مصر: قطاع الألبان يتطور بوتيرة سريعة مع زيادة أسعار البروتين الحيواني

تحوّل قوي من الجبن السائب إلى المعبأ في آخر 10 سنوات

خط إنتاج أحد مصانع منتجات الألبان في مصر
خط إنتاج أحد مصانع منتجات الألبان في مصر
TT

مصر: قطاع الألبان يتطور بوتيرة سريعة مع زيادة أسعار البروتين الحيواني

خط إنتاج أحد مصانع منتجات الألبان في مصر
خط إنتاج أحد مصانع منتجات الألبان في مصر

تعتبر الألبان من المصادر الأساسية لغذاء المصريين من البروتينات، نظراً لرخص أسعارها إذا قورنت بمصادر البروتين الحيواني الأخرى (اللحوم الحمراء – لحوم الدواجن – الأسماك).
ونظراً للظروف الاقتصادية لكثير من المصريين، فإن المواطنين في القرى والنجوع ومدن مصر الفقيرة، يفضلون شراء الجبن بدلاً من اللبن، نظراً لأن المنتج الأول يحتوي على المنتج الثاني، ومن الممكن استخدامه كوجبة مع الخبز، وهو ما يعزز من مقولة إن «المصريين يأكلون اللبن ولا يشربونه».
وتمثل صناعة الجبن وسيلة مهمة لحفظ مكونات اللبن؛ حيث ارتفعت كمية اللبن المستخدمة في صناعته في مصر، من نحو 27.24 في المائة في عام 1990 إلى نحو 29.44 في المائة في عام 2004. وتعاني مصر من نقص نصيب الفرد من الألبان؛ حيث تشير تقديرات منظمة الأغذية والزراعة إلى أن متوسط نصيب الفرد من الألبان في الدول المتقدمة يعادل أو يزيد على خمسة أمثال نظيره في الدول النامية، بما فيهم مصر.
ويستخدم المصريون أكثر من 60 طناً من الأجبان سنوياً، وفقاً لإحصائيات شركة «تتراباك» السويدية للتغليف وصناعة معلبات المواد الغذائية. غير أن تأثر القوة الشرائية في مصر جراء الإصلاحات الاقتصادية المستمرة، أثر على نتائج بعض الشركات، وإن كانت نتائج الربع الثالث التي تم إعلانها مؤخراً توضح بدء تعافي القطاع، بالتزامن مع ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن.
محمد الدماطي، عضو غرفة الصناعات الغذائية، يقول إن السوق المحلية حالياً تعافت من آثار عدم الاستقرار في الأعوام الماضية، متمنياً عدم تأثر القوى الشرائية للمستهلكين في مصر بالإصلاحات الاقتصادية التي تطبقها الحكومة حالياً، من رفع الدعم عن بعض المنتجات الأساسية، وزيادة الضرائب.
وأشار الدماطي لـ«الشرق الأوسط» إلى تراجع القوى الشرائية في البلاد خلال الفترة الماضية، إلا أنه أوضح أن الأوضاع بدأت في التحسن منذ شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، مشيراً إلى تراجع معدلات الاستهلاك العام الماضي بشكل ملحوظ؛ لأنه العام الذي تلا قرار تعويم العملة في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2016.
وقال إن قطاع الجبن في مصر انعكس من السائب إلى المعبأ في آخر 10 سنوات، بجهود من الشركات العاملة في القطاع ووزارة الصحة؛ موضحاً: «في عام 2008 كانت الأجبان السائبة في السوق المصرية تمثل 80 في المائة من الأجبان المتداولة، في حين مثلت الأجبان المعبأة 20 في المائة فقط؛ لكن حالياً انقلب الوضع، وصارت نسبة الأجبان المعبأة 80 في المائة من الأجبان المتداولة، في حين تمثل الأجبان السائبة 20 في المائة... ولهذا زادت مبيعات الشركات بنسبة 15 في المائة، العام الماضي وحده، مما كان له الأثر في زيادة مبيعات الشركات، وشجع بعض هذه الشركات على الطرح في البورصة المصرية».
وسجلت شركة «جهينة» للصناعات الغذائية أرباحاً في الربع الثالث من العام الجاري، بنحو 111 مليون جنيه (6.2 مليون دولار)، بارتفاع 33 في المائة، مقارنة بالربع الثالث من العام الماضي، بدعم من نمو الإيرادات، والاستمرار في توظيف التكاليف التشغيلية بكفاءة، وخفض المديونية، وفقاً لتقرير صادر عن بنك الاستثمار بلتون.
وأضاف التقرير أن إيرادات الشركة ارتفعت بنسبة 15 في المائة على أساس سنوي (دون تغير على أساس ربع سنوي)، وذلك «على الأرجح نتيجة ارتفاع أحجام المبيعات والأسعار. وسجل هامش مجمل الربح 28 في المائة، بانخفاض 2 نقطة مئوية على أساس سنوي، و3 نقاط مئوية على أساس ربع سنوي، على الأرجح نتيجة التمرير التدريجي لرفع تكاليف الوقود في يوليو (تموز) الماضي، وما ينتج عن ذلك من تضخم؛ والزيادة المحتملة لمساهمة قطاع العصير منخفض الهوامش في المبيعات».
وقالت «بلتون» إن «نجاح شركة (جهينة) في خفض المصروفات التشغيلية أدى إلى خفض نسبة التكاليف التسويقية والعمومية والإدارية إلى المبيعات (لتمثل 17 في المائة في الربع الثالث من 2018، مقابل 19 في المائة في الربع الثالث من 2017)، وبالتالي حافظت (جهينة) على هامش الربحية، قبل خصم الإهلاك والاستهلاك على أساس سنوي عند 15 في المائة». وواصلت استراتيجية الشركة في منح أولوية لخفض الديون عن النفقات الرأسمالية جني ثمارها؛ حيث أدت إلى انخفاض المصروفات التمويلية بنسبة 18 في المائة على أساس سنوي، مما دعم نمو صافي الربح؛ حيث انخفض صافي الدين نسبة إلى رأس المال إلى 0.2 مرة في الربع الثالث من عام 2018.
وكشفت القوائم المالية المجمعة لشركة الصناعات الغذائية العربية «دومتي»، ارتفاع صافي ربح الشركة خلال النصف الأول من العام الحالي بنسبة 1526.8 في المائة، على أساس سنوي، بفضل نمو المبيعات. وسجلت صافي ربح بلغ 98.1 مليون جنيه منذ بداية يناير (كانون الثاني) حتى نهاية يونيو (حزيران) الماضي، مقابل 6.03 مليون جنيه أرباحاً خلال الفترة نفسها من العام الماضي.
ولم تعلن «دومتي» نتائج أعمال الربع الثالث حتى الآن؛ لكن المهندس عمر الدماطي رئيس مجلس إدارة الشركة العربية للصناعات الغذائية (دومتي) قال: «تمكنت (دومتي)، من التوسع إلى 39 سوقاً جديدة في جميع أنحاء أوروبا وآسيا وأفريقيا، بالإضافة إلى توسيع منتجات الشركة من الجبن لتشمل المخبوزات والعصائر».
وأوضح محمد الدماطي، نائب رئيس مجلس إدارة شركة الصناعات العربية الغذائية (دومتي)، لـ«الشرق الأوسط»، أن حجم التصدير من مبيعات الشركة يبلغ نحو 6 في المائة، موضحاً أن منتج العصائر يحتل المرتبة الأولى في التصدير، يليه الأجبان.
وقال إن «تشاد والغابون يحتلان المرتبتين الأوليين في قارة أفريقيا، واليونان والسويد في أوروبا، وبعض الدول في أميركا الشمالية وكندا»، موضحاً أن إجمالي حجم تصدير الأجبان فقط يبلغ مليوني دولار.
وأوضح الدماطي أن الأسواق العربية تحتل نسبة كبيرة من إجمالي التصدير؛ مشيراً إلى ليبيا التي تحتل المرتبة الأولى في الدول العربية في صادرات الشركة من الأجبان، يليها الأردن، ثم السعودية وباقي دول الخليج، وفلسطين. وهناك مفاوضات مع وكيل الشركة في السعودية حول كيفية زيادة المبيعات أو التفكير في وكيل آخر «نظراً لأن السوق السعودية مهمة جداً بالنسبة للشركة وحجم المبيعات».
وأوضح أن الشركة تتجه للتركيز على المخبوزات في الفترة المقبلة: «حالياً تبلغ مساهمة المخبوزات في إجمالي المبيعات نحو 5 في المائة، وهناك خطة لزيادة مساهمتها في إجمالي المبيعات».
وتبلغ الحصة السوقية لشركة «دومتي» نحو 32 في المائة من إجمالي مبيعات السوق، خلال العام الماضي. وأوضح الدماطي أن «من 10 - 15 في المائة نسبة نمو، مستهدفة خلال العام المقبل».


مقالات ذات صلة

مصر توقع اتفاقين بقيمة 600 مليون دولار لمشروع طاقة مع «إيميا باور» الإماراتية

الاقتصاد منظر للعاصمة المصرية (الشرق الأوسط)

مصر توقع اتفاقين بقيمة 600 مليون دولار لمشروع طاقة مع «إيميا باور» الإماراتية

وقّعت مصر وشركة «إيميا باور» الإماراتية اتفاقين باستثمارات 600 مليون دولار، لتنفيذ مشروع محطة رياح، بقدرة 500 ميغاواط في خليج السويس.

الاقتصاد اجتماع وزير البترول  والثروة المعدنية المصري كريم بدوي بمسؤولي شركة «إكسون موبيل» (وزارة البترول والثروة المعدنية)

«إكسون موبيل» تستعد لحفر بئر جديدة للتنقيب عن الغاز في مصر

ستبدأ شركة «إكسون موبيل» المتخصصة في أعمال التنقيب عن البترول وصناعة البتروكيماويات يوم 15 ديسمبر (كانون الأول) المقبل بأنشطة الحفر البحري للتنقيب عن الغاز.

«الشرق الأوسط» (لندن )
العالم العربي مصريون يلجأون للمعارض لشراء احتياجاتهم مع ارتفاع الأسعار (الغرفة التجارية المصرية بالإسكندرية)

الغلاء يُخلخل الطبقة الوسطى في مصر... رغم «التنازلات»

دخلت الطبقة الوسطى في مصر مرحلة إعادة ترتيب الأولويات، بعدما لم يعد تقليص الرفاهيات كافياً لاستيعاب الزيادات المستمرة في الأسعار، فتبدلت معيشتها.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي خلال استقباله الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس وزراء قطر في العاصمة الإدارية الجديدة (مجلس الوزراء المصري)

مصر وقطر ستتعاونان في مشروع عقاري «مهم للغاية» بالساحل الشمالي

قال مجلس الوزراء المصري، الأربعاء، إن مصر وقطر ستتعاونان خلال المرحلة المقبلة في مشروع استثماري عقاري «مهم للغاية» في منطقة الساحل الشمالي المصرية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد أبراج وشركات وبنوك على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

تقرير أممي يحذّر من تضخم الدين العام في المنطقة العربية

حذّر تقرير أممي من زيادة نسبة خدمة الدين الخارجي في البلدان العربية، بعد أن تضخّم الدين العام المستحق من عام 2010 إلى 2023، بمقدار 880 مليار دولار في المنطقة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».