«حماس» تخفض مستوى «المواجهة» على الحدود تجاوباً مع جهود مصرية

خفضت حركة حماس من زخم المواجهات على حدود قطاع غزة مع إسرائيل في الجمعة الثلاثين من «مسيرات العودة وكسر الحصار» التي أطلق عليها مسيرات «معاً... غزة تنتفض والضفة تلتحم»، استجابة كما يبدو مع جهود مصرية وأممية لوضع اتفاق تهدئة جديد في القطاع.
وشاركت أعداد أقل في مواجهات هذه الجمعة، وكانت أقل عنفاً، في مؤشر على نجاح المصريين في خفض مستوى النار في القطاع تمهيداً كما يبدو لاتفاق تهدئة قريب.
وقالت وزارة الصحة إن 152 مواطناً أصيبوا برصاص الاحتلال على طول الحدود الشرقية لقطاع غزة.
ونجحت الفصائل الفلسطينية في إبقاء أغلبية المتظاهرين على بعد مسافات من الحدود، ضمن خطة لتقليل أعداد القتلى والمصابين، لكن بعضاً منهم نجح في الاقتراب من السياج الحدودي وقطعوه، في محاولة لاختراق الحدود، قبل أن ترد الطائرات والدبابات الإسرائيلية بقصف هذه المجموعات. وكان مسؤولو المظاهرات دعوا بشكل مركز المتظاهرين إلى الالتزام بسلمية المظاهرات، في أعقاب التصعيد الكبير الأخير بين إسرائيل وحركة حماس، الذي كان سيجر القطاع إلى حرب جديدة.
وقال خالد البطش، القيادي في حركة «الجهاد الإسلامي» وأحد منظمي المظاهرات، في بيان، «الرسالة الأهم هي احتشاد الجماهير ورابطها السلمي والشعبي».
وأضاف: «مسيرات العودة وكسر الحصار مستمرة حتى تحقق أهدافها التي انطلقت من أجلها».
ونادى البطش أيضاً المشاركين إلى عدم إعطاء القناصة الإسرائيليين أي سبب لإطلاق النار عليهم.
جاء ذلك فيما قال داود شهاب، عضو اللجنة المنظمة للمسيرات، إن المسؤولين يشجعون المتظاهرين على الابتعاد عن السياج الحدودي، مضيفاً: «ستكون هناك محاولات لمنعهم من الاقتراب من السياج. قد يكون هناك انخفاض في عدد البالونات، ونأمل ألا تكون هناك خسائر بشرية. نحن نمنح فرصة للجهود المصرية».
وأكد الجيش الإسرائيلي أن نصف متظاهري الجمعة الماضية شاركوا هذه المرة، وأن «حماس» عملت على إبعاد المتظاهرين عن الحدود في مناطق محددة.
وقال ناطقون بلسان الجيش والحكومة، إن الأحداث أمس الجمعة دلت على أن «حماس» تسعى لتخفيض اللهب «حتى الآن»، وأبرزوا أن الجيش رد على بعض المظاهر القليلة لإطلاق بالونات حارقة وإحداث اختراقات في الجدار الحدودي، بقصف شديد لمواقع في قطاع غزة، مؤكدين أن إسرائيل تنوي إعطاء مهلة للجهود المصرية لوقف النار والتوصل إلى تهدئة من جديد.
ونشرت القناة الرسمية للتلفزيون الإسرائيلي تقريراً قالت فيه إن مصادر فلسطينية أبلغتها بأن «حماس» أوعزت إلى عناصرها بالعمل على لجم أعمال العنف قرب السياج، وأن الحركة قررت عدم جر القطاع إلى حرب جديدة، بل قررت إتاحة الفرصة للجهود المصرية الهادفة إلى احتواء التوتر.
والتوجه الجديد لدى «حماس» جاء في ظل جهود مصرية مكثفة لتحقيق اتفاق تهدئة جديد.
وترعى مصر بالتعاون مع مبعوث الأمم المتحدة إلى المنطقة نيكولاي ملادنوف، مباحثات مع كل من «حماس» وإسرائيل بهدف التوصل إلى تهدئة، والتخفيف من الحصار الذي تفرضه إسرائيل على القطاع منذ عقد.
وكان وفد مصري زار قطاع غزة والتقى مسؤولين من الفصائل على أن يعود مجدداً الأسبوع المقبل.
والتقى نائب رئيس المخابرات المصرية أيمن بديع، رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، ثم طار إلى إسرائيل للقاء مستشار الأمن القومي مئير بن شبات ومسؤولين كبار في جهاز الأمن العام (الشاباك)، في إطار الاتصالات الهادفة إلى التوصل إلى التهدئة في غزة.
ويتحرك بديع بناءً على تعليمات له بإدارة دفة الاتصالات مع «حماس» وإسرائيل.
وذكرت إذاعة كان أن الرسالة التي نقلها بديع في محادثاته مع الطرفين هي وقف إطلاق النار والحفاظ على الهدوء.
وأوضح الوفد الأمني المصري لقادة «حماس»، أنه لن يكون بمقدور القاهرة منع إسرائيل من شن هجمات على القطاع إذا ما اتخذت المظاهرات طابع العنف، وردت الحركة بأنها على استعداد لتقليص حجم المظاهرات تدريجياً إذا ما طرأ تقدم في تخفيف الحصار على غزة.
وعادت مصر بقوة لإدارة ملف التهدئة، بعدما جمدته سابقاً بسبب اعتراضات الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
ورفض عباس قبول أي اتفاق تهدئة في غزة، باعتباره يساهم في تقوية حكم «حماس» وفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية.
وأصر عباس على توقيع اتفاق مصالحة، على أن تتولى بعده السلطة إدارة مفاوضات التهدئة. وينوي عباس الرد على كل هذه التحركات بوقف أي تمويل للقطاع.
وتدفع السلطة ما مقداره 96 مليون دولار لغزة شهرياً.
ونجحت «حماس» في فرض مباحثات تهدئة جديدة، بعد أن فعَّلت بشكل قوي «مسيرات العودة» على الحدود.
والأسبوع الماضي تجمع 14 ألف فلسطيني على الحدود، وقتلت إسرائيل 7 في مواجهات عنيفة للغاية شهدت محاولات تسلل وتنفيذ عمليات، لكن هذه المرة نجحت «حماس» في كبح حدة التوتر، على الرغم من الاستعدادات الإسرائيلية الكبيرة.
وكان الجيش الإسرائيلي أعلن أمس حالة تأهب عالية بعد يومين من انفجار صاروخ يحمل رأساً حربية وزنه 20 كغم أمام منزل في مدينة بئر السبع، وهو ما ردت إسرائيل عليه بتنفيذ سلسة غارات جوية ضد نحو 20 هدفاً في قطاع غزة، تشمل نفقاً عابراً للحدود دخل الأراضي الإسرائيلية من مدينة خان يونس الفلسطينية.
وأمر المجلس السياسي والأمني الإسرائيلي المصغر (الكابنيت)، الجيش، بالانتظار من أجل تمكين نجاح مبادرات الوساطة، لكنه أعطاه الضوء الأخضر لتصعيد ردوده في حال اندلاع العنف عند الحدود.
وقال وزراء في «الكابنيت» إن على الجيش تبني سياسة عدم تسامح أبداً مع إطلاق الصواريخ والبالونات الحارقة والمظاهرات عند الحدود الإسرائيلية.
وطالبت إسرائيل بوضع حد للمواجهات الأسبوعية، وكذلك إطلاق البالونات الحارقة.
ويخطط الجيش الإسرائيلي لإعادة فرض «منطقة عازلة» يُمنع الدخول إليها، لمسافة 500 متر من على طول الحدود داخل أراضي القطاع. ولكن لم يتضح بعد، موعد تطبيق هذه القاعدة.
وفي مؤشر على احتمال العودة إلى فترة هدوء سابقة، أعلن وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان أنه ينوي السماح بإعادة تزويد القطاع بالوقود يوم الأحد المقبل إذا ما ساد الهدوء اليوم المناطق المحاذية للسياج الأمني.
ويشترط ليبرمان على «حماس» السيطرة على المظاهرات على امتداد الحدود، ووقف المسيرات البحرية والمظاهرات قرب معبر إيرز.
لكن أي اتفاق مبدئي لن يعني بأي حال اتفاق تهدئة طويل الأمد.وقالت مصادر مطلعة على المباحثات لـ«الشرق الأوسط»، إن إسرائيل تصر على هدوء يقابله هدوء وتسهيلات في عمل المعابر، لكن اتفاقاً طويلاً يحتاج أولاً إلى إعادة الجنود والمواطنين الإسرائيليين المحتجزين لدى «حماس». وحتى يتحقق ذلك، تنوي «حماس» الاستمرار في مظاهراتها كنوع من الضغط على الأطراف.
وقال فوزي برهوم، الناطق باسم حركة حماس، إن «إصرار أهلنا في غزة على التحدي والمشاركة الحاشدة في الجمعة الثلاثين لـ(مسيرات العودة وكسر الحصار) أكبر رد على تهديدات العدو الإسرائيلي، إذ شكلت حافزاً كبيراً لجماهير شعبنا للتحدي والمشاركة القوية والفاعلة».
وشدد برهوم على أن هذه الجماهير هي تأكيد على أن الفلسطينيين لن تخيفهم التهديدات، ولن تكسر إرادتهم، وأنهم بوحدتهم وصمودهم وثباتهم قادرون على كسر العنجهية الإسرائيلية وإحباط سياسة الاحتلال العدوانية ضد غزة وأهلها.
جاء ذلك في وقت دعت فيه «الهيئة الوطنية لمسيرة العودة وكسر الحصار»، الجماهير الفلسطينية، للمشاركة الفاعلة في الجمعة المقبلة تحت عنوان «غزة صامدة ما بتركعش».
وقال البطش في مؤتمر صحافي عقد أمس شرق غزة: «إن مشاركة عشرات الآلاف عكست إصرار الشعب وروح التحدي».
وشدد البطش على أن «مسيرات العودة» مستمرة ومتواصلة، وأن «الشعب الفلسطيني متمسك بمبادئها وأهدافها»، مؤكداً أن الجماهير أفشلت مخططات الاحتلال في إجهاض «مسيرات العودة».