كونور سين
TT

أميركا تتخلى عن حب «وادي السيليكون»

انتهت قصة الحب بين الولايات المتحدة الأميركية والتكنولوجيا للمرة الأولى منذ انطلاقة «دوت كوم» عام 2011. شاهدنا العام الحالي ردة فعل ثقافية واسعة ضد صناعة التكنولوجيا ربما توجت بالهزيمة التي لحقت بأسهم قطاع التكنولوجيا في أسواق المال.
فقد أصبحت التكنولوجيا جزءا من الحياة اليومية وباتت بمثابة المحرك للمجتمع للدرجة التي بات معها أي تحرك ضدها يشكل أهمية تفوق المضاربة التي حدثت في أسواق المال عام 2011، لكن التكنولوجيا ستترك وراءها فراغا كبيرا يتحتم على غيرها ملؤه.
وقد تزامن دور التكنولوجيا المتنامي في الهوية الأميركية مع الأزمة المالية وانهيار الثقة في المؤسسات. لم تنل التكنولوجيا تلك الأهمية الكبيرة اقتصادياً وثقافياً عام 2008، لأنها ببساطة كانت بالأهمية نفسها قبل ذلك. فقد كان الكومبيوتر محور المعيشة في البيت الأميركي بدءا من نسخة ويندوز 95، وشرع الأميركيون من الطبقة المتوسطة في نهاية التسعينات في شراء أسهم شركات التكنولوجيا لتأمين حياتهم في مرحلة التقاعد. وفي العقد الأول من الألفية الجديدة أحدث جهاز «آي بود» انقلاباًـ وأعقبه ثورة هواتف آيفون عام 2007، ويعني ذلك أن التكنولوجيا كانت كبيرة حتى قبل الأزمة المالية.
لكن وادي السيليكون بدأ يتبع نهجا مغايرا طوال السنوات الثماني الماضية. فقد ظهر فيلم «الشبكة الاجتماعية» في أكتوبر (تشرين الأول) 2010، مستندا إلى تأسيس موقع «فيسبوك» بجامعة هارفارد. والصيف التالي، كتب مارك أندرسون، الرأسمالي وأحد مؤسسي المتصفح «نيتسكيب»، مقالا بعنوان «السوفت وير يأكل العالم» ليشغل لب وخيال عالم الأعمال. بعد ذلك توفي ستيف جوبز وكتب والتر أيساكسون سيرته الذاتية في أكتوبر 2011، في الولايات المتحدة في فترة ما بعد الأزمة المالية، وعندما كانت الولايات المتحدة تصارع لإيجاد إجابات، كان «وادي السيليكون» برؤيته لبراعة الولايات المتحدة يمتلك الإجابات كلها.
ربما لعبت التكنولوجيا دورا أكبر في تشكيل الهوية الوطنية لكن الأزمة المالية عام 2008 أسقطت المنافسة بكل تأكيد. فقد تسببت الحركة الارتدادية في قتل أي مصداقية لسوق «وول ستريت»، وأسواق العقارات وصناعة السيارات وكذلك الحكومة، فجميعهم خسروا قدرا من مكانتهم نتيجة لعمليات الإنقاذ اللاحقة التي قامت بها إدارة الرئيس بوش.
بعد ذلك انتقلت السلطة من نيويورك وواشنطن إلى سان فرانسيسكو. ولو أن ما يعرف بـ«مجتمع الملكية» الذي ظهر في العقد الأول من الألفية الثانية في عهد الرئيس بوش الابن انهار، لربما أصبح نموذج الشراكة الاقتصادية بين «أوبر» و«إير بي إن بي» هو المستقبل. ولو أن أعمدة التجارة الراسخة يمكن أن تنهار بين عشية وضحاها، لربما خرج الأميركان بـ«ابتكارات مدمرة» أيضا، أو هكذا بان الوضع في أوج الأزمة الاقتصادية.
والآن فقد بدأت العيوب الحقيقية التي صورها فيلم «الشبكة الاجتماعية» لستيف جوبز ومارك أندرسون عن أساليب «التخريب» تتجلى على أرض الواقع. فطريقة تعامل الصناعة مع بيانات المستخدمين ظهرت جلية من خلال «فيسبوك»، وعرفنا كيف تحصل تلك الصناعة على أموالها، وشاهدنا كيف اتجهت تقييمات الأعمال القديمة جنوبا. ولذلك فقد بات مستقبل التكنولوجيا القريب محل تساؤل أكثر من أي وقت مضى. وهنا نتساءل: لو أن دور التكنولوجيا في المجتمع الأميركي ضعف، من سيشغل مكانها؟
سأعرض بديلين: الأول، هو الطاقة التي تقف خلف موجة انتخابات الحزب الديمقراطي التي سنراها الأسبوع المقبل. لكن هذا لا يعني أن الديمقراطيين لن يحكموا دولة منقسمة على نفسها - تبدو وكأنها تترنح من أقصى يمينها إلى أقصى يسارها مرة كل ست إلى ثماني سنوات - لكن ذلك يعني أنهم سيضعون شروط المناظرة الوطنية كما فعل الحزب الجمهوري منذ موجة «حزب الشاي» عام 2010. ويمكن للسنوات القادمة في السياسة أن تتشكل على يد شخصيات من الحزب الديمقراطي مثل عضو الحزب عنالسيليكون نيويورك، أليسكاندريا أوكتاسيو كورتيز، أو عضو الحزب عن فلوريدا، أندرو غيلام، أكثر من أعضاء الحزب الجمهوري عن ولاية ويسنكسون مثل باول راين، أو عضو الحزب عن تكساس تيد كروز.
الاحتمال الآخر، هو أنه بدلا من الحوار الوطني الذي حددت صناعة التكنولوجيا أو حزب سياسي شروطه، ربما نرى العالم وقد دخل منافسة حامية، خاصة مع دولة مثل الصين. وللشباب الذي لم يعاصر زمن الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، ستكون هذه المنطقة من العالم غير معهودة بالنسبة لهم.
قد يجادل المؤرخون يوما بالقول إنه بعد العصر الثاني للتكنولوجيا (2008 - 2018)، ستأتي الحرب الباردة الثانية. وربما تكون الانتخابات الفصلية المقررة الأسبوع المقبل إحدى النقاط المصيرية.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»