لماذا قررت كندا السماح ببيع الـ«ماريغوانا» رغم خطورتها؟

تتواصل طوابير الزبائن أمام متاجر بيع الــ "ماريغوانا" في كندا بعد أن أصبحت ثاني دولة بعد أوروغواي تقنن بيع واستخدام "الماريغوانا" لأغراض ترفيهية.
وشهدت الأيام الأولى بعد بدء سريان القانون الكندي الجديد افتتاح 100 متجر لبيع "الماريغوانا" بشكل شرعي، ومن المتوقع أن تشهد السنوات القليلة المقبلة افتتاح مئات المتاجر الإضافية.
ويبيح القانون الفيدرالي في كندا حيازة وبيع وزراعة الـ"ماريغوانا" بالنسبة للبالغين، وإن أبقى على حظر تداوله بالنسبة للقصر، مع ترك تحديد باقي تفاصيل تطبيق القانون لسلطات كل مقاطعة.
ففي مقاطعة "أونتاريو"، أكبر مقاطعات كندا من حيث الكثافة السكانية، لن يبدأ تطبيق القانون الجديد إلا في أبريل 2019، وذلك بعد أن قررت الحكومة المحافظة والمنتخبة حديثا استبدال خطة الاستعانة بمتاجر تابعة لها، بأخرى تتبع القطاع الخاص. وإن كان مواطنو أوناتريو سيحق لهم شراء "الماريغوانا" عبر المواقع الإلكترونية وعبر البريد التقليدي، فضلا عن إمكانية استزراع ما يصل إلى أربع نبتات "ماريغوانا" منزليا.
وبخلاف كندا و أوروغواي ، سبقت تسع ولايات أمريكية إلى قرار تقنين استهخدام الـ "ماريغوانا" لأغراض ترفيهية، فيما أقرت استخدامها 30 ولاية أخرى لأغراض طبية. ولكن ما يميز قرار كندا، أنه قرار على المستوى الفيدرالي للدولة، ما يجعل كندا بذلك تعتبر مخالفة للقانون الدولي، فكندا والولايات المتحدة وقعتا على اتفاقيات المخدرات الدولية، والتي تحظر وبشكل واضح تقنين استخدام الـ "ماريغوانا".
وفي حين أن كندا تقر بشكل فيدرالي تداول وزراعة الـ "ماريغوانا"، تجادل الولايات المتحدة بأنها مازالت على التزامها بالاتفاقات الدولية، لكون قوانينها الفيدرالية ومن الناحية النظرية، مازالت تحظر تداول الـ "ماريغوانا"، حتى لو أباحت بعض الولايات استخدامها.
أسر ممزقة
ونشر موقع (Vox) الأميركي شرحا للخطوة التي اتخذتها كندا وبعض الولايات الأميركية وأوضح أن هناك عدد من العوامل التي تشكل فوائد وفي ذات الوقت مصدر للمخاطرة بالنسبة لقانون تقنين تداول الـ"ماريغوانا" الكندي، فمن جانب تسبب الحظر المفروض على استخدام الـ ماريغوانا" طوال سنوات الماضية في عشرات الآلاف من الاعتقالات المتعلقة باستهلاك النبات المخدر والإتجار به سنويا، ما أدى إلى تمزق مجتمعات وعائلات باكملها ووصم كثيرين بسجل إجرامي.
ويستهدف القانون الجديد في كندا تخفيف التكلفة المستنزفة في عمليات تطبيق القانون المتعلقة بالـ "ماريغوانا"، فيما سيساهم في زيادة العائدات المترتبة على تقنين تداول الـ "ماريغوانا" وفرض الضرائب على استهلاكها.
وإن كانت تجربة ولاية كولورادو الأمريكية لا تعكس نجاحا كبيرا بهذا الشأن، إذا تسهم الضرائب المفروضة على تداول الــ "ماريغوانا" بأقل من 1% من إجمالي الميزانية العامة للولاية.
ومن ضمن إيجابيات القانون الكندي التغلب على السوق السوداء للإتجار في الـ "ماريغوانا" والذي يشكل مصدرا لأعمال عنف ومشاحنات متعددة داخل كندا، كما أن عائدات الإتجار عبر هذا السوق يتم استخدامها لاحقا من قبل أباطرة تجارة المخدرات في تمويل المزيد من أعمال العنف والجريمة.
أما خطوة التقنين فتنقل الـ"ماريغوانا" من الحيز غير القانوني إلى نظيره القانوني والذي قد يتيح العديد من فرص التوظيف بشكل شرعي وعلني.
مخاطر التقنين
أما عن المخاطر المرتبطة بخطوة التقنين، فيتقدمها زيادة أو سوء الاستهلاك للـ "ماريغوانا" والذي قد يترتب على إباحة التداول وجعله أرخص سعرا.
ويتوقع مارك كليمان، خبير شئون المخدرات لدى معهد مارون التابع لجامعة نيويورك، على المدى البعيد أن سيجارة الـ"ماريغوانا" لن يزيد ثمنها عن أكياس الشاي، بما أن كلاهما منتجات قائمة على نباتات يسهل زراعتها. كما أن توفرها لأي شخص، في السن القانوني، وعبر منافذ بيع بالتجزئة، يعني عدم الحاجة للتخفي ومواجهة الصعوبات من أجل لقاء تاجر المخدرات، ويشكل كل ما سبق ايجابيات بالنسبة لمستخدمي الـ"ماريغوانا" بشكل طبيعي، لكنها في الوقت ذاته تعتبر مخاطر بالنسبة للمستخدمين بمعدلات تتجاوز حدود السيطرة.
فرغم أن الـ "ماريغوانا" لا تشكل خطرا بالمقارنة مع باقي صنوف المخدرات، إلا أنها مازالت تتضمن مخاطرة فيما يخص إمكانية الإدمان والإفراط في الاستخدام الذي قد يؤدي إلى حالات من القلق والاكتئاب المرضي، فضلا عن الإصابة في بعض الأحيان بنوبات من الفصام، كما أنها وفي حالات محدودة لا تتجاوز واحد من عشرة، قد تتسبب في وقوع حوادث طرق مميتة، وذلك بالطبع لا يقارن مع إرتفاع معدلات حوادث الطرق نتيجة لاستهلاك الكحوليات والتي تعتبر مجازة قانونيا في العديد من البلدان.
نموذج الكحوليات
وأوضح موقع (Vox)، أن اتباع النموذج الذي أسسته صناعة الكحوليات يعد من المخاطر التي تتضمنها تجربة تقنين استهلاك الـ "ماريغوانا"، فالولايات الأميركية الثماني التي قننت تداول الـ "ماريغوانا" التزمت بنظام يشابه النموذج الذي قامت عليها صناعة الكحوليات ويستهدف تحقيق أرباحا مماثلة.
لكن الخبراء في شئون المخدرات عادة ما يضربوا بصناعة الكحوليات نفسها مثلا على ضرورة توخي الحذر، فلعقود طويلة نجحت جماعات الضغط التي تمثل صناع الكحوليات في توجيه المشرعين بعيدا عن زيادة الضرائب والإجراءات المنظمة لهذا القطاع، فيما يتم التسويق لمنتجاتهم على أنها ممتعة وجذابة أمام الملايين من الأميركيين من البالغين والأطفال، وفي واقع الأمر، فأن تناول الكحوليات مسئول عن 88 ألف حالة وفاة سنويا في الولايات المتحدة الأميركية.
وفي حال نجاح شركات الـ "ماريغوانا" مستقبلا في ممارسة الضغوط على غرار ما فعلت صناعتا الكحوليات والتبغ في الماضي، فهناك فرصة كبيرة أن تقنع هذه الشركات المزيد من الأميركيين بتجربة أو حتى استخدام الـ "ماريغوانا" بانتظام، حتى أن بعض مستخدميه بكثرة قد يبلغون مرحلة الإفراط، ومع زيادة أرباح الشركات، فسيكون لها قدرة أكبر في التأثير على المشرعين من أجل كبت الإجراءات المنظمة والسياسات التي من شأنها الحد من إساءة استخدام الـ "ماريغوانا".
وبالفعل التزمت كندا بوضع سياسات من شأنها تحقيق هذا التحجيم، فعلى خلاف أميركا التي يحمي فيها التعديل الدستوري الأول حرية التعبير بالنسبة لقطاع الدعاية والتسويق، فأن كندا تضع محددات فيما يخص أنشطة الدعاية لمنتجات الـ "ماريغوانا"، بحيث لا يتم استهداف، على سبيل المثال، الأطفال أو المستهلكين للنبات المخدر بإفراط.
كما أن تقنين كندا تدوال الـ" ماريغوانا" على المستوى الفيدرالي، وسماحها لكل مقاطعة بتولي مسئولية تنظيم عمليات توزيع وبيع الـ"ماريغوانا"، يجعل المتاجر التي ستعمل وفقا لتوجيهات السلطات المحلية أكثر مراعاة لاعتبارات الصحة والسلامة العامة، وذلك في مقابل أن المتاجر التي تتبع القطاع الخاص ستركز في الأساس على زيادة المبيعات، حتى وأن كان ذلك يعني تخفيضا مبالغ فيه للأسعار أو البيع لمن هم دون السن القانوني أو من يعانون من الاضطراب في استهلاك المخدرات، فقد أكدت الدراسات أن الولايات الأميركية التي سيطرت على تجارة المخدرات نجحت في الاحتفاط بأسعار "الماريغوانا" مرتفعة وقيدت فرص حصول صغار السن على المنتج، ونجحت إجمالا في تخفيض معدلات الاستهلاك.
أما فيما يخص انتهاك القوانين الدولية بعد القرار الجديد لكندا، فأن مختلف الاتفاقات والمواثيق الدولية مثل الميثاق الموحد للعقاقير المخدرة والصادر عام 1961، وميثاق العقاقير العقلية والصادر عام 1971 وميثاق الأمم المتحدة لمكافحة التهريب غير الشرعي للعقاقير المخدرة والمواد الطبية العقلية والصادر عام 1988، تحظر استخدام المخدرات لأغراض ترفيهية، وهو ما يتعارض مع الخطوة التي اتخذها البلد الشمال أميركي.
ونظريا، فيمكن أن تواجه كندا رد فعل سلبي، وإن كان من غير الواضح ما هي الجهة التي ستقود هذا التوجه، بما أن أميركا والتي تعتبر العنصر الأساسي في تطبيق مختلف المعاهدقات والمواثيق على مدار العقود القليلة الأخيرة، تسمح لبعض ولاياتها بتقنين تداول الـ"ماريغوانا" بدون تدخل من جانب الحكومة الفيدرالية. كما أن هناك سبيل، بحيث تلتف كندا حول مسألة خرق المعاهدات الدولية.
ففي مطلع الألفية الجديدة، بدأت بوليفيا في السماح بممارسة مضغ أوراق الكوكا والتي تعتبر محظورة وفقا للمعاهدات الدولية. وللإلتفاف حول ذلك وتجنب التبعات، فقد انسحبت بوليفيا من المعاهدة الموحدة للعقاقير المخدرة، ثم عادت للإنضمام لها مع بيان تحفظها الرسمي بشأن السماح باستخدام أوراق الكوكا داخل حدودها. وكان يمكن منع مشاركة بوليفيا المشروطة في المعاهدة بمعارضة ثلث الدول المشاركة في المعاهدة، ما يعادل 60 دولة، إلا أن 15 دولة فقط أبدت معارضتها، ما ساهم في نجاح استراتيجية بوليفيا، ويمكن لكندا السير على خطوات بوليفيا بهذا الشأن.
كما يمكنا أيضا التزام نموذج أوروغواي التي رفضت في البداية الاعتراف بأن تقنين تداول الـ"ماريغوانا" يشكل انتهاكا للمعاهدات، ورغم التحذيرات التي صدرت عن مكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة، فإنه لم يتم إتخاذ أي إجراء ضد أوروغواي حتى الآن.