العراق: «الرئاسات الثلاث» من التوافق إلى الفضاء الوطني... وبالعكس

بعد حسم هويات شاغليها

العراق: «الرئاسات الثلاث» من التوافق إلى الفضاء الوطني... وبالعكس
TT

العراق: «الرئاسات الثلاث» من التوافق إلى الفضاء الوطني... وبالعكس

العراق: «الرئاسات الثلاث» من التوافق إلى الفضاء الوطني... وبالعكس

حُسمت في العراق هذا الأسبوع مسألة شغل «الرئاسات الثلاث» مع انتخاب الدكتور برهم صالح رئيساً للجمهورية خلفاً للرئيس المنتهية ولايته الدكتور فؤاد معصوم، وتكليف صالح بُعيد انتخابه عادل عبد المهدي بتشكيل الحكومة العتيدة. وجاء ملء رئاستي الحكومة والجمهورية المحجوزتين للمكوّنين الشيعي والكردي في أعقاب انتخاب محمد الحلبوسي رئيساً لمجلس النواب، ممثلا المكوّن السنّي. ويعتبر مراقبون أن النقلة من المحاصصة إلى الفضاء الوطني نقلة اختبرت بها العملية السياسية العراقية نفسها في محاولة منها لإصلاح أحد أهم ما تسميه النخب العراقية «عيوب التأسيس».

بعد إسقاط نظام صدام حسين عام 2003، ولدت ولادة شوهاء تجربة سياسية جديدة في العراق، أخذت من تجارب الديمقراطية في العالم قشورها الخارجية فقط، بينما احتفظت للبيوت والعوائل والمكوّنات والقبائل والجماعات المسلحة وكل أشكال الدولة العميقة بحضورها الفاعل في المشهد السياسي.
كان هذا المشهد المُلتبس عبر عن نفسه من خلال ثلاث دورات برلمانية نتجت عنها ثلاث حكومات قادها كلها حزب واحد، هو حزب الدعوة (الإسلامي الشيعي) من خلال حكومات قادته الثلاثة (الدكتور إبراهيم الجعفري 2005 ـ 2006 ونوري المالكي 2006 ـ 2014 والدكتور حيدر العبادي 2014 ـ 2018). وكانت قد سبقت إقرار الدستور (2005) حكومة انتقالية برئاسة الدكتور إياد علاوي (2004 ـ 2005) التي كانت ورثت مجلس الحكم (2003) أيام كان الحاكم المدني الأميركي بول بريمر (2003 ـ 2004) الحاكم بأمره في العراق.
ورغم محاولات حزب الدعوة - حتى اللحظات الأخيرة - الاحتفاظ بالسلطة لدورة رابعة، فإن الصراع الحاد بين جناحي الحزب (الأول بقيادة المالكي، والثاني بقيادة العبادي) أفشل هذه المحاولات. إذ سعت قيادة الحزب، ممثلة بمجلس الشورى، عقد مصالحة بين الرجلين بعد منافسة اتخذت طابعاً شخصياً، إلى حد كبير، مع رفض المالكي دعم العبادي لولاية ثانية، حتى مع استمرار الحزب، ولو شكلياً، بالاحتفاظ بالسلطة.
ثم، رغم أن خسارة حزب الدعوة رئاسة الحكومة، ما يعني إبعاده عن المشهد، أمكن التوصل إلى مجموعة تسويات جاءت بصيغة «توافقات». وهذه التوافقات أوصلت ثلاثة وجوه جديدة ـ قديمة (الوجه الجديد حقاً هو محمد الحلبوسي) إلى «الرئاسات الثلاث» (الجمهورية للكرد، والحكومة للشيعة، والبرلمان للسنة) فكانت خياراً بدا مقبولاً، إلى حد كبير، لجهة الخروج من «عنق زجاجة» المحاصصة إلى الفضاء الوطني.
انقسام البيوت الرئيسة
المتغير المهم، الذي بدا مختلفا عن السياقات السابقة، ظهر قبل الانتخابات البرلمانية التي أجريت خلال شهر مايو (أيار) الماضي، حين شهدت البيوت الرئيسية (الشيعية ـ السنية ـ الكردية) انقسامات حادة.
الكتلة الشيعية، التي كانت ممثلة بـ«التحالف الوطني» انقسمت إلى خمس كتل، هي: «سائرون» بزعامة مقتدى الصدر، و«النصر» بزعامة حيدر العبادي، و«الفتح» بزعامة هادي العامري، و«دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، و«الحكمة» بزعامة عمار الحكيم. أما الكتلة السنّيّة، التي كانت ممثلة بـ«تحالف القوى العراقية»، فانقسمت بدورها إلى «تحالف القرار» بزعامة أسامة النجيفي، و«تحالف القوى» بزعامة جمال الكربولي و«المشروع العربي» بزعامة خميس الخنجر. وأخيراً، وليس آخراً، شهدنا تفتت الكتلة الكردية التي كان يمثلها «التحالف الكردستاني» وعاد كل من الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني الذي ينتمي إليه الدكتور برهم صالح، وحركة التغيير... لتمثيل نفسه أمام بغداد.

- ترميم «المحاصصة»
قُبيل الانتخابات البرلمانية رفعت معظم القوى الرئيسية شعار الغالبية السياسية أو المشاركة الوطنية، التي تقوم على أساس ألا تتمثّل المكوّنات بوصفها مكوّنات، بل يكون هناك تمثيل أحزاب وقوى من المكوّنات بحيث تنشأ حكومة موالاة وقوة معارضة. غير أن الوضع تغير في ظل المقاطعة الكبيرة للانتخابات (بنسبة تزيد على الـ70 في المائة) وظهور نتائج متقاربة للكتل البرلمانية الفائزة، تصدّرتها «سائرون» بـ54 مقعداً، وهي مقاعد لا تؤهل أي كتلة... لا لتشكيل الحكومة أو حتى فرض شروط صارمة على الشركاء.
بناءً عليه، وجد الجميع أنفسهم بحاجة إلى إعادة ترميم «المحاصصة» باتجاه خلق فضاء أوسع اسمه «الفضاء الوطني»... لكن محتواه الحقيقي هو التوافق بين الأطراف المختلفة من أجل تسهيل مهمة تشكيل الحكومة. ومن ثم، بدت الدورة معكوسة بين الانتقال من «المحاصصة» فـ«التوافق» إلى «الفضاء الوطني»، ثم العودة إلى «التوافق» ثانية، لكن عبر عدة ولادات بدت طبيعية في الظاهر، لكنها قيصرية في الداخل. والمفارقة، أن الأصعب فيها كانت ولادة منصب رئيس الجمهورية الذي كان طوال السنوات الـ15 الماضية هو الأسهل حسماً بين المناصب.
هذه المرة اختلف الأمر بسبب تفتت «البيوت» (الفئوية)، ما جعل عملية الترميم صعبة إلا من خلال الصفقات والتوافقات والمساومات.
كردياً، مثلاً، كان الاعتراض الأساسي على ترشيح الدكتور برهم صالح لمنصب رئيس الجمهورية من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني (الذي يتزعمه بارزاني)، وهو ما يلخصه القيادي في الحزب ماجد شنكالي في حديث لـ«الشرق الأوسط» بالقول إن «المنصب من حصّة المكون الكردي، لكن داخل هذا المكوّن أحزاب، ولقد جاء ترتيب الحزب الديمقراطي الكردستاني من حيث عدد المقاعد في المقدمة بالقياس إلى مقاعد الحزب الذي ينتمي إليه برهم صالح وهو الاتحاد الوطني. وبالتالي، كان ينبغي أن يحسم المنصب داخل المكوّن ومن ثم نذهب إلى بغداد موحّدين». ويضيف شنكالي أن «الأمر يختلف عمّا حصل للعرب السنة الذين، وإن كانت هناك منافسة داخل البرلمان بين عدة شخصيات سنّية، فإن محمد الحلبوسي - الذي فاز برئاسة البرلمان كان قد حصل على الغالبية داخل نواب المكوّن السنّي أولاً، وبالتالي حظي بدعمنا داخل البرلمان حتى مع وجود منافسين له». ويستطرد «كان ينبغي أن تحصل انتخابات داخل البيت الكردي بين المرشحين الرئيسيين برهم صالح وفؤاد حسين، ومن ثم مَن يحصل على أعلى الأصوات داخل المكوّن نذهب به إلى البرلمان الاتحادي حتى بوجود منافسين كرد آخرين لا مانع من أن يجربوا حظهم».
ورداً على سؤال بشأن انتخاب الرئيس صالح عبر الفضاء الوطني، يجيب شنكالي بأن «الذي حصل توافقات وليس فضاء وطنياً عن طريق قوى وكتل لم تلتزم بتعهداتها معنا، وهو ما أدى إلى حصول هذه المشكلة داخل البيت الكردي، لأننا لن نتعامل مع رئيس الجمهورية لكونه من وجهة نظرنا لم يعُد يمثل الكرد».

- تحديات منتصف المسافة
وحقا، لم تكن مشكلة العرب السنة مع مرشحهم لرئاسة البرلمان بحجم المشكلة الكردية ـ الكردية على صعيد اختيار رئيس الجمهورية. ذلك أن النواب السنة البالغ عددهم نحو 70 نائباً موزعون بين عدة كتل، لكن الكتلة التي يمثلها رئيس البرلمان محمد الحلبوسي هي الأكبر تقريباً (تمثل نحو 45 نائبا) بينما توزّع الباقون على كتل أصغر. في حين أن عدد النواب الكرد نحو 60 نائباً لكن الحصة الأكبر منهم حصة الحزب الديمقراطي بزعامة مسعود بارزاني (25 مقعداً) يليه الاتحاد الوطني (حزب برهم صالح) وله (18 مقعدا) بينما تتوزع الأخرى بين «التغيير» و«الجيل الجديد» والجماعة الإسلامية. ومن هنا غضب الحزب الديمقراطي على صيغة انتخاب الدكتور صالح أدى إلى خلق مشكلة تمثل تحدياً في منتصف المسافة أمام الرئيس الجديد.
بالنسبة للحالة الشيعية، بدا الأمر، لأول وهلة أكثر سلاسة، لكنه مع ذلك يحمل في داخله تناقضات ستمثل هي الأخرى تحديات جدية أمام رئيس الوزراء المكلّف عادل عبد المهدي. إذ أن المجيء به كان على أساس كونه مرشح «تسوية» بعد إخفاق المرشحين الآخرين (العبادي والعامري) ومرشح نصف التسوية (فالح الفياض) من الحصول على إجماع يؤهل أحدهم للترشح. وهكذا، جاء عادل عبد المهدي نتيجة توافق صعب بين أهم كتلتين شيعيتين في البرلمان العراقي، أي «سائرون» المدعومة من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، و«الفتح» بزعامة هادي العامري... مع أنهما تنتميان إلى تحالفين عريضين مختلفين يدعي كل واحد منهما أنه الكتلة الأكبر (هما تحالف «الإصلاح والإعمار» وتحالف «البناء»). وبالتالي، كانت حصيلة التفاهم بين الصدر والعامري ولادة ترشيح عبد المهدي، الذي كلّفه بتشكيل الحكومة رئيس الجمهورية الجديد برهم صالح بعد أقل من ساعة على أدائه اليمين الدستورية.
تحديات منتصف المسافة أمام عادل عبد المهدي يجملها الخبير الاستراتيجي الدكتور هشام الهاشمي لـ«الشرق الأوسط» بقوله «إطلاق الحزمة الثانية من العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية الأميركية على إيران، تاريخ يتواطأ مع نيل حكومة عبد المهدي الثقة. وبالتالي، هناك تحديات معقدة أمام هذه الحكومة التي كان لإيران اليد الطولى في تسهيل التوافق عليها بين الأحزاب الممثلة للمكوّنات العراقية في البرلمان». وتابع «أهم التحديات هي جدولة وجود قوات التحالف الدولي على الأراضي العراقية، وخاصة القوات الأميركية التي تتواجد في 9 معسكرات مشتركة مع القوات الاتحادية العراقية وبوظائف عسكرية وأمنية واستخبارية وتقنية مختلفة، وقروض صندوق النقد الدولي، فضلا عن الموقف من الفصائل العابرة للحدود والفصائل غير منضوية تحت ألوية قوات الحشد الشعبي».
ويضيف «ثمة تحديات تتعلق بالإدارة المشتركة للمناطق المتنازع عليها بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، وسلاح العشائر، وأزمة المياه مع إيران وتركيا، والموقف من العقوبات الأميركية على إيران... وجدية الالتزام بها أو العمل على استثناء العراق».

- برهم أحمد صالح... الرئيس الثامن للعراق
> مع أن برهم أحمد صالح من مواليد مدينة السليمانية عام 1960. فإنه ينتمي بالأصل إلى مدينة كويسنجق التي تعود إداريا إلى محافظة أربيل عاصمة إقليم كردستان - العراق. واللافت أن رؤساء العراق الأكراد الثلاثة الذين تولوا المنصب بعد عام 2003 (جلال طالباني وفؤاد معصوم وبرهم صالح) ينتمون إلى هذه المدينة الجبلية الصغيرة نسبياً.
صالح ابن أسرة ميسورة الحال، فوالده قاضٍ معروف في السليمانية تعرّض للنفي على عهد صدام حسين إلى محافظة المثنى (جنوبي العراق) في سبعينات القرن الماضي نتيجة مواقفه المناوئة للنظام العراقي السابق. وكان برهم صالح متفوقاً في دراسته، إذ حصل في الثانوية العامة على معدل 96 في المائة وحل عاشرا على العراق. وآنذاك دخل كلية الهندسة المدنية في جامعة كارديف البريطانية وتخرج فيها بتفوق في علوم الحاسوب عام 1983. وبعدها واصل صالح، الذي كان تعرض للاعتقال والتعذيب إبان حكم صدام حسين مرتين، دراسته وسافر مجدداً إلى بريطانيا حيث حصل على شهادة الدكتوراه في تطبيقات علوم الحاسوب من جامعة ليفربول.
أثناء الدراسة خارج العراق، واصل صالح نشاطه في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني. وهو الحزب الذي أسسه عام 1975 سلفاه جلال طالباني وفؤاد معصوم في دمشق إثر انهيار الثورة الكردية بعد «اتفاقية الجزائر» التي كان وقعها آنذاك الرئيس العراقي السابق صدام حسين وشاه إيران في الجزائر.
وبعد إسقاط نظام صدام حسين عام 2003 تولى صالح رئاسة حكومة إقليم كردستان - إدارة السليمانية للفترة من 2001 – 2004. كما تولى مناصب تنفيذية مهمة في الحكومة الاتحادية في بغداد حيث شغل منصب نائب رئيس الوزراء العراقي عام 2004. ثم صار وزيراً للتخطيط في الحكومة العراقية الانتقالية عام 2005. ثم نائباً لرئيس الوزراء في أول حكومة عراقية منتخبة 2006.
من بين أهم إنجازات صالح في الحقل العلمي والأكاديمي تأسيس الجامعة الأميركية في مدينة السليمانية عام 2008. كما تولى رئاسة حكومة الإقليم للفترة من 2009 - 2011. وعام 2014، رشح مع الدكتور فؤاد معصوم من قبل حزبه لشغل منصب رئاسة الجمهورية العراقية، لكن لم يحالفه الحظ. وفي انتخابات عام 2018 فاز على منافسه الكردي الآخر فؤاد حسين مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني.
برهم صالح متزوج، وله ابنتان متزوجتان، إحداهما تعمل صحافية في إحدى وسائل الإعلام البريطانية، والأخرى موظفة في إحدى المنظمات الدولية.

- عادل عبد المهدي... الاستقالة لا تزال في جيبي
> قبل شهور من تكليفه بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة (2018) كتب السيد عادل عبد المهدي (يفضل لقب السيد على صفة الدكتور التي لم يحصل عليها برغم وصوله مرحلة مناقشة رسالته في الاقتصاد من جامعة باريس) مقالا في جريدة «العدالة» التي يشرف عليها اعتذر فيها مقدما عن تولي منصب رئاسة الوزراء فيما لو تم تكليفه بها.
السبب الذي جعل عبد المهدي يعتذر ولا يرفض هي مجموعة الشروط التي رأى أنها يجب أن تتوافر لدى المرشح لتولي هذا المنصب في ظل التوازنات العراقية الصعبة والتي وجد أنها لا تنطبق عليه بسبب المحاصصة واللااستقلالية والصراعات وغياب الرؤية والخطة والمنهج. وعليه كتب قائلا «أعتذر فالشروط غير متوفرة». لكن الطبقة السياسية العراقية، بعدما وصلت إلى طريق مسدودة لاختيار مرشح مناسب لتحمل عبء هذا المنصب، هرعت إليه معتبرة ما عده شروطاً لا تناسبه بمثابة «برنامج حكم عليه تنفيذه». وهكذا تم تكليفه بعدما توافقت عليه الكتلتان الفائزتان بالانتخابات الأخيرة «سائرون» و«الفتح». وقبل عبد المهدي التكليف مع أن أيدي الجميع على قلوبهم كون الرجل، وهو رجل تسويات مقبول لدى الجميع، لا يحب المصادمات والمناكفات... وسبق له أن استقال من منصبه وزيرا للنفط، وهدد بالاستقالة أكثر من مرة مما يجعل إمكانية استقالته من منصبه المهم هذه المرة أمرا واردا في حال لم يمنح استقلالية كاملة في تنفيذ برنامجه ورؤيته.
يؤخذ على عبد المهدي تقلبه بين التيارات والأحزاب. ويروي عنه صديق طفولته وصباه إياد علاوي أنه كان من المنتمين لحزب البعث العربي الاشتراكي في ستينيات القرن الماضي. ومع أن عبد المهدي المولود عام 1942 لأسرة أرستقراطية شيعية في محافظة ذي قار (جنوبي العراق) وخريج ثانوية «كلية بغداد» الراقية مع صديقيه إياد علاوي والراحل الدكتور أحمد الجلبي - وثلاثتهم ينتمون إلى الأسر الأرستقراطية في العراق - فإنه بعد تخليه عن فكر البعث انتمى إلى أقصى اليسار الشيوعي لفترة قصيرة في سبعينيات القرن الماضي. غير أنه انضم عام 1982 رسمياً إلى «المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق» الذي أسس في إيران.
تولى عبد المهدي عدة مناصب بعد عام 2003 من بينها تعيينه وزيرا للمالية ووزيرا للنفط ونائبا لرئيس الجمهورية. كما بقي مرشحا ساخنا لرئاسة الوزراء طوال أكثر من عشر سنوات... لكن مرشحي حزب الدعوة كانوا يحظون بالمنصب حتى جاءه أخيرا عن طريق التوافق لا التنافس.

- محمد الحلبوسي... وجه «الإزاحة الجيلية»
> طبقا لمنهج المحاصصة التي طبقت في العراق بعد عام 2003 فإن منصب رئاسة البرلمان أصبح من حصة العرب السنة. وطوال السنوات الخمس عشرة الماضية توالى على هذا المنصب عدد من الشخصيات السنّية البارزة والمتقدمة في السن وفي العمل السياسي. أولهم كان الدكتور محمود المشهداني الذي ولد في أربعينات القرن الماضي وإياد السامرائي أحد الأمناء العامين للحزب الإسلامي العراقي المولود في الأربعينات هو الآخر وأسامة النجيفي المولود في الخمسينات والدكتور سليم الجبوري المولود في السبعينات. لكن القفزة التي لم تكن محسوبة هي التي تحققت بوصول الشاب محمد الحلبوسي (مواليد 1981) إلى هذا المنصب الهام في ظل نظام برلماني تكون فيه السلطة التشريعية هي السلطة العليا رقابة وتشريعا.
في عام 2014 فاز محمد الحلبوسي الذي يحمل شهادة الماجستير في الهندسة المدنية من جامعة المستنصرية ببغداد (ومنها أيضا حاز البكالوريوس) لأول مرة في عضوية البرلمان العراقي. أصبح عضوا في لجنة حقوق الإنسان في البرلمان ومن ثم انتقل إلى عضوية اللجنة المالية فرئيسا لها في مرحلة لاحقة. وفي عام 2017 تولى منصب محافظ الأنبار. وخلال انتخابات عام 2018 فاز ثانية عن محافظة الأنبار لعضوية البرلمان العراقي محرزا أعلى الأصوات بين مرشحي المحافظة (37 ألف صوت).
وخلال عملية الترشح لرئاسة البرلمان الحالي تنافس الشاب محمد الحلبوسي مع 9 من الشخصيات السنية من بينهم أسامة النجيفي (رئيس البرلمان الأسبق) وخالد العبيدي (وزير الدفاع السابق) ومحمد تميم (وزير التربية الأسبق) وآخرون لكنه تفوق عليهم جميعا مترجما ما بات يعرف بالعراق بـ«الإزاحة الجيلية» كناية عن رغبة النخب الفكرية والسياسية العراقية بإزاحة كبار السن من سياسيي العراق عن المشهد السياسي وإحلال زعامات شابة محلهم.



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.