقع الإلكتروني، وتتوافق هذه الشروط مع ما ورد في المادة «40» من قانون تنظيم الصحافة والإعلام.
وانتشر في الآونة الأخيرة كثير من المواقع الإلكترونية في مصر، نظرا لسهولة إصدارها، وقلة تكلفتها حيث لم تكون هناك شروط أو قيود على إنشاء المواقع الإلكترونية، ويواجه هذا النوع الآن صعوبة في تلبية شروط التراخيص، خاصة البند الخاص بالرسوم، ولذلك بدأ البعض في البحث عن شركاء لتمويل إجراءات الترخيص، وأثارت نقطة الرسوم الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبرها البعض «قيدا على حرية التعبير».
هشام قاسم، الخبير الإعلامي، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «الرسوم المفروضة بموجب القانون لا ينبغي أن تكون نقطة إعاقة، حيث يجب التعامل مع المشاريع الإعلامية بطريقة اقتصادية، وأي موقع إلكتروني يحتاج إلى أكثر من 50 ألف جنيه لإصداره»، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى أنه «لا ضرورة لمثل هذا الشرط، فهناك مشروعات في العالم بدأت دون تمويل، فشركة آبل بدأت نشاطها في جراج منزل والد ستيف جوبز، قبل أن يجد لها التمويل».
واعتبر قاسم إجراءات ترخيص المواقع الإلكترونية «قيدا جديدا على حرية الرأي والتعبير»، وقال إن «القوانين الآن تفرض بغرض السيطرة، وليس بغرض قيام صناعة أو حمايتها».
لكن الدكتور حسين أمين، الأستاذ بقسم الصحافة والإعلام بالجامعة الأميركية بالقاهرة، أكد أهمية وجود مثل هذه القوانين لتنظيم العمل الإعلامي، وقال لـ«الشرق الأوسط»، إنه «لم يكن هناك أي قوانين تنظم المهنة قبل صدور هذا القانون»، مشيرا إلى أنه «في ظل انتشار المواقع الإلكترونية والمدونات وصفحات السوشيال ميديا، كان لا بد من وضع قانون لتنظيم عملها»، لافتا إلى أن «هناك 30 مليون مستخدم لفيسبوك في مصر، وهو رقم ضخم جدا إذا ما قورن بتوزيع جميع الصحف الورقية في مصر، الذي لا يتجاوز 300 ألف نسخة يوميا».
وأضاف أمين أن «البعض قد يرى في هذه القوانين قيودا، لكن لا بد من أن نضع في اعتبارنا الظروف والتحديات التي تمر بها المنطقة العربية، التي تعد من أكثر المناطق التهابا في العالم، وهناك جهات تحاول استقطاب الشباب والسيطرة على عقولهم عبر الفضاء الإلكتروني»، موضحا أن «هناك علاقة بين الإعلام والأمن والقومي، وكلما قلت المخاطر على الأمن القومي زادت الحريات، والعكس بالعكس، وذلك للسيطرة على الانحرافات».
وأكد الدكتور أيمن ندا، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، لـ«الشرق الأوسط»، أنه «لا بد من وضع بعض القيود لتنظيم المواقع الإلكترونية التي أصبحت بديلا عن الصحافة»، مشيرا إلى «ضرورة التفريق بين ما هو شخصي وما هو مؤسسي، فالعمل الإعلامي عمل مؤسسي، وهذه القيود أو الرسوم هي محاولة للتأكيد على ذلك، فالمواقع الشخصية يجب أن تبحث لها عن دور آخر غير الصحافة».
وقال الكاتب الصحافي مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى للإعلام، إن «المجلس يعمل لحماية المواطنين وتوفير مناخ أفضل للعمل الإعلامي، والرسوم المفروضة على ترخيص المواقع الإلكترونية ليست جباية ولكنها وسيلة لتنظيم العمل الإعلامي»، مشيرا إلى أنه «سيتم رفض ترخيص المواقع التابعة لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين».
وتنص المادة «6» من قانون تنظيم الصحافة والإعلام رقم 180 لسنة 2018، على أنه «لا يجوز تأسيس مواقع إلكترونية في جمهورية مصر العربية أو إدارتها أو إدارة مكاتب أو فروع لمواقع إلكترونية تعمل من خارج الجمهورية إلا بعد الحصول على ترخيص بذلك من المجلس الأعلى وفق الضوابط والشروط التي يضعها في هذا الشأن، مع عدم الإخلال بالعقوبات الجنائية المقررة، للمجلس الأعلى في حالة مخالفة أي مما تقدم، واتخاذ الإجراءات اللازمة بما فيها إلغاء الترخيص أو وقف نشاط الموقع أو حجبه في حالة عدم الحصول على ترخيص سار».
وتمنح المادة «33» من قانون تنظيم الصحافة والإعلام للمصريين، سواء أكانوا أشخاصا طبيعية أم اعتبارية، عامة أم خاصة «الحق في تملك الصحف أو المواقع الإلكترونية الصحافية أو المشاركة في ملكيتها، وفقا لأحكام هذا القانون»، لكن المادة «34» تشترط فيمن يتملك هذا النشاط أو يشارك في ملكيته «ألا يكون محروما من مباشرة الحقوق السياسية، أو صدر ضده حكم في جناية، أو في جنحة مخلة بالشرف، ما لم يكن قد رد إليه اعتباره».
وتشترط المادة «35» من القانون أن يكون رأس مال الصحف الإلكترونية 100 ألف جنيه، «يودع نصفه في أحد البنوك المرخص لها في مصر قبل إجراءات تأسيس الصحيفة، ولمدة عام»، وذلك بهدف «الإنفاق على أعمالها ولسداد حقوق العاملين فيها في حال توقفها عن الصدور، وفي هذه الحالة تكون الأولوية لسداد حقوق العاملين عن غيرها».
وتحظر المادة «36» على المساهمين في المواقع الإلكترونية من غير المصريين، تملك نسبة من الأسهم تخول لهم حق الإدارة، وتحدد المادة «60» من القانون رسوم ترخيص المواقع الإلكترونية بمبلغ 50 ألف جنيه، ويصدر لمدة 5 سنوات بموجب المادة «61» من القانون.
وتؤكد مصر أنها تسعى من خلال هذا القانون لضبط المشهد الإعلامي، ومحاربة المواقع التي تنشر الفتنة والإرهاب، وتحاول السيطرة على عقول الشباب، في محاولة لحماية مستقبل الصحافة، ومواجهة الإشاعات والأخبار الزائفة.
لكن قاسم يرى أن «كل هذه الشروط هي مجرد قيود على حرية التعبير، وهي قيود على المواقع والإعلام في الداخل، ولن تنجح في مواجهة الإعلام والمواقع الإلكترونية التي تبث من الخارج»، مشيراً إلى أن «مثل هذه القوانين غير موجودة إلا في أماكن محدودة في العالم، حيث يتعامل العالم مع الإعلام باعتباره نشاطا اقتصاديا، يتوجب عليه دفع الضرائب»، مؤكدا أن «أفضل طريقة لضبط المشهد الإعلامي والارتقاء بمستوى الإعلام والصحافة هي منحه مزيدا من الحرية، والممارسة والمنافسة كفيلة بتحسين الأداء وضبط المشهد».
واتفق معه أمين في «أهمية المطالبة بمزيد من الحريات»، وقال: «أتطلع إلى مزيد من الحريات والأفكار التي ترتقي بالثقافة المصرية وبالإعلام»، لكنه في الوقت نفسه أكد على «ضرورة الموازنة بين المصلحة العامة والحريات»، موضحا أنه «من الطبيعي أن تكون هناك تخوفات من شبهات السيطرة التي يتضمنها قانون تنظيم الصحافة والإعلام، خاصة أنه قانون جديد، لكن ينبغي النظر للقانون في إطار حالة الاستقطاب التي نعيشها».
وأضاف: «سيكون هناك تقييد محسوب وليس مطلقا»، مشيرا إلى أنه «في كل دول العالم، هناك تراخيص لوسائل الإعلام، وهناك مواد وقوانين توضع لحماية المصلحة العامة»، وتابع: «المنظومة في مصر لم تكتمل، ولا بد من إيجاد أدوار للمؤسسات الصحافية ومنظمات المجتمع المدني، وجمعيات الدفاع عن الصحافة، وهذه الأدوار ستعمل على تطوير المهنة وتطوير القانون أيضا، فالجدل المثار حاليا حول القانون أمر مفيد جدا».
وأكد أمين أن الدولة «قادرة» على اتخاذ إجراءات بمنع المواقع التي تبث الكراهية وتحض على الإرهاب من خارج مصر، وقال: «هناك إجراءات متبعة في هذا الصدد في كثير من دول العالم، ومن بينها إنجلترا والسويد وفرنسا، فهناك قواعد للتعامل مع المواقع العابرة للحدود تتخذها الدول لحماية أمنها القومي».
وقال ندا إن «هذه القيود لن تؤدي إلى تحسين المشهد الإعلامي والقضاء على مواقع بث الفتنة والكراهية، فهي لا تتعلق بالمضمون، والمنافسة هي الوسيلة للارتقاء بالمهنة، لكن لا بد من وجود قيود تنظيمية لضمان الجدية»، مشيرا إلى أن «المشهد الإعلامي الراهن في مصر شبيه بالوضع في بدايات القرن الماضي، مع انتشار الإذاعات الأهلية التي كان معظمها ذا أهداف شخصية، عشوائية، وهو الذي تم ضبطه بالقانون عام 1934».
وما زال الجدل مستمرا حول مستقبل الصحافة والإعلام الإلكتروني في مصر، في ظل انتشار الأخبار الزائفة والمفبركة، والشائعات، واتجاه الدولة لفرض مزيد من القيود أو الإجراءات لتقنين أو ضبط أداء المشهد الإعلامي. ويبقى التطبيق هو الوسيلة الوحيدة لتقييم هذه الإجراءات، وما إذا كانت ستنجح في ضبط الإعلام ومحاربة مواقع الفتنة والتطرف، أم ستفرض مزيدا من القيود على حرية الصحافة.


مقالات ذات صلة

تونس والسنغال تتراجعان في تقرير «مراسلون بلا حدود» السنوي لحرية الصحافة

العالم العربي تونس والسنغال تتراجعان في تقرير «مراسلون بلا حدود» السنوي لحرية الصحافة

تونس والسنغال تتراجعان في تقرير «مراسلون بلا حدود» السنوي لحرية الصحافة

أظهر التقرير السنوي لحرية الصحافة لمنظمة «مراسلون بلا حدود»، اليوم الأربعاء، أن تونس والسنغال كانتا من بين الدول التي تراجعت في الترتيب، في حين بقيت النرويج في الصدارة، وحلّت كوريا الشمالية في المركز الأخير. وتقدّمت فرنسا من المركز 26 إلى المركز 24.

«الشرق الأوسط» (باريس)
العالم غوتيريش يندد باستهداف الصحافيين والهجوم على حرية الصحافة

غوتيريش يندد باستهداف الصحافيين والهجوم على حرية الصحافة

ندّد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش اليوم (الثلاثاء)، باستهداف الصحافيين، مشيراً إلى أنّ «حرية الصحافة تتعرّض للهجوم في جميع أنحاء العالم». وقال في رسالة عبر الفيديو بُثّت عشية الذكرى الثلاثين لـ«اليوم العالمي لحرية الصحافة»، إن «كلّ حرياتنا تعتمد على حرية الصحافة... حرية الصحافة هي شريان الحياة لحقوق الإنسان»، وفقاً لما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أن «حرية الصحافة تتعرّض للهجوم في جميع أنحاء العالم»، مشيراً إلى أنّه «يتمّ استهداف الصحافيين والعاملين في الإعلام بشكل مباشر عبر الإنترنت وخارجه، خلال قيامهم بعملهم الحيوي.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم صحافي ليبرالي في الصين يواجه تهمة «التجسس»

صحافي ليبرالي في الصين يواجه تهمة «التجسس»

ذكرت جمعية تعنى بالدفاع عن وسائل الإعلام أن تهمة التجسس وجهت رسمياً لصحافي صيني ليبرالي معتقل منذ عام 2022، في أحدث مثال على تراجع حرية الصحافة في الصين في السنوات الأخيرة، حسبما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية». كان دونغ يويو، البالغ 61 عاماً والمعروف بصراحته، يكتب افتتاحيات في صحيفة «كلارتي» المحافظة (غوانغمينغ ريباو) التي يملكها الحزب الشيوعي الحاكم. وقد أوقف في فبراير (شباط) 2022 أثناء تناوله الغداء في بكين مع دبلوماسي ياباني، وفق بيان نشرته عائلته الاثنين، اطلعت عليه لجنة حماية الصحافيين ومقرها في الولايات المتحدة. وقالت وزارة الخارجية اليابانية العام الماضي إنه أفرج عن الدبلوماسي بعد استجو

«الشرق الأوسط» (بكين)
العالم العربي المغرب: أربعة من وزراء الإعلام السابقين يرفضون لجنة مؤقتة لمجلس الصحافة

المغرب: أربعة من وزراء الإعلام السابقين يرفضون لجنة مؤقتة لمجلس الصحافة

بدا لافتاً خروج أربعة وزراء اتصال (إعلام) مغاربة سابقين ينتمون إلى أحزاب سياسية مختلفة عن صمتهم، معبرين عن رفضهم مشروع قانون صادقت عليه الحكومة المغربية الأسبوع الماضي، لإنشاء لجنة مؤقتة لمدة سنتين لتسيير «المجلس الوطني للصحافة» وممارسة اختصاصاته بعد انتهاء ولاية المجلس وتعذر إجراء انتخابات لاختيار أعضاء جدد فيه. الوزراء الأربعة الذين سبق لهم أن تولوا حقيبة الاتصال هم: محمد نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب «التقدم والاشتراكية» المعارض، ومصطفى الخلفي، عضو الأمانة العامة لحزب «العدالة والتنمية» المعارض أيضاً، والحسن عبيابة، المنتمي لحزب «الاتحاد الدستوري» (معارضة برلمانية)، ومحمد الأعرج، عضو

«الشرق الأوسط» (الرباط)
المشرق العربي «الجامعة العربية» تنتقد «التضييق» على الإعلام الفلسطيني

«الجامعة العربية» تنتقد «التضييق» على الإعلام الفلسطيني

انتقدت جامعة الدول العربية ما وصفته بـ«التضييق» على الإعلام الفلسطيني. وقالت في إفادة رسمية اليوم (الأربعاء)، احتفالاً بـ«يوم الإعلام العربي»، إن هذه الممارسات من شأنها أن «تشوّه وتحجب الحقائق». تأتي هذه التصريحات في ظل شكوى متكررة من «تقييد» المنشورات الخاصة بالأحداث في فلسطين على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما في فترات الاشتباكات مع القوات الإسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

المنتدى الروسي الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» لمواجهة هيمنة الغرب

أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
TT

المنتدى الروسي الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» لمواجهة هيمنة الغرب

أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)

«إحدى الوظائف الرئيسية لوسائل الإعلام الجديدة تتمثّل في القدرة على توحيد الناس وكسر الحواجز الموجودة بين الثقافات» اختتم المنتدى الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» أخيراً أعماله في موسكو، مطلِقاً آليات لتعزيز التواصل مع المؤسسات الثقافية والإبداعية في عشرات البلدان، بهدف تحويل المنتدى -كما قال منظموه- إلى «منصة فريدة لتبادل الخبرات وتطوير أساليب الابتكار والإبداع في عالم متعدد لا تهيمن عليه الثقافة الغربية وحدها بأساليبها القديمة».

جمع المنتدى، عبر النقاشات التي دارت خلال ورشات العمل «قادة الصناعات الإبداعية من روسيا ودول أخرى، لمناقشة آفاق تطوير الصناعة والمخاطر والفرص التي أحدثها التقدم السريع للتكنولوجيا الجديدة في حياة الناس وإبداعهم».

عاصمة عالمية للإعلام والثقافة

ووفقاً لحكومة العاصمة الروسية موسكو، التي رعت تنظيم المنتدى، فإن من بين أهداف إطلاقه «تحويله إلى فعالية تُنظّم بشكل دوري وتكريس رؤية جديدة للتعاون الثقافي والإعلامي والإبداعي تقودها موسكو». ومن جهتها، رأت رئاسة المنتدى أن موسكو «عزّزت عبره مكانتها بين عواصم الثقافة في العالم، وباتت تجذب انتباه الخبراء في الصناعات الإبداعية والمتخصصين المشهورين من مختلف أنحاء العالم، من الولايات المتحدة وفرنسا إلى الهند والصين». وبهذا المعنى فإن روسيا «ما زالت تحتفظ بهويتها الثقافية، على الرغم من العقوبات والتحديات المعاصرة، بل تمضي قدماً أيضاً نحو تطوير أشكال جديدة من التفاعل في مجالات السينما ووسائل الإعلام الجديدة وغيرها من الصناعات الإبداعية».

وحقاً، جمع منتدى «الثقافة والإعلام والرقمنة» في دورته الأولى متخصصين في مجالات السينما، والألعاب، والإعلام، والتكنولوجيا، والصناعات الإبداعية؛ للبحث عن توازن جديد بين الأهداف التجارية والمصالح العامة، وإمكانيات الآلات وقدرات البشر.

ولمدة يومين، تواصل المشاركون من مختلف دول العالم في ورشات عمل لبحث المواضيع الرئيسة المطروحة التي توزّعت على عدة محاور؛ بينها: اقتصاد وسائل الإعلام الجديدة، والتأثير المتبادل بين وسائل الإعلام الجديدة والسينما، والاتصالات، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، فضلاً عن تطوير ألعاب الفيديو، والمساحات الافتراضية، والرياضات الإلكترونية.

تقارب وأرضية مشتركة

رؤية المنتدى تقوم، بالدرجة الأولى، على محاولة تعزيز التقارب والتنسيق من أجل «إيجاد أرضية مشتركة وتطوير أساليب جديدة وفريدة للإبداع بين روسيا ودول مجموعة (بريكس+)» والدول العربية، لا سيما في مجال منصات الثقافات وتشابكها. وبذا لا يُخفي المنظمون الهدف الأساسي المتمثل في محاولة «كسر» الحصار الغربي، والعمل على تشكيل منصة فريدة تُسهم في تطوير حوار دولي بين روسيا وشركائها في الدول العربية والبلدان الأخرى التي تعمل مثل روسيا لإيجاد روابط جديدة للتعاون في ظل التغيّرات السريعة على بيئة المعلومات العالمية.

لذا، رأى المنتدى في جلسات الحوار أن إحدى الوظائف الرئيسة لوسائل الإعلام الجديدة تتمثّل «في القدرة على توحيد الناس، وكسر الحواجز الموجودة بين الثقافات واللغات المختلفة عبر استخدام الشبكات الاجتماعية، والمدوّنات، ومحتوى الفيديو». وعدّ أن تأثير مساحة الإعلام الجديدة يتمثّل أيضاً في إمكانية إنشاء مبادرات مشتركة - مشاريع مشتركة، وأحداث ثقافية، وبرامج تعليمية تهدف إلى تعزيز الروابط وتوسيع آفاق التعاون المتبادل.

برنامج اليوم الأول تضمّن جلسة رئيسة بعنوان «مستقبل التواصل والتواصل من أجل المستقبل»، شاركت فيها نخبة من كبار المخرجين العالميين؛ مثل: أمير كوستوريكا، وأوليفر ستون، استعرضوا خلالها دور السينما في تجاوز الحواجز الثقافية وتعزيز التفاهم بين الشعوب. وفي كلمته، شدّد كوستوريكا على أن «السينما لا تُقاس بقيمتها المالية بقدر ما تحمله من مضامين وأفكار عميقة»، مشيراً إلى تأثير أفلام المخرج أندريه تاركوفسكي التي على الرغم من محدودية مشاهدتها عند إصدارها، اكتسبت قاعدة جماهيرية واسعة على مر الزمن، بفضل طرحها أسئلة جوهرية عن الحياة.

أما ستون فأكد أن «السينما اليوم في مرحلة تطور مستمر، تتضمّن رؤى فنية جديدة وإمكانيات إبداعية متاحة حتى في المدن الصغيرة»، داعياً إلى احتضان هذا التغيير وتقدير الماضي في الوقت ذاته.

الحضور العربي

وفي الجلسات عن العالم العربي، شارك لوبو سيوس مقدم البرامج الحوارية في دبي، وعلي الزكري رئيس قسم التحرير الرقمي في صحيفة «البيان» في دبيّ، وعلا الشافعي رئيسة تحرير صحيفة «اليوم السابع» المصرية، والصحافي اللبناني نبيل الجبيلي. وأكد المنتدى تعزيز الروابط بين الشعوب، كونها تُسهم في خلق أرضية مشتركة وتقديم طرق مبتكرة للإبداع. ورأى المشاركون أن العلاقات بين روسيا ودول «بريكس» لا سيما الدول العربية تستند إلى التفاعل الثقافي وتشابك الثقافات؛ مما يفتح آفاقاً جديدة للتعاون والإبداع المشترك.

وعن دور السينما، بين وسائل هذا التعاون، فإنها عُدّت جسراً فعّالاً يربط بين العالمين الروسي والعربي. إذ إن الأفلام لا تكتفي بعرض جوانب من حياة شعوب معينة، بل تساعد أيضاً على تجاوز الحواجز اللغوية والثقافية؛ مما يخلق قصصاً عالمية قادرة على التأثير في قلوب المشاهدين في كل مكان.

ومن ثم، تناول المنتدى دور الذكاء الاصطناعي بوصفه أداة واعدة في عملية التأليف والإنتاج السينمائي، بجانب بحث الفرص التي توفرها المنصات الرقمية لتمكين المواهب الشابة.

جانب من الحضور يسجلون اللحظة بهواتفهم الجوّالة (الشرق الأوسط)

منصة مهمة لتبادل الخبرات

مع مشاركة أكثر من 70 متحدثاً من 10 دول، شكّل المنتدى منصة مهمة لتبادل الخبرات وتعزيز التواصل الثقافي بين روسيا والعالم، بما يُسهم في دفع عجلة الابتكار والتنوع في قطاعي الإعلام والسينما العالميين. وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، قال جورجي بروكوبوف، رئيس شركة موسكينو - مركز موسكو السينمائي، إن المنتدى -الأول من نوعه- يُنظّم «في لحظة محورية؛ إذ تعمل أدوات الذكاء الاصطناعي والابتكارات الرقمية على إعادة تشكيل الصناعات الإبداعية بشكل أساسي». وأردف أن «الملعب العالمي بات أكثر توازناً... وظهرت مناطق جديدة، أو عزّزت مناطق، كانت موجودة أصلاً في هذه الصناعة، مكانتها لتتحول إلى مراكز لإنتاج الأفلام والتلفزيون».

وأوضح بروكوبوف أن موسكو استثمرت، بمبادرة من رئيس بلديتها سيرغي سوبيانين، بكثافة في «بناء مجموعات إبداعية عالمية المستوى» في المدينة وإنشاء شبكات تعاون مع مراكز إبداعية مماثلة في جميع أنحاء العالم. ولقد انصب أحد البرامج الأساسية على تطوير صناعة السينما. وتابع أن «مجموعة صناعة الأفلام الروسية وصلت إلى حجم مماثل (من حيث مرافق الإنتاج ومعداتها المتطورة) لتلك الموجودة في كاليفورنيا أو مومباي (...) تتغيّر صناعة الأفلام العالمية بسرعة، ولم يعد الأمر يقتصر على (هوليوود)، النموذج القديم؛ حيث تُملى ثقافة واحدة، والأذواق العالمية تتلاشى». ثم كشف عن أن عدد الأفلام الروائية المنتجة في دول «بريكس» تضاعف أكثر من ثلاث مرات على مدى العقدين الماضيين، في حين ظل عدد الإنتاجات في الغرب ثابتاً إلى حد كبير.

داخل القاعة (الشرق الأوسط)

التطور في «بريكس» ودول الخليج العربي

ومن ثم، أفاد بأن تقنيات الذكاء الاصطناعي تسمح بتكييف المحتوى المتنوع مع السياقات المحلية بسلاسة. وبالنسبة إلى دول مجموعة «بريكس» فإنها، مثل روسيا، «تتطلّع إلى تعزيز التعاون مع القطاع الإبداعي المزدهر في الخليج العربي، بما يمثّل فرصة مثيرة لاستكشاف أسواق جديدة».

وزاد المسؤول أن الأوساط الروسية «تتابع باهتمام كبير ما يحدث في المملكة العربية السعودية. إن تفاني الحكومة في رعاية المواهب وجعل المملكة واحدة من المراكز الإبداعية الرائدة في العالم أمر رائع حقاً. ومن الملهم أن نرى كيف تتحوّل المملكة بسرعة إلى قوة إبداعية عالمية مع الحفاظ على تراثها الثقافي الغني».