«الجلالة» مدينة عالمية مصرية في حضن جبال البحر الأحمر

يعد مشروع مدينة الجلالة واحداً من المشروعات العقارية الكبرى التي بدأت مصر في إنشائها على ساحل البحر الأحمر، في محاولة لتحقيق ما وصفته بـ«التنمية الشاملة»، عبر إنشاء مدينة عالمية متكاملة تخدم المنطقة سياحيا واقتصاديا، وتوفر فرص العمل، ووحدات سكنية فاخرة، على غرار المدن السياحية الشاطئية في العالم، وتسعى مصر من خلال المدينة الجديدة إلى دخول سوق السياحة العلاجية والتعليمية، وجذب المستثمرين للمدينة التي تستهدف، وفقا للخبراء، أثرياء العالم.
وتقع مدينة الجلالة في حضن الجبل، على بعد ساعتين تقريبا من القاهرة، بين مدينتي العين السخنة والزعفرانة، على ارتفاع 700 متر عن سطح البحر، وعلى مساحة 17 ألف فدان، وبدأت فكرة المشروع، الذي تتولى الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية تنفيذه، بفكرة إنشاء تجمع سياحي وترفيهي عالمي، ثم تطورت الفكرة ليتحول المشروع إلى مدينة متكاملة تستهدف تحقيق التنمية في هذه المنطقة، ولتنفيذ المشروع تم شق طريق في الجبل بطول 82 كيلومترا، يعتبر هو الطريق الرئيسي للمشروع إلى جانب مجموعة من الطرق الأخرى، بطول 117 كم، تتكون من طريق رئيسي يربط ما بين منطقة وادي حجول على طريق (القاهرة - العين السخنة)، ويبدأ الطريق في التصاعد حتى قمة الهضبة بارتفاع 770 متراً، ويرتبط مع طريق «بني سويف - الزعفرانة» الجديد بطول 160 كيلومترا، ويربط ما بين بني سويف على نهر النيل ومنطقة الزعفرانة على البحر الأحمر، وروعي في إنشاء هذه الطرق وسائل الأمان ضد مخاطر السيول، وتطرح مصر المنطقة للاستثمار السياحي، سواء داخل مدينة الجلالة، أو أعلى الهضبة، كما تسعى لإنشاء عقارات تصفها بـ«الفخمة» أعلى الجبل.
الدكتور وائل النحاس، الخبير الاقتصادي، أكد لـ«الشرق الأوسط» أن «مشروع الجلالة يعد مشروعا سياحيا وتعليميا متكاملا»، وقال إن «المشروع يستهدف السياحة العلاجية، كما يهتم بالجوانب التعليمية من خلال إنشاء جامعة الجلالة، إضافة إلى إنشاء كورنيش على شاطئ البحر الأحمر، شبيه بكورنيش مدينة الإسكندرية على شاطئ البحر المتوسط».
وأضاف النحاس أن «المشروع يعد مثالا لتغير الفكر السياحي في مصر، فبعدما كانت المشروعات السياحية تركز على السياحة الثقافية في فترات سابقة، تطورت المسألة إلى الاهتمام بالسياحة الشاطئية، والتي تركزت في شرم الشيخ والغردقة، وفي ظل تكدس هذه الأماكن بدأ التفكير في أماكن بديلة، ومشروع الجلالة واحد منها»، مشيرا إلى أن «مصر تستوعب المزيد من المدن السياحية، فعدد المنتجعات السياحية لا يتجاوز 150 ألفا، وهو عدد قليل مقارنة بعدد السكان والسياح».
ويتضمن مشروع الجلالة، منتجعا سياحيا فندقيا، بطاقة 300 غرفة، ومجموعة من الفيلات والشاليهات، الملحقة به، ومدينة ملاهي ومرسى يخوت، إضافة إلى تليفريك يربط بين منتجع الجلالة السياحي، ومدينة الجلالة العالمية، وجامعة تضم 13 كلية، إلى جانب مصنع للأسمدة الفوسفاتية ينتج مليون طن سنويا، ومصنع للرخام، ومحطة كهرباء كاملة وبحيرة ضخمة لتجميع مياه السيول، ومحطة لتحلية مياه الشرب. ووفقا للواء كامل الوزير، رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، فإن «هناك 100 شركة وطنية تنفذ المشروع، تحت إشراف الهيئة الهندسية، و10 مكاتب استشارية هندسية، ويعمل به 150 ألف عامل وفني ومهندس»، على حد قوله.
وقال النحاس إن «المشروع بمكوناته من شقق فندقية وسكنية فاخرة ومرسى يخوت، يستهدف الأثرياء في مصر والعالم، خاصة في ضوء ارتفاع أسعاره»، مشيرا إلى أن «المشروع يوفر كل أسباب الرفاهية والراحة عبر أماكن ترفيهية وسياحية وتلفريك، يربط بين المنتجع السياحي على البحر، والمدينة أعلى الجبل».
لكن الوزير أكد أن «المشروع يتضمن إنشاء وحدات سكنية لمحدودي ومتوسطي الدخل في مدينة الجلالة، إضافة إلى مجموعة من المدارس وعمارات للعاملين بالمشروع، ومحلات تجارية وحي للمال والأعمال، جنبا إلى جنب الإسكان المتميز».
وقال هاني يونس، المستشار الإعلامي لوزارة الإسكان، والمتحدث باسم مجلس الوزراء المصري، لـ«الشرق الأوسط»، إن «كل المشروعات الكبرى التي تنفذها الدولة تخدم محدودي ومتوسطي الدخل»، موضحا أن «مشروع مثل هضبة الجلالة هو مشروع ترفيهي سياحي، يستهدف فئات معينة من المجتمع لديها القدرة على شراء وحدات سكنية فاخرة، لكن عائد هذا المشروع وغيره من المشروعات الترفيهية أو السياحية مثل مدينة العلمين الجديدة، يستخدم في تنفيذ مشروعات لمحدودي الدخل من شقق وطرق».
وأضاف أن «وزارة الإسكان تتولى إنشاء الإسكان الاجتماعي لدعم محدودي الدخل، كما تدعم متوسطي الدخل من خلال توفير وحدات سكنية لهم بأسعار أقل من القطاع الخاص، ومن غير الممكن أو المقبول أن يتم بيع وحدات سكنية فاخرة للقادرين بأسعار أقل من أسعار السوق».
ويولي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مشروع هضبة الجلالة أهمية كبيرة، باعتباره أحد المشروعات القومية الكبرى للدولة، ويتابع سير العمل فيه بنفسه، حيث زاره أكثر من مرة كان آخرها خلال شهر سبتمبر (أيلول) الجاري، وشملت جولته الأخيرة تفقد محطة تحلية المياه بطاقة 150 ألف متر مكعب يوميا، وقام بعمل جولة فوق الكوبري العلوي وزيارة منطقة الألعاب المائية (الأكوا بارك)، ومارينا الجلالة، إضافة إلى تفقد أعمال إنشاء الجامعة ومصانع الفوسفات والرخام، ويرى السيسي أن «المشروع سيكون له أثر إيجابي على حركة الاستثمار والسياحة والصناعة، نظرا لطبيعة المنطقة التي تتميز باعتدال درجات الحرارة طوال العام، ونقاء البيئة»، وفقا لبيان صحافي أصدرته رئاسة الجمهورية المصرية حول الزيارة.
وفي إطار المشروع أنشأت الهيئة الهندسية مصنعا للأسمدة الفوسفاتية لإنتاج مليون طن فوسفات سنويا، كما يقوم جهاز الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة بإنشاء مصنع للرخام، و3 محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي لتصلح للزراعة، ومحطة كهرباء ذاتية للمشروع، وهو ما يثير بعض التساؤلات حول التأثير على البيئة في المنطقة خاصة من الترويج لها باعتبارها بيئة نقية.
ويقول النحاس إنه «من المفترض أن مشروع الجلالة يستهدف السياحة العلاجية مستغلا البيئة النظيفة والجو المعتدل، ولا توجد بيانات أو دراسات رسمية حتى الآن عن تأثير مصانع الإسمنت والرخام على البيئة».
ومدينة الرخام هي واحدة من المشروعات التي يتم تنفيذها بهضبة الجلالة، ضمن المنطقة الصناعية التي تتضمن مصانع سيراميك والإسمنت، والبتروكيماويات، وتنتج المنطقة «رخام الجلالة» المشهور عالميا، حيث يتكون جبل الجلالة من صخور قديمة تكثر بها المعادن.
وبين المشروعات الخاصة التي تنفذ بالمنطقة مشروع «المونت جلالة»، الذي تنفذه شركة تطوير مصر، ووفقا لتصريحات صحافية لأحمد شلبي، الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لشركة تطوير مصر، فإن «شركته تتوقع أن تصل إيرادات مشروع (المونت جلالة) الذي تنفذه بهضبة الجلالة، إلى 32 مليار جنيه»، مشيرا إلى أن حجم استثمارات شركته في المشروع وصل إلى 17 مليار جنيه، حيث سيتم إنشاء 8 آلاف وحدة سكنية وفندقية ضمن المشروع».