الرسم والأغاني الوطنية وسيلة أطفال اللاجئين في مصر لتذكّر أوطانهم

مؤسسات أهلية تقوم بمساعدتهم على عدم نسيان بلادهم

الرسم والأغاني الوطنية وسيلة أطفال اللاجئين في مصر لتذكّر أوطانهم
TT

الرسم والأغاني الوطنية وسيلة أطفال اللاجئين في مصر لتذكّر أوطانهم

الرسم والأغاني الوطنية وسيلة أطفال اللاجئين في مصر لتذكّر أوطانهم

يعد الرسم والاستماع للأغاني التراثية والوطنية من أهم الوسائل التي يفضلها أطفال اللاجئين في مصر، للاحتفاظ بملامح الوطن ومعالمه في ذاكرتهم، وتلجأ العائلات إلى وسائل الترابط والتواصل الاجتماعي مع العائلات الأخرى، والحفاظ على أجواء وطقوس تبقي عبق الوطن حاضراً في المنزل من خلال تبادل الزيارات ودعوات العشاء التي تكون فرصة لتبادل القصص والذكريات.
«مياس» طفلة سورية عمرها 12 عاماً، جاءت إلى مصر مع عائلتها قبل نحو 6 سنوات، ورغم أن مشاهد الحرب ما زالت عالقة في ذاكرتها، فإن أكبر مخاوفها أن تنسى ملامح وطنها ومعالمه، تقوم برسم علم بلدها مراراً، والتدرب على رقصة «الدبكا» الفولكلورية السورية الشهيرة للتغلب على خوفها من النسيان، وهو هاجس يتشاركه أطفال اللاجئين في مصر الذين وجدوا وسائلهم الخاصة كي تظل معالم الوطن حيّة في ذاكرتهم ووجدانهم.
وقالت الطفلة لـ«الشرق الأوسط» في حضور شقيقتها الكبرى منى: «أرسم علم سوريا كثيراً لأن مشاهدته تعطيني الأمل في تغير الأوضاع والعودة إلى بيتنا في دمشق، وأشعر بسعادة كبيرة عندما أتدرب على رقصة (الدبكا) مع شقيقتي والاستماع للأغاني التراثية ومشاهدة الصور العائلية».
وتضيف مياس: «أذكر منزلنا في دمشق وملامح بعض المعالم الرئيسية، لكن الحرب تغير هذه المعالم، لذلك أطلب من أقاربنا الذين ما زالوا يعيشون في سوريا تصوير بعض المعالم وإرسالها إليّ، لأني أريد أن أرى كيف تغيرت حتى أتعرف عليها عندما أعود إلى الوطن».
يقوم الأشقاء الأكبر سناً بدور مهم في مساعدة أشقائهم الصغار على الاحتفاظ بملامح الوطن وذكرياته من خلال الأنشطة المشتركة وجلسات السمر التي تتضمن أحاديث مطولة عن الذكريات ومعالم بيت العائلة، والاستماع للأغاني الفولكلورية.
من جانبها قالت منى محمد، الشقيقة الكبرى للطفلة مياس، التي تخرجت العام الجاري في كلية الآداب جامعة عين شمس: «أتحدث مع شقيقتي طوال الوقت عن الوطن، ونجلس ليلاً نسترجع الذكريات ونشاهد صور العائلة في منزلنا بدمشق، وأعلّمها رقصة (الدبكا)».
وتضيف منى لـ«الشرق الأوسط»: «نرقص معاً، ونحافظ كعائلة على الجو السوري بالمنزل كي لا ننسى هويتنا، ونقوم بطهي الأكلات السورية، وأحياناً نحضر بعض المواد والمكونات من سوريا مع بعض الأقارب لإعداد أطباق شعبية فيها عبق الوطن، ونحافظ جميعاً على الأجواء السورية بالمنزل، حيث نتحدث في الشارع باللهجة المصرية، لكن في المنزل نستخدم دائماً لكنتنا السورية، كما نحرص على الذهاب إلى المطاعم السورية».
في السياق نفسه، يقول زيد سميع، أب يمني لديه ثلاثة أطفال، لـ«الشرق الأوسط»: «في منزلنا بمصر تجد دائماً إحدى قنوات الأغاني اليمنية تعمل بشكل مستمر، حيث نستمع إلى الأغاني التراثية، ونشاهد الصور العائلية، كما نحرص على التواصل مع العائلات اليمنية الأخرى كي يظل الأطفال محتفظين بصورة الوطن في ذاكرتهم، وعندما تأتي أي أسرة من بلدنا إلى مصر نحرص على زيارتها وتبادل القصص والأخبار».
في السياق ذاته، تقول تريزا جينس، من جنوب السودان: «لديّ طفلان، الأكبر فتاة عمرها 8 سنوات، وطفل عمره 3 سنوات وُلد في مصر»، متابعة: «كثيراً ما تسألني ابنتي عن منزلنا في الوطن، فنجلس لاستعادة الذكريات من خلال مشاهدة ألبومات الصور العائلية».
وتضيف: «ويمكن القول إن منزلنا في مصر هو مصري من الخارج سوداني من الداخل، حيث نعيش حياة سودانية كاملة، سواء بالنسبة إلى الطعام أو الاستماع للأغاني التراثية، كما تذهب ابنتي لتعلم الرقص السوداني في أحد المراكز الفنية»، وزادت: «نحن كسودانيين نحب التواصل دائماً بعضنا مع بعض وتكون العائلات مترابطة، وهو ما يساعد الأطفال في الحفاظ على هويتهم وذكريات الوطن».
وتقوم المنظمات والمؤسسات التي تعمل مع اللاجئين بدور مهم لمساعدة الأطفال في الحفاظ على هويتهم والتعبير عن مشاعرهم تجاه بلدهم بشكل صحي من خلال الأنشطة الفنية والرحلات الترفيهية وورش الرسم.
من جانبها تقول رشا أبو المعاطي، مدير مؤسسة «فرد»، إحدى الجمعيات التي تعمل مع اللاجئين، لـ«الشرق الأوسط»: «ننظم الكثير من البرامج الخاصة بالأطفال، منها ورش الرسم والفنون والرحلات الترفيهية، وأذكر أن الأطفال عندما حضروا إلى مصر كانوا يرسمون دبابات وطائرات تأثراً بمشاهد الحرب، لكن مع مرور الوقت اتجهت رسوماتهم إلى صور لمعالم بلدهم ومنازلهم في الوطن».
وتضيف أبو المعاطي: «لدينا في المؤسسة مركز تعليمي للأطفال السوريين (مدرسة سورية) وقمنا من خلاله بتأسيس فرقة فنية من الأطفال سميناها (العراضة) وهو فن فولكلوري سوري معروف يعتمد جزء كبير منه على الارتجال في الكلمات، ويقوم الأطفال بكتابة كلمات الأغاني أو الارتجال، وشاركت الفرقة في العديد من الحفلات العامة في مصر منها الاحتفال بيوم اللاجئ العالمي».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».