الملكة صوفيا تحتفل بعيدها الثمانين

الملكة صوفيا برفقة زوجها الملك خوان كارلوس حضرا حفلاً أقامته أكاديمية الملكة صوفيا للموسيقى بمناسبة عيد ميلادها الثمانين (إ.ب.أ)
الملكة صوفيا برفقة زوجها الملك خوان كارلوس حضرا حفلاً أقامته أكاديمية الملكة صوفيا للموسيقى بمناسبة عيد ميلادها الثمانين (إ.ب.أ)
TT

الملكة صوفيا تحتفل بعيدها الثمانين

الملكة صوفيا برفقة زوجها الملك خوان كارلوس حضرا حفلاً أقامته أكاديمية الملكة صوفيا للموسيقى بمناسبة عيد ميلادها الثمانين (إ.ب.أ)
الملكة صوفيا برفقة زوجها الملك خوان كارلوس حضرا حفلاً أقامته أكاديمية الملكة صوفيا للموسيقى بمناسبة عيد ميلادها الثمانين (إ.ب.أ)

أطفأت ملكة إسبانيا الفخريّة صوفيّا شمعتها الثمانين أول من أمس وهي في ذروة شعبيتها بين عائلة «بوربون» الوحيدة المالكة في العالم والمحاصرة بالفضائح والعثرات. بنت ملك وشقيقة ملك وزوجة ملك ووالدة ملك، وقد تصبح يوماً جدة لملكة إذا كُتِب لحفيدتها البكر أن تجلس يوماً على عرش المملكة الإسبانية.
تعرّفت صوفيا، كريمة ملك اليونان، على الذي أصبح زوجها لاحقاً، الأمير خوان كارلوس، خلال حفل زفاف دوق كنت في بريطانيا، وتخلّت عن مذهبها الأرثوذكسي واعتنقت الكاثوليكية لتصبح زوجة الرجل الذي جلس على عرش إسبانيا بعد وفاة الجنرال فرنكو.
ومثل زوجها الذي اضطرت عائلته لمغادرة إسبانيا عند قيام النظام الجمهوري، غادرت صوفيّا مسقط رأسها اليونان مع أسرتها بعد الاجتياح الألماني، وانتقلت إلى مصر ثم إلى جنوب أفريقيا لتستقرّ في العاصمة البريطانية. درست العلوم الإنسانية وانكبّت على الفنون الجميلة والهندسة والطب والموسيقى، وفي إسبانيا أعطت اسمها لأحد أشهر متاحف العاصمة الذي يضمّ لوحة «غرنيكا» الشهيرة لبيكاسو ونخبة الفنون الطليعية في إسبانيا والعالم.
عندما جلس الملك خوان كارلوس الأوّل على العرش، كانت صوفّيا جسماً غريباً في إسبانيا الطالعة من نظام ديكتاتوري قام على أنقاض حرب أهلية مدمّرة والمقبلة على ملكية برلمانية في واحدة من أنجح عمليات الانتقال السياسي وأبهرها. لم تكن محبوبة كثيراً في الأوساط الشعبية، فهي ليست آية في الحسن، ولا تتقن اللغة الإسبانية التي ما زالت إلى اليوم تتكلمها بلكنة واضحة، رغم أنها تتحدث لغات عدة.
طوال أربعين عاماً مارست صوفيّا دورها كملكة بإتقان لافت، ولم تكن تُعرف لها آراء في القضايا الاجتماعية التي كانت تعتمل في المجتمع الإسباني المنفتح حديثاً على الديمقراطية، إلى أن كشفت مكنوناتها في حديث صحافي طويل قالت فيه إنها تعارض زواج المثليين والإجهاض والموت الرحيم، وتؤيد التعليم الديني الإلزامي في كل المدارس.
لكن مسيرتها لم تكن سهلة في ظل زوجها الذي كانت شعبيته قد تعاظمت في أعقاب وقوفه ضد محاولة الانقلاب العسكري التي فشلت بفضل معارضته الثابتة لها، والذي كانت أخبار مغامراته على كل شفة ولسان. احتوت صوفيّا برصانة مشهودة وجأش ما كان يقال عن زوجها الذي انتهى به الأمر إلى التنازل عن العرش في العام 2014 بعد أن تدنّت شعبية الملكية إلى مستويات غير مسبوقة بسبب من سلوكيات الملك التي تزامنت مع ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة في البلاد، وبفعل فضيحة الفساد التي طالت صهره زوج ابنته الصغرى الذي يمضي عقوبة في السجن حالياً.
يقول الصحافي الإسباني المعروف «خايمي بنيافييل» الذي أمضى حياته يغطّي أخبار العائلة المالكة الإسبانية إن «الملكة صوفيّا قد فشلت كأمٍّ وكامرأة وكجدة، لأنها لم تجرؤ على الانتفاض ضد المظالم التي كانت تحيط بها». لكن صوفّيا تعرف أن مهنة الملكة هي من أصعب المهن، وأن الواجب فيها يتقدّم على أي اعتبار شخصي آخر. وليس مستغرباً أن يكون المديح الأجمل في الملكة الفخرية هو ما جاء على لسان وزيرة اشتراكية عندما قالت: «الملكة تحظى باحترام عميق وتقدير كبير داخل إسبانيا وخارجها لأنها قامت، ولا تزال، بواجبها على أكمل وجه طوال أربعين عاماً».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».