كارولين غاسبار مؤسسة «أكيليس»: لا أحب أن أتشابه مع غيري

تصاميمها تعكس شخصيتها الجريئة وحبها للخطر والإثارة

المصممة كارولين غاسبار وسوار من مجموعة «بانغ بانغ»   -  حرفية تعمل على مجموعة «بانغ بانغ» في معملها الواقع بمدينة ليون
المصممة كارولين غاسبار وسوار من مجموعة «بانغ بانغ» - حرفية تعمل على مجموعة «بانغ بانغ» في معملها الواقع بمدينة ليون
TT

كارولين غاسبار مؤسسة «أكيليس»: لا أحب أن أتشابه مع غيري

المصممة كارولين غاسبار وسوار من مجموعة «بانغ بانغ»   -  حرفية تعمل على مجموعة «بانغ بانغ» في معملها الواقع بمدينة ليون
المصممة كارولين غاسبار وسوار من مجموعة «بانغ بانغ» - حرفية تعمل على مجموعة «بانغ بانغ» في معملها الواقع بمدينة ليون

قرأت وسمعت الكثير عن كارولين غاسبار، مؤسسة ماركة «أكيليس» للمجوهرات، قبل أن ألتقيها. فهي مبدعة، مغامرة وجريئة إلى أقصى حد. قرأت أيضا أنها تستمتع بالمخاطر وتمارس هوايات لا تخطر على البال مثل إطلاق النار ببنادق كلاشنيكوف ومسدسات برصاص حي، الأمر الذي تترجمه تصاميمها الموجهة للجنسين. لكن لقاءها في محلها الواقع في 332 من شارع سانت هونوريه الباريسي الشهير، كان اكتشافا ممتعا لجوانب أخرى كثيرة من شخصيتها. كانت في الأسابيع الأخيرة من الحمل ومع ذلك كانت تقفز من مكان إلى آخر بحيوية جعلتني أحسدها عليها، تتنقل بي من جانب إلى آخر من المحل لتشرح لي الفكرة من كل مجموعة صممتها، ولماذا تعشق أن تطبعها بلمسات شقية وجريئة، وإن كان من الصعب القول إنها لكل الأذواق. لا تنكر كارولين ذلك، وتشير إلى أن المرأة التي تتوجه لها قوية وواثقة بذوقها، وفي الوقت ذاته تعرف مدى تأثير أنوثتها، فهي مرة بطلة لفيلم جيمس بوند، ومرة هي المرأة القطة، ومرة أخرى لارا كروفت أو نيكيتا وغيرهن من الشخصيات اللاتي نعرفهن جيدا، يلهبن الخيال ويبقى تأثيرهن مترسخا في الذاكرة وقتا طويلا. وتضيف أن تصاميمها تعكس شخصيتها «فمجموعة بانغ بانغ مثلا، جاءتني فكرتها في موسكو وأنا أمارس هواية إطلاق النار. كانت أول مرة أستعمل فيها رصاصا حقيقيا.. انتابني شعور بالخوف والإثارة وتصورت نفسي بطلة فيلم جيمس بوند.. كان إحساسا رائعا ترجمته في هذه المجموعة التي تشهد نجاحا منقطع النظير منذ إطلاقها إلى اليوم». وتتابع: «أنا متمردة بطبعي، أحب ممارسة هواية إطلاق النار باستعمال بنادق كلاشنيكوف أو مسدسات حقيقية، كما أحب الرياضات التي تتطلب قوة، والسيارات السريعة، وكل ما يتضمن بعض الخطر. فمنذ صغري، كنت أميل إلى اللعب مع الصبيان».
شهدت ماركة «أكيليس» النور في عام 2007، أي إنها لا تزال غضة، ومع ذلك فإن ملامحها كانت واضحة من البداية، لأن كارولين كانت تعرف ماذا تريد، ولم تدخل المجال من باب الإحساس بالملل والرغبة في ملء فراغ في حياتها، بل عن حب وقناعة ودراسة. تقول: «كانت دراستي في مجال الأعمال، وبعد تخرجي التحقت بشركة لوريال ثم مع دار (فريد) للمجوهرات، التي كانت تنضوي تحت أجنحة مجموعة (إل في إم إش)، بعدها قررت أن أؤسس (أكيليس)». أسألها عن معنى الاسم، تضحك عاليا وتقول وهي تضم قبضة يديها وترفعها إلى أعلى كأنها ملاكم «إنها مزيج من محارب و(تو كيل) أي تقتل، لأني أردتها أن تقضي على أي مقاومة تجاهها بمجرد أن تقع عليها العين، خصوصا أنها موجهة للجنسين. أما رسالتي، فهي أن الماس قوة المرأة التي يجب ألا تستغني عنها». بدأت علاقتها بالماس عندما كانت طفلة، بفضل صديق مقرب لوالدها كان يعمل في تجارة الماس. كلما زارهم في بيتهم كانت تتعلق به وتفتش جيوبه بحثا عن هذه الأحجار، التي كان يسمح لها باللعب بها أمام ناظريه. كبرت وبدأت تصمم من باب الهواية، ثم بطلب من الأصدقاء وفجأة وجدت نفسها تفكر في تأسيس ماركتها، تشرح ضاحكة: «هل رأيت كيف أجبرت على ذلك؟». لكنها بذكائها، وبتعليمات من والدها، وهو رجل أعمال معروف، درست إدارة الأعمال، لأنها كانت تدرك أن قدرتها على الابتكار لا تكفي وأنه من الضروري أن تفهم كل جوانب إدارة شركة خاصة، من التسويق إلى دراسة السوق حتى تعرف مدى تقبله تصاميمها، مرورا بتصميم واجهات محلاتها واختيار الأحجار الكريمة وغيرها من المهام التي تقوم بها الآن على أحسن وجه. تشرح: «من الضروري أن أفكر دائما في تصاميم تبيع، تمس الزبون وتخاطبه بكل اللغات، لدينا الآن زبائن من الشرق الأوسط ومن روسيا والمكسيك واليابان وهلم جرا، لأن التشكيلات منوعة بحيث يمكن أن يجد أي أحد فيها ما يناسبه. وأريد أن أشير هنا إلى أن تصاميمي تجد رواجا لافتا في منطقة الشرق الأوسط، سواء في دبي أو البحرين أو السعودية».
كل ما في كارولين يضج بقوة تنبعث من رؤيتها الواضحة، إلى درجة أنك تنسى أن عمرها لا يتعدى الـ31 عاما. فقد حصدت تصاميمها الكثير من النجاح في وقت وجيز، كما أصبحت الماركة عالمية، وهناك استراتيجيات للمزيد من التوسع. طوال الحديث معها، يلفك إحساس بالطمأنينة والارتخاء كأنك تتحدث مع صديقة حميمة تلتقيها بعد أن باعدت بينكما الحياة لفترة وتريد أن تعرف كل أخبارها. ما يزيد من قوة هذا الإحساس أنها كانت تتبرع بآراء وأمور شخصية لا يمكن نشرها كأنها تستأمنك عليها. ومع ذلك، كلما تعمق الحديث يزيد الإحساس بأنها تخفي وراء ضحكتها الطفولية وشقاوتها عقلا تجاريا يفوق سنوات عمرها. تقول كأنها قرأت ما يدور بذهني: «أنا أبدو أصغر من سني، لكن السن مجرد رقم، فلدي صديقات من العمر نفسه يتبوأن مراكز رفيعة جدا. نعم أشعر بالفخر بما حققته لحد الآن، فقد تدرجت في عدة وظائف وتحملت عدة مسؤوليات، تعلمت منها الكثير».
كل مجموعة تطرحها تتضمن قصة تعكس شخصيتها أو جانب من اهتماماتها. فهي لا تمل من الغوص في شخصية بطلات تحبهن، فتحللها ثم تترجمها في أشكال يمكن أن تكون قراءة في شخصيتها وطريقة تصورها الأشياء التي تحيط بها أو تعايشها. مثلا، مجموعة لعبة البوكر تستحضر صورة بطلة من بطلات أفلام جيمس بوند، قوية وفاتنة ومغامرة إلى حد ما. تسارع كارولين قائلة إنها لا تتقن لعبة البوكر ولا تلعبها، لكنها تحب أن تطلق العنان لخيالها لتستلهم أفكارها من أفلام الجاسوسية والمغامرات والملاحم البطولية، التي تمزج بين الخيال والواقع. كانت في ذلك اليوم تلبس قلادة مرصعة بالماس، عندما لمحت لها بأن ارتداءها في النهار مع «تي - شيرت» عادي قد يعطي الانطباع بأنها غير أصلية، ردت بتلقائية «معك حق، ففي يوم من الأيام كنت في المترو، ألبس سوارا مرصعا عندما عبرت لي امرأة تجلس بجانبي عن إعجابها به، معتقدة أنه من (سواروفسكي)، والحقيقة أن هذا ليس بالأمر السلبي بالعكس، إذ يمكنني أن ألبس مجوهراتي في كل الأوقات والأماكن، وأنا مستمتعة بها، لأنني في قرارة نفسي أعرف قيمتها الحقيقية ومن ثم تجعلني أشعر بالثقة والسعادة والتميز».
تعرف كارولين أن تصاميمها ليست لكل الأذواق، فهي تخاطب زبونا شابا ومتمردا وجريئا مثلها لا يريد أن يكون مثل غيره، الأمر الذي تبرره بأنها تقدم مجموعات متنوعة حتى إن لم تجد الواحدة منها صدى في نفس زبون أو زبونة، تروق لهما أخرى «الزبون الكلاسيكي مثلا يقبل على مجموعة بازل التي أعتز بشهادة (فان كليف آند أربلز) التي قال لي رئيسها التنفيذي إن أكثر ما يتحسر عليه أنهم لم يكونوا السباقين لهذا التصميم. أنا جد فخورة بذلك، فمعظم الصاغة ومصممي المجوهرات يقلد بعضهم بعضا أو يستلهمون من بعض، وأنا لا أحب أن أتشابه مع غيري».
كأي امرأة، تعشق كارولين الموضة، وتقدر تأثيرها ولا تنكره، لكنها لا تقدر أن يجري الناس وراء شراء قطع مجوهرات من البلاستيك بأسعار عالية تقدر بـ3000 يورو، فقط لأنها بتوقيع مصمم معروف أو دار عالمية. في المقابل، تريد أن تستقطب هذه الشريحة من الزبائن، لكن من خلال الذهب والماس ومن منظور الأناقة والاستثمار معا، لا سيما أن أسعارها تبدأ من 300 يورو إلى 25.000 يورو أو أكثر عندما يتعلق الأمر بطلبات خاصة، كتصميم خاتم زواج أو قطعة بتصور معين.
يزيد حماسها وهي تتكلم عن تأثير الموضة وكيف يجري البعض وراء الأسماء المعروفة من دون أن تكون لهم فكرة واضحة عن الأناقة ومعنى الأسلوب الخاص والمتميز، مشيرة إلى الأناقة لا تحتاج دائما إلى ثمن عال، بل يمكن لأي شخص أن يحصل عليها إذا كان واثقا بنفسه وأسلوبه.
تشرح: «في روسيا، مثلا، هناك نوعان من الفتيات. النوع الأول يحب التميز ويبحث عنه في محلات صغيرة وغير معروفة، والنوع الثاني يحب الأسماء الكبيرة، فترى أغلبهن في تايور شانيل كأنه زي رسمي لا بد منه، ما يفقده تلك اللمسة الشخصية المطلوبة. لهذا، فإن شعاري هو التميز المطلق، بمنح الزبون الفرصة للتعبير عن شخصيته بأسلوبه باستعمال المجوهرات، التي أعتقد أنها تتمتع بلغة واضحة. فعندما نشتري أي قطعة مجوهرات فإنها تعكس ما نشعر به في الحاضر وما نطمح إليه في المستقبل. فالزمن الذي كانت فيه المجوهرات توضع في خزنة ولا تستعمل سوى في المناسبات الكبيرة ولن يعود، بعد أن دخلت المجوهرات مجال موضة مثلها مثل الأزياء الجاهزة. أنا، مثلا، ألبس سوارا بشكل يومي مع فستان عادي أو مع فستان سهرة، أو مع جاكيت من الجلد وبنطلون من الجينز.. إنه مظهر أكثر (روك آند رول) بالنسبة لي».
ربما تكون السنوات التي قضتها في روسيا، التجربة التي شكلت نظرتها الفنية والجمالية. كان ذلك عندما اضطرت للالتحاق بزوجها الحالي، الذي حصل على عرض لم يكن من الممكن رفضه. التحقت به وهي لا تعرف أي شيء عن روسيا، لكنها تأقلمت مع الوضع بسرعة، وتعلمت اللغة الروسية، بحيث إنها تتكلمها الآن بطلاقة. لكنها تتذكر وتضحك في الوقت ذاته «عندما وصلت إلى موسكو لم أكن أتكلم اللغة الروسية على الإطلاق، وكنت أحفظ جملة واحدة تتعلق بسعر التاكسي، كنت أرددها كلما ركبت مع سائق تاكسي، حتى لا يبالغ في السعر. واكتشفت أن هذه الجملة كانت مفيدة ونفعتني كثيرا إلى درجة أني ما زلت أستعملها الآن رغم أني أتكلم الروسية بطلاقة».
في موسكو، فتحت عينيها على جماليات المعمار وجرأته ولاحظت تنامي جيل جديد من محبي الموضة والمنتجات المترفة، لا يخافون من تجربة أي جديد، بعضهم يفهم الموضة وخباياها جيدا، وبعضهم متطلع إليها ولا يزال يتلمس طريقه فيها. وردت الجميل بافتتاحها أول محل لها فيها بطرح تشكيلة تعكس حياة هذا الجيل المتمرد على التقاليد والمقبل على الحياة بكل متعها، فضلا عن قطع بأحجام ضخمة تراعي جانب الموضة وتغذي الرغبة في التميز مع بعض الاستعراض والكثير من الاستثمار.
يمر الوقت سريعا وينتهي اللقاء بسبب ارتباطي بموعد آخر، وكلي رغبة في البقاء وسماع المزيد من الأسرار التي كانت تبوح بها بتلقائية حول عارضات أزياء تعاملت معهن والتقتهن في حفلات خاصة كأنها تتحدث مع صديقة حميمة. وقبل أن أخرج من المحل تشير إلى بعض المعروضات كأنها تستدل بها على ما قالته: «خاتم ميدوزا، مستلهم من الأسطورة الإغريقية التي تحول البشر إلى حجر، وتجسدت هنا من خلال أحجار الماس والمورغنيت، وخاتم (كروويللا) مستلهم من كروويللا ديفيل في فيلم (101 دالمايشانز) تتوسطه حجرة مورغنيت وردية تحيط بها أحجار الماس من كل جهة وآخر تتوسطه حبة أكوامارين ضخمة مع أقراط أذن ساحرة، لكن تبقى مجموعة AK الأكثر إثارة. فهي مستلهمة من رصاص الكلاشينكوف الروسي، وتأخذ شكله القاتل سواء في أساور أو قلادات أو خواتم. تخرج من المحل وهذه الأشكال الجريئة والأسماء التي تطلقها على كل مجموعة مثل «بانغ بانغ»، «وانتد»، «لايسنس تو أكيليس» وغيرها، تسكنك، لأن السمة الطاغية عليها هي الأناقة الممزوجة بروح الابتكار والتجديد، وقدرة مصممة شابة على خلق لغة خاصة بها بعيدا عن التقليد والقطع المستنسخة.



دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)
تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)
TT

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)
تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

في مجموعته من خط «الريزورت لعام 2020» أثار مصمم دار «كارولينا هيريرا» ويس غوردن موجة من الاستياء والغضب في المكسيك. اتُهم حينها بالسرقة الفنية والثقافية، لأنه استلهم من تطريزات تراثية مكسيكية بشكل شبه حرفي من دون أن يطلب الإذن من أصحابها ولا أشار إليهم. وصل الأمر إلى تدخل حكومي، جاء على لسان وزيرة الثقافة المكسيكية آليخاندرا فراوستو التي وجَهت رسالة تتهم فيها دار «كارولينا هيريرا» بالانتحال الثقافي وتطالبها بتفسير علني لاستخدامها رسوماً منسوخة من تراث الشعوب الأصلية المكسيكية، وما إذا كان هؤلاء سيستفيدون بأي شكل من الأشكال.

جاءت كل إطلالة وكأنها لوحة مرسومة بالأزهار والورود (كارولينا هيريرا)

كان رد المصمم سريعاً وهو أن فكرة الانتحال لم تكن تخطر بباله، وأن ما قصده كان تكريم الثقافة المكسيكية والاحتفال بها، مُعترفاً أنه لا ينفي أن «المكسيك بالفعل حاضرة بقوة في هذه المجموعة. لكن حرصي على إبراز هذا التراث هو دليل على المحبة التي أكنّها لهذا البلد ولإبداعاته الحرفية التي طالما أعجبت بها وكانت من أهم مصادر إلهامي».

ريزورت 2025

مرت أربع سنوات وأشهر عديدة، وها هو يؤكد أن قوله لم يكن لمجرد التبرير للخروج من ورطة غير محسوبة. هو فعلاً يحب الثقافة المكسيكية، وإلا ما عاد إليها في عرضه الجديد من خط «الريزورت لعام 2025». الاختلاف هذه المرة أنه اتخذ كل التدابير التي تقيه أي جدل أو هجوم. فالعرض كما تشرح الدار «رحلة من الاستكشاف تُعززها العلاقة الممتدة على مدى عقود طويلة بينها وبين المكسيك».

استلهم المصمم ألوانه من غروب الشمس في مكسيكو سيتي والطبيعة المحيطة (كارولينا هيريرا)

عُرضت التشكيلة في منتصف شهر فبراير (شباط) الماضي. اختار لها المصمم غروب الشمس توقيتاً، ومتحف أناهواكالي، مكاناً.

اختيار متحف «اناكاهوالي» مسرحاً للعرض له دلالته. فهو يحتوي على قطع أثرية تعود إلى ما قبل كولومبوس وتحيطه مناظر خلابة تشكلها النباتات المحلية مما جعله مثالياً لعرض يزخر بالتاريخ والفن والجمال. يُعلَق المصمم غوردن «إن مكسيكو سيتي لها مكانة رائدة كمركز عالمي للفنون والإبداعات المعمارية وتجارب الطهو والثقافة، فضلاً عن المهارة العالية التي يتمتع بها الحرفيون المحليون».

اختار المصمم مزيجاً من الألوان التي تتناغم مع بعضها رغم تناقضها (كارولينا هيريرا)

كان واضحاً أنه اتبع هنا مبدأ «ابعد عن الشر وغني له». اكتفى بألوان الطبيعة المستلهمة تحديداً من غروب الشمس والصخور الركانية في مكسيكو سيتي والمناطق المجاورة لها، و تعاون مع أربع فنانات مكسيكيات، ليُرسِخ احتفاءه بالمهارة الفنية والثقافة المكسيكي من دون أن يتعرَض لأي هجوم أو انتقاد.

وهكذا على طول الفناء الأمامي للمتحف الذي تم بناؤه على حجر بركاني منحوت، تهادت العارضات وهن يتألق في تصاميم تراقصت فيها الألوان الزاهية مثل الأزرق والأخضر العشبي، والعنابي، والأصفر الساطع، إلى جانب قطع بالأبيض والأسود. لم يخف المصمم ويس غوردن أنها لوحة رسمها وطرَزها بالتعاون مع فنانات مكسيكيات لهن باع وشغف في مجالات متنوعة، ساهمت كل منهن بضخها بالألوان والديناميكية الجريئة التي تتميز بها الفنون المكسيكية، وهن:

الفنانة ناهنو Nähñu

فنانات برعن في التطريز لهن يد في تشكيل مجموعة من التصاميم (كارولينا هيريرا)

وهي خبيرة تطريز تعود أصولها إلى نانت في تينانجو دي دوريا في ولاية هيدالغو. تفنّنت في ابتكار ثماني قطع قطنية مطرزة مع تدرجات لونية متباينة ظهرت في قمصان وفساتين وسراويل. وتعليقاً على هذا الموضوع، علَقت الفنانة: «تمنحني الأقمشة مساحة للتعبير عن أسلوبي الإبداعي وحالتي المزاجية في مختلف الأوقات. فعندما أشعر بالسعادة أستخدم ألواناً حيوية، بينما أعتمد الألوان الداكنة للتعبير عن شعوري بالحزن». وأضافت ابنتها بيبيانا هيرنانديز، التي ساهمت هي الأخرى في هذه الإبداعات: «نجحنا في هذا المشروع بالتعبير عن أسلوبنا المميز في عالم التطريز. فهو الذي يفسح لنا المجال لإبراز مواهبنا والتعبير عن مشاعرنا المختلفة في الوقت ذاته».

فيرجينيا فيرونيكا آرسي آرسي

من الطبيعة والثقافة المحلية استلهمت الفنانات المتعاونات تطريزاتهن (كارولينا هيريرا)

هي أيضاً فنانة متخصصة في التطريز. أبدعت للدار تطريزات مستوحاة من جمال الطبيعة المحيطة بمدينتها، سان إيسيدرو بوين سوسيسو، بولاية تلاكسالا، التي تشتهر بامتداد منحدرات جبلها البركاني المعروف باسم لا مالينشي.

اكتسبت فيرجينا مهارة التطريز من والدها وهي في سن الـ15، وتعهدت منذ ذلك الحين أن تحافظ على هذه الحرفة وتعمل على تطويرها كلغة فنية لما تُشكله من جزء هام من هوية المجتمع. وتبرز أعمالها في ثلاثة فساتين من الدانتيل المطرز.

جاكلين إسبانا

خزف تالافيرا المُتميز باللونين الأزرق والأبيض كان حاضراً في هذه التشكيلة (كارولينا هيريرا)

مساهمتها تجلّت في تخصصها في خزف تالافيرا المُتميز باللونين الأزرق والأبيض، والذي يشكل جزءاً رئيسياً من النسيج الثقافي في سان بابلو ديل مونتي بولاية تلاكسالا.

عشقت جاكلين هذا النوع من الخزف منذ طفولتها، فعملت على استكشاف مزاياه الإبداعية بعد إنهاء دراستها في مجال الهندسة الكيميائية. وقالت في هذا الصدد أن خزف تالافيرا «يشكل في منطقتنا إرثاً عريقاً نحرص باستمرار على الحفاظ عليه واستخدامه كزينة في المناسبات الخاصة فقط. ولذا، وقع عليه اختياري لاستخدامه في أعمالي الفنية عموماً، وفي هذه التشكيلة خصوصاً».

استلهمت الفنانة من الخزف ألوانه ومن الطبيعة المكسيكية أشكالها (كارولينا هيريرا)

كان دورها أن تبتكر تفاصيل ومجوهرات من الخزف المرسوم يدوياً لتزين بها قطع أزياء وأقراط، كما تشرح: «بصفتي متخصصة بخزف تالافيرا، ألتزم بالحفاظ على إرث هذا الخزف المتوارث عبر الأجيال، والاحتفاء بجوهره والعمل على تطويره من خلال وضعه في أروع الإبداعات».

ورشة «آراشيلي نيبرا ماتاداماس»

تعاونت الدار مع ورشات مكسيكية لإبداع إكسسوارات لافتة بألوانها (كارولينا هيريرا)

تعاونت الدار أيضاً مع ورشة «آراشيلي نيبرا ماتاداماس»، التي تتخذ من أواكساكا دي خواريز بمدينة أواكساكا مقراً لها. وتعتبر مركز الأعمال الحرفية في المكسيك، إذ تتعاون الورشة مع أبرز الفنانين لإعادة ابتكار بعض القطع التقليدية برؤية عصرية. لهذا المشروع عملت الورشة مع حدادين متخصصين في النحاس ومطرزين ورسامين لتزيين الخيكارا، وهي أوعية تقليدية مصممة من قشور القرع المجففة، تُستخدم فيها الألوان وفن التطريز وأنماط المقرمة وغيرها من المواد.

تقول مؤسسة الورشة نيبرا: «أستمد إلهامي من الطبيعة من حولي، بما تحمله من نباتات وأزهار حسب المواسم التي تظهر فيها، إضافة إلى ألوان غروب الشمس». لهذه التشكيلة، نجحت نيبرا وفريقها في ابتكار مجموعة من المجوهرات الملونة يدوياً تشبه أعمالها فن الخيكارا.

لمسات كارولينا هيريرا

حافظت التشكيلة على أسلوبها الراقص على نغمات من الفلامينكو (كارولينا هيريرا)

لم تكتف «كارولينا هيريرا» بهذه التعاونات. عرضت أيضاً مجموعة مصغرة من ألبسة الجينز بالتعاون مع شركة «فرايم دينم»، إلا أن مصممها وبالرغم من شغفه بالثقافة المكسيكية، لم يتجاهل جينات الدار الأساسية، التي ظهرت في أزياء المساء والسهرة. فهذه حافظت على أسلوبها المعروف بأناقتها الكلاسيكية الراقصة على نغمات من الفلامنكو، إضافة إلى تلك الفخامة التي تعتمد فيها دائماً على الأقمشة المترفة والأحجام السخية، والورود المتفتحة.