مساعٍ روسية ـ يابانية لتوقيع اتفاق سلام... وسوريا ساحة لـ«تعاون إنساني»

طوكيو تسعى لإزالة آثار «الحرب الباردة» في البيئة الآسيوية

صورة أرشيفية لجنود روس شرق دمشق (رويترز)
صورة أرشيفية لجنود روس شرق دمشق (رويترز)
TT

مساعٍ روسية ـ يابانية لتوقيع اتفاق سلام... وسوريا ساحة لـ«تعاون إنساني»

صورة أرشيفية لجنود روس شرق دمشق (رويترز)
صورة أرشيفية لجنود روس شرق دمشق (رويترز)

رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي يريد خلال سنواته الثلاث في الحكم أن ينفض آثار «الحرب الباردة». الإبقاء على العلاقة الاستراتيجية مع أميركا. حل مشكلة العالقين مع كوريا الشمالية. «تطبيع» العلاقة مع الصين.
لكن الأهم، بالنسبة إلى آبي، هي التركيز على حل «النزاع التاريخي»، أي تطوير العلاقة مع روسيا للوصول إلى «بيئة آمنة ومستقرة» بين طوكيو وموسكو، قوامها الاقتصاد والاستثمار.
في سبتمبر (أيلول)، بادر آبي خلال مشاركته في منتدى روسي إلى دعوته الرئيس فلاديمير بوتين لـ«حل القضايا العالقة». بوتين، كتب بخط يده على ورقه جانبية، ثم قال أمام الحاضرين بأنه مستعد لتوقيع اتفاق سلام قبل نهاية العام لحل مشكلة الجزر الأربع المتنازع عليها منذ سبعين سنة.
منذ ذاك، عكف مسؤولون في البلدين للوصول إلى صيغة لاتفاق السلام، في وقت تجري خطوات بناء ثقة بين البلدين. يسعى دبلوماسيون روس ويابانيون للوصول إلى اتفاق. لن يكون قبل نهاية العام. توقعات طوكيو أن يكون منتصف العام المقبل «لكن النيات الطيبة لا تكفي. لا بد من حل مشكلة الأراضي وقبول السيادة اليابانية ثم توقيع اتفاق سلام».
سوريا، إحدى الساحات: كيف يمكن لطوكيو أن ترضي موسكو في سوريا من دون إغضاب واشنطن؟
وكان وزيرا الخارجية والدفاع في روسيا ونظيراهما اليابانيان عقدوا اجتماعات في موسكو في يوليو (تموز) الماضي، وجرى الاتفاق على مواصلة حوار الجانبين حول مختلف المواضيع ومنها ملف المساعدات الإنسانية الموجهة إلى سوريا في إطار التعاون الروسي - الياباني في المجتمع الدولي.
زائر اليابان يشعر أنها في محيط متغير في الكثير من التحديات في الجوار: روسيا والصين وكوريا الشمالية وأميركا. الرئيس الأميركي دونالد ترمب وجد مع رئيس الوزراء الياباني علاقة خاصة معه. كما أن آبي وجد علاقة خاصة مع بوتين. ترمب يريد تطبيع العلاقة مع بوينغ يانغ. دخل في «حرب تجارية» مع الصين.
تدرك اليابان أن الصين في صعود. هذا الصعود الاقتصادي على المسرح العالمي يفتح شهيتها في البحر الصيني الجنوبي. هي تواصل استعراض قوتها العسكرية. يلاحظ زيادة موازنة الدفاع. بدأت بتعزيز مواقع عسكرية وغيرها من وصول عدد كبير من السفن الصينية حول جزر سينكاكو اليابانية في بحر الصين الشرقي، وأيضاً قامت بتوسيع سيطرتها في مجال مياهها الإقليمية ومجالها الجوي وقواعد الاشتباك البحري في بحر الصين الجنوبي.
منشور رسمي في طوكيو «يحشد» ضد موقف بكين من جزر سينكاكو في بحر الصين الشرقي. ينتهي: «بصرف النظر عن التحديات التي تفرض نفسها، فإن اليابان ستستمر في تطوير العلاقات مع الصين والدول المجاورة عموماً باعتبارها دولة تقوم بدور مهم في صون السلام والاستقرار في آسيا والمجتمع الدولي».
كان الرئيس باراك أوباما سبق ووضع «خطا أحمر» لمنع الصين من تغيير الوقائع في بحرَي الصين، لكن لم يواجه بكين عندما فعلت. إدارة ترمب تريد بحر الصين الجنوبي «ثنائي القطبية» على أمل إعطاء بكين «دوراً مسؤولاً وبنّاء» في العلاقات الدولية وفي الإقليم. الصين هي «هدف لإدارة ترمب». لذلك، فإن الصين بالنسبة إلى اليابان فرصة وتحدٍ.
هناك الكثير من التاريخ الاستعماري بين البلدين، لكن اليابان تريد أن تنتقل العلاقة من بكين من سيئة إلى «طبيعية». الرهان على «التطبيع». لطوكيو الكثير من الشكوك إزاء نيات كوريا الشمالية ومدى تحويل «كلماتها إلى أفعال». ويقول دبلوماسيون: «من تجربتنا لا بد من التسلح بالكثير من الحذر مع كوريا الشمالية. ونقترح اتباع أسلوب خطوة - خطوة، لأن الطريق المرن لم ينجح في التوصل إلى اختراقات خلال عشرين سنة».
بين هذا وذاك، يسعى آبي لفتح ثغرة من البوابة الروسية. طوكيو تريد أن تتسلح بحل النزاع مع موسكو حول الجزر الأربع المستمر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 والبناء على البيان المشترك في 1956.
لا تبخل الخارجية اليابانية في توزيع منشورات تشرح الموقف الرسمي من الجزر المتنازع عليها. تشرح الموقف القانوني والتاريخي والسياسي وينتهي كل منها بتمسُّك الحكومة اليابانية بالحوار والحلول السلمية والعلاقات الاقتصادية.
الرئيس بوتين زار طوكيو وآبي زار موسكو. يعمل بوتين على استغلال التغير في الميزان الدولي لفرض وقائع جديدة في المحيط الاستراتيجي. تغيير المسار مع موسكو يستند إلى القراءة الواقعية لحكومة «الحزب الليبرالي الديمقراطي» الحاكم التي جعلت رئيس الوزراء يحشد مبكراً لإجراء بعض التغييرات، قد تعتبر «ثورية». قوات الحماية الذاتية اليابانية كانت مقيدة بموجب الدستور بعد هزيمة الحرب العالمية الثانية، بعمليات حفظ السلام فقط وترك الأمور الجدية إلى الأميركيين أمراء القواعد العسكرية، لكن مشت خطوة أبعد في قواعد «الاشتباك العسكري». وفي 17 يناير (كانون الأول) 2013. جرى إقرار أول وثيقة لـ«استراتيجية الأمن القومي» بحيث توفر نقاطاً استرشادية لقضايا الأمن القومي وتطبيق مبدأ «المساهمة الفعالة في تحقيق السلام» ورصدت متطلبات ذلك في موازنة وزارة الدفاع.
اليابان التي كانت مكتفية لسبعة عقود بالتحالف الاستراتيجي مع أميركا، بات عليها توسيع خياراتها في البيئة الآسيوية المعقدة. مبادئ آبي ثلاثة: «على الدول أن تعلن مطالبها بموجب معايير القانون الدولي، وعدم استخدام القوة أو التلويح بها لتحقيق مكاسب، بل استخدام وسائل سلمية لفض النزاعات».



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».