في نهاية شهر أغسطس (آب) الماضي وقف الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز أمام المئات من أنصاره في ساحة بالعاصمة نواكشوط، وقال «سنخوض حرباً شرسة ضد المتطرفين والإرهابيين، لا تصوتوا لهم في الانتخابات لأنهم خطر حقيقي»، معلنا بذلك بداية الحرب على «جماعة الإخوان المسلمين» في موريتانيا.
بعد ذلك توالت تصريحات الرئيس لتكون أكثر حدة وصراحة، حيث اتهم «الإخوان» المسلمين بالوقوف وراء الحروب التي دمرت دولاً عربية كثيرة، وقال إنها مكنت القوى الظلامية والمتطرفة من التغلغل في المنطقة العربية، وأكد أنه لن يقبل تكرار هذا السيناريو في موريتانيا، متوعداً باتخاذ إجراءات صارمة ضد فرع «الجماعة» في البلاد.
لم تمض سوى أيام قلائل على ذلك حتى قامت وحدات من الشرطة بإغلاق «مركز تكوين العلماء في موريتانيا»، وهو مركز أسسه محمد الحسن ولد الددو عام 2007. ويتولى رئاسة مجلس إدارته منذ ذلك الوقت، كما سحبت أيضاً الحكومة ترخيص جامعة عبد الله بن ياسين، التي يرأس أيضاً ولد الددو مجلسها العلمي. وهذه الإجراءات التي اتخذتها موريتانيا استهدفت بشكل واضح محمد الحسن ولد الددو، الذي تقول السلطات إنه يمثل «المرشد والأب الروحي» لفرع جماعة «الإخوان» في موريتانيا، خاصة بعد أن تصدى للرد على تصريحات الرئيس الموريتاني في خطبة جمعة أثارت الكثير من الجدل في البلاد، وهي الخطبة التي اعتبرتها الحكومة «تحريضاً واضحاً» ضد الدولة وأجهزتها، إذ قال محمد الأمين ولد الشيخ، الوزير الناطق باسم الحكومة، إن ولد الددو «أساء للرئيس الموريتاني والحكام العرب... وهذا تحريض واضح».
وكان ولد الشيخ يتحدث خلال مؤتمر صحافي عقده في أعقاب اجتماع للحكومة، أول من أمس، أكد فيه أن ولد الددو كان في خطبته «متطرفاً» حين وصف الرئيس بأنه «مفتون» وحرض عليه.
وحسب بعض المراقبين، يبدو واضحاً أن خطبة ولد الددو، التي ألقاها قبيل سفره إلى تركيا، قد أوصلت الأمور إلى نقطة اللاعودة، ودفعت السلطات إلى تسريع إجراءاتها ضد المؤسسات والهيئات التابعة للرجل في البلاد، وهذا ما أكده مصدر رسمي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «هذه مجرد البداية، وسيتم اتخاذ إجراءات أخرى أكثر قوة».
لكن الناطق باسم الحكومة قال إن المؤسسات، التي صدر قرار بإغلاقها «كانت محل متابعة من طرف الجهات الأمنية، وخضعت للتفتيش والمراقبة، وهو ما كشف عن شبهات حول مصادر التمويل، وأوجه الصرف والمناهج الدراسية». مبرزا أن «مركز تكوين العلماء وجامعة عبد الله بن ياسين يمثلان الذراع الدينية والعلمية للتنظيم (الإخوان)، وحزب «تواصل» يمثل الذراع السياسية، بينما تمثل قناة المرابطين الخاصة الذراع الإعلامية».
وكنتيجة لذلك قررت السلطات، حسب تصريح المسؤول ذاته، «وضع اليد» على هذه المؤسسات (المركز والجامعة)، بعد أن أكدت القرائن تورطها واستغلالها في الحملة الانتخابية الأخيرة لصالح حزب «تواصل» المعارض، والمحسوب على تيار الإخوان المسلمين، بينما تشير بعض المصادر الرسمية إلى أن مركز تكوين العلماء استخدم من طرف الحزب «كغطاء لتمرير تمويلات مشبوهة».
في غضون ذلك، يتساءل الكثير من الموريتانيين إن كانت هذه الإجراءات ستطال حزب «تواصل»، وإن كان سيتم حله في قادم الأيام، وهو سؤال تجاهل الوزير الناطق باسم الحكومة الإجابة عليه خلال حديثه أمام الصحافيين، بينما استبعد مصدر رسمي لـ«الشرق الأوسط» أن يصل الأمر إلى ذلك «خاصة أن الحزب حل في المرتبة الثانية في الانتخابات، ويعد الحزب المعارض الأول، وأي إجراء ضده سيحمل تفسيرات سياسية»، حسب تعبيره.
لكن المصدر أشار أيضا إلى أن «الحزب سيفقد الكثير من قوته بعد هذه الإجراءات، إذ لم تعد بحوزته تلك المظلة الدينية والروحية التي تجعله يخاطب الموريتانيين بخطاب ديني عاطفي، كما سيفقد الكثير من مصادر تمويله».
نفس المصدر قال إن المواجهة المباشرة التي بدأت بين الدولة الموريتانية وجماعة الإخوان المسلمين، حملت رسالة واضحة إلى جهات داخل الدولة، كانت مقربة من «الإخوان» وتمنحهم نوعاً من الحماية، وبالتالي سيفقد «الإخوان» تلك الحماية، وفق تعبير المصدر.
وليست هذه المرة الأولى التي تصطدم فيها الدولة الموريتانية مع فرع «جماعة الإخوان». فقد بدأ ذلك منذ عقود عندما كانت الجماعة عبارة عن «تنظيم سري». لكن المواجهة الحقيقية بدأت عام 2004 عندما اعتقل نظام الرئيس السابق معاوية ولد سيد أحمد الطائع قيادات «الإخوان»، واتهمهم بـ«الإرهاب والتطرف»، لكن أفرج عنهم بعد انقلاب عام 2005. وحصلوا على ترخيص لتأسيس أول حزب سياسي إسلامي في موريتانيا عام 2007 خلال حكم الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله.
أما خلال حكم الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز، فقد ظلت العلاقة بين الدولة وتيار «الإخوان» مضطربة وغير مستقرة. فبعد فترة قصيرة من التقارب الحذر، تواجه الطرفان عام 2011 عندما حاول الحزب الإخواني استيراد موجة «الربيع العربي» إلى موريتانيا، مدعوماً من بقية أحزاب المعارضة، حيث نظم ناشطون شباب من الحزب الإسلامي إبان تلك الفترة مظاهرات، طالبوا فيها برحيل الرئيس محمد ولد عبد العزيز، لكن الشرطة الموريتانية تعاملت بصرامة مع هذه الاحتجاجات، وقادت حملة اعتقالات واسعة شملت بعض القيادات الشبابية في الحزب.
واليوم يعود الطرفان إلى المواجهة من جديد، لكن في ظل معطيات سياسية وإقليمية معقدة. فموريتانيا تستعد لانتخابات رئاسية منتصف العام المقبل (2019)، يُنتظر أن تنتهي بانتقال سلس للسلطة. لكنها تستعد أيضاً للانخراط بشكل أكبر في الحرب على الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، وذلك بعد أن تسلمت قيادة القوة العسكرية المشتركة لمجموعة دول الساحل، في ظل حديث عن رغبة فرنسية في سحب أكثر من 4500 جندي فرنسي لترك القيادة في يد الموريتانيين والتشاديين.
هل وصلت علاقة السلطات الموريتانية بـ«الإخوان» إلى نقطة اللاعودة؟
الرئيس اتهمهم مباشرة بافتعال الحروب... وتوعد بخوض حرب شرسة ضدهم
هل وصلت علاقة السلطات الموريتانية بـ«الإخوان» إلى نقطة اللاعودة؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة