«إضاءات عربية»... معرض عن المتشابهات التراثية في العراق ومصر والشام

التشكيلي العراقي دهام بدر يدعو للوحدة عبر 51 لوحة

لوحة لمحل تراثي قديم مألوف في مصر والعراق
لوحة لمحل تراثي قديم مألوف في مصر والعراق
TT

«إضاءات عربية»... معرض عن المتشابهات التراثية في العراق ومصر والشام

لوحة لمحل تراثي قديم مألوف في مصر والعراق
لوحة لمحل تراثي قديم مألوف في مصر والعراق

تتشابه المدن العربية في مبانيها التاريخية كالقلاع والأسوار والجوامع، وتتقارب فيها ملامح الأسواق الشعبية والأزقة والشوارع، وكذلك تتماثل فيها العادات والتقاليد والحرف ذات الطابع العربي الأصيل... عن هذه المتشابهات في التراث والتاريخ العربي، احتضنت دار الأوبرا المصرية معرض «إضاءات عربية» للفنان العراقي دهام بدر.
فمن خلال 51 لوحة قدم صاحب المعرض للجمهور مواقع لمسها وتأثر بها عند مروره في العراق ومصر والشام، حيث ينقل منها السواقي والمشربيات والأسواق الشعبية والمساجد والقلاع، إضافة إلى الإنسان والطبيعة.
يقول بدر: «من خلال زياراتي لمصر والشام في فترات زمنية مختلفة، ومتابعتي للآثار والبيئة والطبيعة بهما بجانب العراق، وجدت أن هناك تشابهاً بينها، فمثلاً الشناشيل في بغداد هي نفسها المشربيات في مصر، والسيدات اللاتي يأتين بالماء (الملّايات) لمست وجودهن في البلدان التي حللت عليها، لذا حاولت أن أتناول فنياً هذه الملامح المتماثلة في الحضارة والتاريخ والطبيعة والبيئة، والشواهد المشتركة، فكان هذا المعرض، فمثلاً بغداد والقاهرة متشابهتان جداً، ومن خلال هذا التشابه حاولت أن أعبّر عما كان للعراق ومصر من إسهامات في التاريخ العالمي عبر حضارتين من أقدم الحضارات، أقيمتا حول نهر النيل والرافدين».
وعن فكرة تنظيم المعرض في القاهرة، يقول: «تعودت إقامة معارضي في العديد من المدن العربية، مثل بغداد ودمشق وحلب وعمان وتونس والعواصم الخليجية، ثم كانت القاهرة هي المحطة التي تطلعت إليها لما لها من أهمية ودور في إثراء الفن التشكيلي، فقدِمت إليها لأقدم فناً ملتزماً يحاكي الواقع العربي المعاصر».
ويستطرد: «تقديم المعرض في هذا الظرف أراه مهماً جداً، لما تؤول إليه المنطقة العربية في الوقت الحاضر، فهو رسالة إلى الشعوب بأهمية وحدتنا وأن أمتنا سوف تنهض من جديد، وأن الكل يجب أن يعمل من مكانه لأجل أن نوقف الهدر في طاقتنا ومجتمعاتنا، وأنه يتوجب على كل عربي أن يبني وطنه من موقعه، فهنا فقط نتمكن من اللُّحمة العربية وإيقاف الهجمة الاستعمارية التي يقودها بعض الشعوب ضدنا».
تستحوذ المساجد على أعمال عدة في المعرض، وهو ما يرجعه صاحب المعرض إلى تأثره بعمارة المساجد، قائلاً: «المساجد التاريخية جزء من التراث العربي الحضاري والعمارة الإسلامية، وكذلك القلاع والأسوار، وجميعها تعكس خبرة وذكاء المعماري العربي الذي قام بتصميمها وتشييدها وزخرفتها».
ينتمي الفنان دهام بدر إلى المدرستين الواقعية والواقعية الحديثة، وهو ما ينعكس في أعماله الفنية التي ينفّذها باستخدام القلم السوفت والأقلام الخشبية، معتمداً على الخط لا اللون، معطياً قيمة مضافة للخطوط السوداء والخط الجاف، التي برأيه يمكن توظيفها بما يعكس وينتج فناً جديداً غير مستهلك يصل إلى الجمهور عبر هذه الخطوط برموزها وإبداعاتها ودلالاتها بما يعمل على سرعة استلهام ما يريد الفنان توصيله من معانٍ، إلى جانب عملها على تحفيز الخيال لدى المتلقي.
ويختتم حديثه قائلاً: «أسعدني أن يُلاقي ما أقدمه عبر الخطوط إعجاب النقاد والفنانين والجمهور المصريين، الذين أخبروني أن القاهرة كانت تنقصها مثل هذه اللوحات».



مخزون الصور العائلية يُلهم فناناً سودانياً في معرضه القاهري الجديد

صور تعكس الترابط الأسري (الشرق الأوسط)
صور تعكس الترابط الأسري (الشرق الأوسط)
TT

مخزون الصور العائلية يُلهم فناناً سودانياً في معرضه القاهري الجديد

صور تعكس الترابط الأسري (الشرق الأوسط)
صور تعكس الترابط الأسري (الشرق الأوسط)

«زهوري اليانعة في داخل خميلة»... كلمات للشاعر الجاغريو، وهي نفسها الكلمات التي اختارها الفنان التشكيلي السوداني صلاح المر، لوصف السنوات التي قضاها في مصر، والأعمال الإبداعية التي قدّمها خلالها، وضمنها في البيان الخاص بأحدث معارضه بالقاهرة «احتفالية القرد والحمار».

تنقل المر خلال 15 عاماً قضاها في مصر ما بين حواري الحسين، ومقاهي وسط البلد، وحارات السبتية، ودروب الأحياء العتيقة، متأثراً بناسها وفنانيها، ومبدعي الحِرف اليدوية، وراقصي المولوية، وبائعي التحف، ونجوم السينما والمسرح؛ لتأتي لوحاته التي تضمنها المعرض سرداً بصرياً يعبّر عن ولعه بالبلد الذي احتضنه منذ توجهه إليه.

لوحة لرجل مصري مستلهمة من صورة فوتوغرافية قديمة (الشرق الأوسط)

يقول المر لـ«الشرق الأوسط»: «أعمال هذا المعرض هي تعبير صادق عن امتناني وشكري البالغين لمصر، ويوضح: «جاءت فكرة المعرض عندما وقعت عقد تعاون مع إحدى الغاليريهات المعروفة في الولايات المتحدة، وبموجب هذا العقد لن أتمكن من إقامة أي معارض في أي دول أخرى، ومنها مصر التي عشت فيها أجمل السنوات، أردت قبل بدء الموعد الرسمي لتفعيل هذا الاتفاق أن أقول لها شكراً وأعبّر عن تقديري لأصحاب صالات العرض الذين فتحوا أبوابهم لأعمالي، والنقاد الذين كتبوا عني، والمبدعين الذين تأثرت بهم وما زلت، وحتى للأشخاص العاديين الذين التقيت بهم مصادفة».

اللوحات تقدم مشاهد مصرية (الشرق الأوسط)

استلهم الفنان 25 لوحة بخامة ألوان الأكريلك والأعمال الورقية من مجموعة كبيرة من الصور الفوتوغرافية والـ«بوستال كارد» المصرية القديمة، التي تعكس بدورها روعة الحياة المصرية اليومية، ودفء المشاعر والترابط المجتمعي فيها وفق المر: «لدي نحو 5 آلاف صورة مصرية، جمعتها من (الاستوديوهات) وتجار الروبابكيا، ومتاجر الأنتيكات، ومنا استلهمت لوحاتي».

ويضيف: «مصر غنية جداً باستوديوهات التصوير منذ عشرات السنين، ولديها قدراً ضخماً من الصور النادرة المُلهمة، التي تحكي الكثير عن تاريخها الاجتماعي».

الفنان صلاح المر (الشرق الأوسط)

يستطيع زائر المعرض أن يتعرف على الصور الأصلية التي ألهمت الفنان في أعماله؛ حيث حرص المر على أن يضع بجوار اللوحات داخل القاعة الصور المرتبطة بها، ولكن لن يعثر المتلقي على التفاصيل نفسها، يقول: «لا أقدم نسخة منها ولا أحاكيها، إنما أرسم الحالة التي تضعني فيها الصورة، مجسداً انفعالي بها، وتأثري بها، عبر أسلوبي الخاص».

لوحة مأخوذة عن صورة لطفل مصري مع لعبة الحصان (الشرق الأوسط)

تأتي هذه الأعمال كجزء من مشروع فني كبير بدأه الفنان منذ سنوات طويلة، وهو المزج ما بين التجريد التصويري والموضوعات ذات الطابع العائلي، مع الاحتفاء بالجماليات الهندسية، والرموز التراثية، والاستلهام من الصور، ويعكس ذلك ولعه بهذا الفن، تأثراً بوالده الذي عشق الفوتوغرافيا في شبابه.

يقول: «بدأ تعلقي بالفوتوغرافيا حين عثرت ذات يوم على كنز من الصور في مجموعة صناديق كانت تحتفظ به الأسرة في مخزن داخل المنزل بالسودان، وكانت هذه الصور بعدسة والدي الذي انضم إلى جماعة التصوير بكلية الهندسة جامعة الخرطوم أثناء دراسته بها».

لوحة مستلهمة من صورة قديمة لعروسين (الشرق الأوسط)

هذا «الكنز» الذي عثر عليه المر شكّل جزءاً مهماً من ذاكرته البصرية ومؤثراً وملهماً حقيقياً في أعماله، والمدهش أنه قرر أن يبوح للمتلقي لأول مرة بذكرياته العزيزة في طفولته بالسودان، وأن يبرز دور والده في مشواره الفني عبر هذا المعرض؛ حيث يحتضن جدران الغاليري مجسماً ضخماً لـ«استوديو كمال»؛ وهو اسم محل التصوير الذي افتتحه والده في الستينات من القرن الماضي.

لوحة تعكس تفاصيل مصرية قديمة (الشرق الأوسط)

يقول: «أقنع والدي جدي، بإنشاء استوديو تصوير بمحل الحلاقة الخاص به في (سوق السجانة) بالخرطوم، وتم تجهيز الاستوديو مع غرفة مظلمة من الخشب للتحميض، وذلك في الجزء الخلفي من الدكان».

وجوه مصرية (الشرق الأوسط)

وداخل المجسم تدفع المقتنيات الخاصة المتلقي للتفاعل مع ذكريات المر، والمؤثر الفني الذي شكل أعماله؛ ما يجعله أكثر تواصلاً، وتأثراً بلوحات المعرض؛ فالمتلقي هنا يستكشف تفاصيل تجربة الوالد في التصوير، بل يمكنه التقاط صور لنفسه داخل محله القديم!

وأثناء ذلك أيضاً يتعرف على جانب من تاريخ الفوتوغرافيا، حيث المعدات، وهي عبارة عن الكاميرا YASHIKA التي تستخدم أفلام مقاس 621 وEnlarger والستارة التي تعمل كخلفية وأدوات أخرى للتحميض والطباعة، وتجفيف الفيلم والصور بواسطة مروحة طاولة، وقص الصور بمقص يدوي: «استمر العمل لمدة سنة تقريباً، وأغلق الاستوديو قبل أن أولد، لكن امتد تأثير هذه التجربة داخلي حتى اللحظة الراهنة».

مجسم لاستوديو والد الفنان في الغاليري (الشرق الأوسط)

«احتفالية القرد والحمار» هو اسم «بوستال كارد» عثر عليه الفنان لدى تاجر روبابكيا، ويجسد مشهداً كان موجوداً في الشارع المصري قديماً؛ حيث يقدم أحد الفنانين البسطاء عرضاً احتفالياً بطلاه هما القرد والحمار، ومنه استلهم الفنان إحدى لوحات معرضه، ويقول: «تأثرت للغاية بهذا الملصق؛ وجعلت اسمه عنواناً لمعرضي؛ لأنه يجمع ما بين ملامح الجمال الخفي في مصر ما بين الفن الفطري، والسعادة لأكثر الأسباب بساطة، وصخب المدن التي لا تنام».