حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

نسمة سلام

منذ يومين اصطحبت أبنائي وزوجاتهم مع بناتي لحضور مباراة كرة القدم بين الأرجنتين والبرازيل في جدة محققاً أحد أحلام حياتي في مشاهدة الفريقين الكبيرين.
وعلى الرغم من خسارة فريقي (الأرجنتين وهو الفريق الثاني الذي أشجعه بعد إيطاليا)، فإن المناسبة كانت مدهشة. أكثر من ستين ألف مشاهد جاءوا لأجل المتعة. سعوديون من جميع الأعمار والفئات والخلفيات، وكذلك حضور ثري وجميل من جميع الجاليات المقيمة بالسعودية. جميعهم يتفاعلون بحالة من الفرح والبهجة والسرور. إنه سحر وسر كرة القدم وقدرتها الفريدة من نوعها على تجاوز الحدود والثقافات لتوحد قلوب الناس على متابعتها وعشقها.
جماهير تتابع بشغف عجيب منتخبين جاءوا من النصف الآخر البعيد تماما من الكرة الأرضية، بعيدة تماما بلغاتها وثقافتها وعاداتها، ولكن العشق لهم جعلهم يتعلقون بأسماء اللاعبين وشعارات المنتخبين وألوانهم، ويفرقون بين «السامبا» و«التانغو» مرددين تاريخ بيليه ورونالدو ونيمار وميسي ومارادونا.
قابلت في اليوم التالي دبلوماسيا برازيليا وهنأته على النتيجة، وقال لي بنشوة واضحة إننا فخورون جدا بشهرة منتخبنا الكروي ونجومه حول العالم، سعداء بدخول السامبا البرازيلية قلوب الجماهير في كل أنحاء الأرض، إنها أهم منتجاتنا التي نصدرها. وأصبحت البرازيل معروفة بها تماما، كما تعرف ألمانيا بالسيارات، وسويسرا بالساعات، وفرنسا بالعطور.
نحن، البرازيل، الدولة الحديثة الفتية ذات الثلاثمائة مليون نسمة، التي قامت على حضارات وشعوب الأمم كافة من حول العالم، من أوروبا كلها ومن أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط، جاءوا إليها حتى يبدأوا حياة جديدة بفرص أخرى متنوعة، ليصبحوا شعبا واحدا متعدد الثقافات جعل البرازيل تبرع في صناعة كل شيء، من السيارة، للطائرة، للسلاح، للقهوة، للزراعة والمواشي، وصولا إلى سحر كرة القدم الباهر. تأملت في كلامه جيدا، وأدركت أنه بالفعل يقول عن ظاهرة عولمة كرة القدم، وأثرها المهول كقوى ناعمة فعالة تعكس على هوية البلد المعنى ولا شك.
إنها حقا أكثر من مجرد لعبة كرة قدم، لمن أجاد فهم الرسالة المستهدفة والمقصودة، رسالة تسامح وقبول وعلو على عقد العنصرية والتميز والتفرقة. كرة القدم كانت الشاشة والواجهة الأعظم التي تحطمت عليها الأفكار العنصرية الساقطة، حينما كانت تتألق الفئات المحرومة والمنبوذة دوما، وتكون هناك الفرص المفاجئة الإيجابية من فرق ودول لم يكن هناك أي مجال لها أن تنال التقدير التقليدي.
في تسعين دقيقة تمكن فريقان من مكان بعيد من الكرة الأرضية من أن يوحدوا الملايين حول العالم الذين شاهدوا اللقاء من خلال شاشات أكثر من 24 قناة تلفزيونية نقلت المباراة على الهواء.
لا أعلم اليوم قوة إنسانية على الأرض لها الأثر نفسه على تجاوز الحدود والفروق والخلافات كافة بلمح البصر مثل كرة القدم. حتما إنها ليست مجرد لعبة. إنها نسمة سلام.