موسكو تُطْلع دمشق على نتائج قمة إسطنبول... وتوقعات بتصعيد في إدلب

TT

موسكو تُطْلع دمشق على نتائج قمة إسطنبول... وتوقعات بتصعيد في إدلب

أعلنت موسكو أنها ستبحث مع دمشق نتائج القمة الرباعية التي جمعت زعماء روسيا وتركيا وألمانيا وفرنسا في إسطنبول، السبت، وبرز ارتياح روسي لفتح قناة اتصال مباشرة مع باريس وبرلين حول الملف السوري، رغم الإقرار بأن القمة فشلت في تحقيق تقارب في وجهات النظر بين الأطراف.
تزامن ذلك مع ترجيح خبراء روس أن تشهد إدلب تصعيداً عسكرياً خلال أسابيع في حال أخفقت جهود تركيا بشأن تنفيذ بنود اتفاق إنشاء المنطقة منزوعة السلاح.
وأكد الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أن موسكو ستبحث تفاصيل ما دار في قمة إسطنبول مع القيادة السورية. وزاد أنه «لا شك في أننا سنطْلع الجانب السوري على نتائج القمة». وذكر المتحدث الرئاسي أن القمة فتحت آفاقاً لتوسيع مناقشة الملف السوري مع البلدان الأوروبية، من دون أن يعلق على أسئلة الصحافيين حول إخفاق القمة في تقريب وجهات النظر بين الأطراف المجتمعة. وكان قادة البلدان الأربعة قد بحثوا الوضع في محافظة إدلب، وسبل التسوية في سوريا. وأكد بيان ختامي ضرورة الحفاظ على الهدنة في محافظة إدلب، ومكافحة الإرهاب، وتشكيل لجنة صياغة الدستور السورية قبل نهاية العام الحالي. كما شدد القادة الأربعة على تمسك بلدانهم بوحدة وسيادة سوريا واستقلال أراضيها.
في غضون ذلك، نقلت وسائل إعلام روسية عن مصادر دبلوماسية ارتياحاً لنتائج القمة رغم الإقرار بأنها لم تحقق تقارباً في وجهات النظر. وأبلغ دبلوماسي روسي صحيفة «إزفيستيا» أن القمة شكّلت خطوة اختبارية مهمة نحو تحقيق فكرة دعا إليها الغرب منذ عدة شهور، وتمت مناقشتها بنشاط خلال وبعد القمة في إطار مساعي إيجاد آليات مشتركة بين منصة أستانة (روسيا وتركيا وإيران) وما تسمى المجموعة المصغرة (الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والمملكة العربية السعودية ومصر والأردن والعراق والإمارات العربية المتحدة وقطر وعدد من الدول الأخرى)، مذكّراً بأن الرئيس فلاديمير بوتين أكد أن هذا من شأنه أن يسهم في «بداية عملية سياسية حقيقية في سوريا تضم عدداً متزايداً من ممثلي المجتمع السوري المهتمين بتسوية سريعة».
ولفت المصدر إلى أن الدعوة إلى إنجاز تشكيل اللجنة الدستورية قبل نهاية العام تعد «تطوراً مهماً تم تضمينه في البيان الختامي». لكن الصحيفة لفتت في الوقت ذاته إلى أن القمة «أظهرت بوضوح اختلاف روسيا والدول الغربية على ملفي عودة اللاجئين وإعادة الإعمار بعد الحرب في سوريا. ولم تلقَ مبادرات موسكو حتى الآن بشأن هذه المسألة ولا اقتراحها دعم عقد مؤتمر دولي بشأن اللاجئين السوريين رداً في برلين وباريس، في حين تواصل فرنسا وألمانيا التمسك بفكرة التسوية السياسية التي تعني رحيل الرئيس بشار الأسد قبل مناقشة أي قضايا إنسانية، كما أن ثمة تصعيداً في اللهجة حيال ضرورة انسحاب القوات الإيرانية من الأراضي السورية قبل البدء بأي نقاشات حول ملفات أخرى».
في سياق آخر، لفتت «نيزافيسيمايا غازيتا» إلى أن «الواضح بعد القمة أن روسيا ونظام بشار الأسد يتجهان إلى استخدام القوة ضد المتشددين في منطقة إدلب». وزادت أن العبارات التي أطلقها الرئيس الروسي حول هذا الموضوع خلال وجوده في إسطنبول لفتت أنظار المتابعين والخبراء العسكريين الروس، إذ قال إنه «إذا لم تتمكن أنقرة من سحب كل الجماعات المسلحة من إدلب، وإذا تواصلت هجماتها فإن روسيا مستعدة لتقديم دعم فعال للجيش السوري للقضاء على المسلحين».
وأعرب الخبير العسكري شامل غارييف، في حديث للصحيفة، عن قناعة بأن لدى موسكو ودمشق «خطة باء» للتعامل مع الموقف في إدلب لاحقاً، فور بروز فشل أنقرة. وزاد أنه «من غير المحتمل أن تتسامح موسكو مع الاستفزازات المسلحة لفترة طويلة بما في ذلك هجمات الطائرات من دون طيار على منشآتها في سوريا (...) لدى موسكو ودمشق خطة للتعامل مع المقاتلين. وقد تم إعداد هذه الخطة كما نعلم سابقاً، لكن تركيا والمجتمع الدولي عارضا أي تصعيد عسكري، ويتضح الآن أن نزع سلاح الجماعات المسلحة أمر مستحيل، يمكن تدميرها فقط. وهذا يعني القتال النشط. وأنا متأكد من أن موسكو ودمشق ستعودان عاجلاً أم آجلاً إلى العملية العسكرية».
إلى ذلك، أعلن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، أن الجولة المقبلة من مفاوضات التسوية السورية في أستانة، قد تنعقد أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وقال بوغدانوف: «على الأرجح ستُعقد المفاوضات نهاية نوفمبر مطلع ديسمبر (كانون الأول). لم يتم الإعلان عنها بشكل نهائي، ولكن لا يمكن استبعاد انعقادها في هذا التوقيت».
وكان وزير خارجية كازاخستان خيرت عبد الرحمنوف، قد قال إن المعطيات التي قدمتها البلدان الضامنة تشير إلى ترتيبات لعقد جولة جديدة من المفاوضات في تلك الفترة.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.