تقرير حكومي عن أحداث البصرة يتهم «مندسين» بعمليات الحرق

كشف تقرير «غامض» صادر عن اللجنة المشكلة من قبل قيادة العمليات المشتركة بأمر رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي، حول الأحداث التي وقعت في محافظة البصرة في مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي، عن وجود «مندسين» بين المتظاهرين، أقدموا على حرق مقرات الأحزاب وفصائل الحشد الشعبي والقنصلية والإيرانية. وفيما تحدثت شرطة البصرة عن «تيار ثالث»، يقف وراء عمليات الحرق، اعتبر ناشط مدني من البصرة التقرير الحكومي بأنه «بائس ولا قيمة له».
والغموض الذي لحق في التقرير الذي تداولته وسائل إعلام محلية مختلفة، يعود إلى أن بعض الناطقين الإعلاميين لقيادة العمليات نفت علمها بالتقرير لكنها لم تنفه في بيان رسمي، لكن جهات أخرى مطلعة أبلغت «الشرق الأوسط» صحة صدور التقرير. وذكر مصدر مطلع أن «قيادة العمليات لم تكن راغبة بنشره عبر وسائل الإعلام خلال هذه الفترة لحساسية الظروف السياسية الحالية، لكن يبدو أن بعض الجهات المشتركة في كتابة التقرير قررت تسريبه إلى الإعلام».
وكانت اللجنة التحقيقية التي أمر بها العبادي والمؤلفة من عمليات وزارة الداخلية، وقيادة العمليات المشتركة، وقيادة القوة البرية، وجهاز الأمن الوطني، والمخابرات، واستخبارات وأمن الدفاع، والاستخبارات العسكرية، قد باشرت عملها في مطلع سبتمبر الماضي.
ومن بين أهم الخلاصات التي خرج بها التقرير المذكور، هي «عدم استخدام القوة النارية من قبل الأجهزة الأمنية وأن الشهداء والجرحى الذين سقطوا في المظاهرات من المدنيين والأجهزة الأمنية كان نتيجة إطلاق النار من قبل عناصر مندسة». وهي خلاصة يرفضها جملة وتفصيلا أغلب النشطاء في البصرة. لكنه لفت إلى أن «العناصر المندسة كانت تنتمي لأحزاب مختلفة».
وعن عدد الضحايا الذين سقطوا في مظاهرات البصرة، ذكر التقرير أنهم «تسعة شهداء كما كانت هناك إصابات عديدة في صفوف القوات الأمنية».
وهو أمر ترفضه أغلب التنسيقيات في مظاهرات البصرة وتتحدث عن مقتل ما لا يقل عن 25 متظاهرا.
وبدا التضارب واضحا في تصريحات القوات الأمنية في البصرة، أمس؛ فبعد حديث التحقيق الحكومي عن «مندسين» أعلنت شرطة البصرة عن أن «التيار الثالث» هو المسؤول عن عمليات الحرق.
وقال مدير عام مديرية الشرطة في المحافظة الفريق رشيد فليح نجم خلال مؤتمر صحافي أمس، إن «القوات الأمنية تمكنت من إلقاء القبض على المتورطين بأعمال الحرق والتخريب التي رافقت المظاهرات التي شهدتها البصرة، وإنهم ينتمون إلى (التيار الثالث)، وعدد الذين تم القبض عليهم سبعة، أحدهم الأمين العام».
وشاع ذكر تعبير «التيار الثالث» كثيرا أثناء المظاهرات التي استمرت في البصرة لنحو ثلاثة أشهر ابتدأت بشهر يوليو (تموز) وانتهت في سبتمبر. واستنادا إلى مصادر في البصرة فإن «التيار الثالث» هو «حركة دينية راديكالية تؤمن بالقوة لتحقيق التغيير المطلوب وتعادي الاتجاهات الفكرية القائمة بشقيها الديني والعلماني، وأغلب المنتمين إليها من صغار السن من الشباب».
وتعليقا على ما ورد في نص التقرير الحكومي اعتبر الناشط المدني كاظم السهلاني أن «ما ورد فيه بائس وغير حقيقي». وقال السهلاني لـ«الشرق الأوسط»: «عودتنا الجهات الحكومية وأجهزتها الأمنية على هذه الأنواع من التقارير البائسة، لأنها تصدر عن لجان حكومية بائسة هي الأخرى».
وبشأن اتهام التقرير لـ«مندسين» بالضلوع بأعمال الحرق لمقرات الأحزاب ذكر السهلاني أن «هذا النوع من الاتهامات لا قيمة له وبعيد عن الواقع. آلاف الشباب شاهدوا بأم أعينهم القوات الأمنية وهي تطلق الرصاص الحي عليهم، ثم لماذا لم تقم تلك القوات بإلقاء القبض على المندسين كما تقول».
وعزا السهلاني ما ورد من معلومات في التقرير إلى «رغبة القيادات الأمنية بعدم تحمل مسؤولية إطلاق النار على المتظاهرين وإلقاء المسؤولية على مندسين وهميين».
كما كذب ما ورد في التقرير بشأن سقوط 9 قتلى فقط في المظاهرات، مؤكدا سقوط ما لا يقل عن عشرين متظاهرا. كما أكد السهلاني استمرار حالات التسمم الناجمة عن مياه الشرب الملوثة، إلى جانب الملاحقات الأمنية التي يتعرض لها الناشطون نتيجة اتهامات كيدية من قبل الأحزاب السياسية في البصرة.
وكانت ممثلية حقوق الإنسان في البصرة أعلنت أول من أمس، عن أن عدد الإصابات بين السكان بالإسهال نتيجة تلوث المياه بلغت 110 آلاف إصابة. ويرى السهلاني أن التقرير الحكومي صدر رداً على الحقائق الدامغة التي تضمنها التقرير الصادر عن مجموعة من منظمات المجتمع أول من أمس.
وكانت تلك المنظمات كتبت تقريراً مطولاً عن الأسباب التي دعت المتظاهرين إلى الخروج بمظاهرة في البصرة، بجانب عمليات القتل والاحتجاز التي طالت كثيرا منهم، إضافة إلى ذكره الأسباب التي دعت إلى عمليات الحرق التي طالت مقرات الأحزاب والسفارة الإيرانية، وقامت الجهات التي أشرفت على كتابة التقرير بإرساله إلى الممثل الأممي في العراق.
وطالب التقرير الممثل الأممي في العراق يان كوبيتش بالنظر في الانتهاكات التي ارتكبتها القوات الأمنية في ظل الأعمال الاحتجاجية التي انطلقت مؤخرا، واتخاذ إجراءات أكثر حزما بخصوص التلوث البيئي والوضع الصحي.
وفي معرض حديثه عن الأسباب التي دعت البصرة إلى الخروج بمظاهرات، هي نسب الإنجازات المتلكئة في المشاريع والتي بلغت نحو «صفر في المائة»، كما ذكر التقرير، إلى جانب ملف الوظائف المعقد، حيث ذكر التقرير أن «أي شاب بصري لا يستطيع الحصول على فرصة عمل من دون دفع رشاوى تتراوح بين 2000 و3000 دولار، أو من دون التوسط لدى أحد الأحزاب النافذة».
وبشأن موقف الجمهور البصري من النفوذ الإيراني في البصرة والحشد الشعبي والصراع ضد القنصلية الأميركية، أكد التقرير أن «الكثير مما تناقلته وسائل الإعلام المحلية والأجنبية غير دقيق فيما يخص مواقف البصريين من النفوذ الإيراني والحشد الشعبي أو حتى القنصلية الأميركية. إذ ينظر أهالي البصرة إلى قضية التدخل الخارجي (الأميركي أو الإيراني) في المحافظة بشيء من التحفظ والتكتم».
وذكر التقرير أنه ومن خلال شهادات قدمها مواطنون «كان واضحا وجود اعتقاد لدى أهالي البصرة بأن الجارة إيران تمارس دورا سلبيا في المحافظة، ونوه اثنان من كل عشرة أشخاص التقيناهم علنا، بأن إيران أحد أسباب الأزمة في المحافظة، سواء عبر رميها النفايات والمواد الكيميائية في شط العرب، أو دعمها لأحزاب كانت سببا في خراب البصرة».