نتنياهو يستنجد بواشنطن للتهدئة مع موسكو

رغم القناعات السائدة في إسرائيل بأن حادثة سقوط الطائرة الروسية في اللاذقية تسببت في أزمة كبيرة بين موسكو وتل أبيب، تعتبر ذات بعد استراتيجي، خرج رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أمس بتصريحات تخفف من وطأة الأزمة.
وعقد نتنياهو اجتماعاً طارئاً للمجلس الوزاري الأمني المصغر في حكومته للبحث في هذه الأزمة. وطلب من وزرائه أن يصمتوا تماماً في الموضوع ولا يتفوهوا بكلمة، وترك الموضوع لمعالجته الشخصية. في حين قالت مصادر سياسية مقربة منه، إنه وبعد مكالمتين مع الرئيس فلاديمير بوتين ولقاء مطول في وزارة الدفاع الروسية لقائد سلاح الطيران الإسرائيلي، فإن الأزمة تتفاقم؛ ولذلك فإن إسرائيل لجأت إلى الإدارة الأميركية للتدخل.
وقال مقرب من نتنياهو، إن موضوع هذه الأزمة سيكون أول وأهم الموضوعات التي سيطرحها على طاولة لقائه مع الرئيس دونالد ترمب، الذي سيعقد اليوم (الأربعاء)، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
وقد أدلى نتنياهو بتصريحات، على سلم الطائرة المتجهة إلى نيويورك، بعد ظهر أمس، تجنب فيها التطرق مباشرة لإعلان روسيا عزمها إمداد دمشق بمنظومات الدفاع الجوي المتطورة «إس - 300»، خلال الأسبوعين المقبلين، لكنه قال «سنفعل ما هو ضروري لحماية أمننا ومصالحنا، وسنتخذ كل التدابير اللازمة لمنع التمركز العسكري الإيراني في سوريا. جيشنا سيواصل عملياته في سوريا. وسنواصل التنسيق الأمني بين الجيش الإسرائيلي والجيش الروسي».
ثم أكد على «مواصلة التنسيق الأمني مع القوات الروسية»، وكشف عن أنه اتفق مع بوتين على أن تجتمع طواقم من كبار ضباط الجيشين الروسي والإسرائيلي قريباً جداً. وأضاف «إسرائيل حققت خلال السنوات الثلاث الماضية نجاحاً كبيراً جداً في إجهاض التموضع العسكري الإيراني في سوريا وفي إحباط المحاولات لتحويل أسلحة فتاكة إلى (حزب الله) في لبنان، ولا يوجد سبب يمنعها من الاستمرار في ذلك».
وأشار نتنياهو إلى حادثة الطائرة، فقال «لقد كان هناك تنسيق أمني كبير وناجح مع الروس طول الوقت. لكن هذا لا يعني أنه لم تكن هناك أحداث استثنائية، لكن بشكل عام حققنا نجاحاً كبيراً جداً». وأوضح أنه «منذ وقوع الأحداث المأسوية في سماء سوريا، تحدثت مرتين مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وعبرت عن حزني العميق على فقدان حياة أفراد طاقم الطائرة الروسية التي أسقطت بنيران سورية غير مسؤولة».
وقد أصدر «الكابينيت» الإسرائيلي بياناً في ختام اجتماعه، أمس، على غير العادة، جاء فيه أن الوزراء الأعضاء «يشاركون أيضاً في الحزن العميق» على العائلات الروسية المنكوبة إثر سقوط طائرة «إيليوشن - 20» في سوريا ومقتل 15 عسكرياً روسياً كانوا على متنها. وأن «الكابينيت»، يوعز للجيش الإسرائيلي، بمواصلة العمل ضد ما أسماه «المحاولات الإيرانية للتموضع في سوريا».
لكن، وعلى الرغم من تصريحات نتنياهو، أجمع المحللون العسكريون في الصحف الإسرائيلية الصادرة الثلاثاء، على أن الأزمة بين إسرائيل وروسيا «خطيرة وعميقة»، خصوصاً بعدما تم تحميل إسرائيل المسؤولية عن إسقاط الطائرة بعد القرار الروسي إغلاق المجال الجوي السوري، وبخاصة في منطقة الساحل، حيث نفذت إسرائيل غارتها الأخيرة قرب اللاذقية وإعلان روسيا نيتها تزويد سوريا بصواريخ «إس - 300» المضادة للطائرات المتطورة.
وكتب المحلل العسكري في صحيفة «معريب»، طال ليف رام، أن «الأزمة مع الروس خطيرة وعميقة»، و«يتوقع أن يكون هناك تأثير كبير لنصب بطاريات إس - 300 على عمليات سلاح الجو وعلى المجال الجوي في المنطقة. ومسألة حرية العمل التي تمنحها روسيا لإسرائيل هي أمر حاسم. شئنا أم أبينا، فإن إسرائيل متعلقة بروسيا بهذا الخصوص. وروسيا هي دولة عظمى عالمية وإسرائيل ليست كذلك، رغم أننا نميل إلى نسيان ذلك أحياناً. ويبرز هذا الأمر خصوصاً مقابل ضعف الولايات المتحدة في المنطقة. ورغم أهمية الدعم الأميركي لإسرائيل ضد الفلسطينيين، لكن أهمية الولايات المتحدة كانت دائماً بقدرتها على توفير دعم لإسرائيل ضد دول عظمى أخرى. ويبرز جداً في الحدث الحالي عدم قيام الأميركيين بأي عمل».
ورأى المحلل العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أليكس فيشمان، أن نصب صواريخ «إس - 300» في روسيا يعني أن أي طائرة إسرائيلية تحلق في وسط إسرائيل على ارتفاع عشرة آلاف قدم «ستكون مهددة عملياً». ولفت إلى أن روسيا زودت دولاً أخرى بصواريخ كهذه، وبينها إيران وأذربيجان. ولفت أيضاً إلى أن قوات إسرائيلية عملت في تفعيل منظومة «إس - 300» إلى جانب جنود في دول اشترت هذه المنظومة. لذلك؛ فإن الجيش الإسرائيلي مستعد ومنذ سنوات لمجابهة هذه الصواريخ، ولكن طريقة عمل سلاح الجو الإسرائيلي ضد أهداف في عمق الأراضي السورية ستكون معقدة أكثر».
وأكد فيشمان، أن «مشكلة إسرائيل مقابل هذه الخطوة الروسية ليست عسكرية وإنما سياسية. فالتحديات في المستوى العسكري هي تكنولوجية وتكتيكية، وفي هذا الملعب إسرائيل جيدة بشكل لا يقل عن الروس. بل إن تدمير أهداف بشكل دقيق في الأراضي السورية يمكن تنفيذه بواسطة منظومة صواريخ وقذائف صاروخية من بعيد. إلا أنه في مقابل ذلك، لا توجد لإسرائيل في الملعب السياسي إجابة جيدة على الشرخ الحاصل مقابل الروس. وقد تفقد إسرائيل أداة استراتيجية مهمة لمكانتها في الشرق الأوسط، وهي العلاقات مع الروس التي سمحت لها بحرية العمل في سوريا حتى الآن. وهذه العلاقات، التي بنيت وتمت صيانتها طوال السنوات الثلاث الأخيرة تلقت ضربة الآن. ولم يتضح بعد حجم الضرر. والروس لا يريدون، حتى الآن، التحدث مع إسرائيل حول مستقبل العلاقات».
وكتب المحلل العسكري في صحيفة «يسرائيل هيوم» يوآف ليمور، أن «إسقاط الطائرة الروسية، قبل أسبوع، كان حدثاً تكتيكياً، ووجدت إسرائيل نفسها الآن في أوج أزمة استراتيجية يمكن أن تؤثر على مستقبل الجبهة الشمالية. وهجمة الرسائل الروسية في الأيام الأخيرة لا تُبقي مكاناً للشك حتى لدى المتشائمين في إسرائيل، الذين اعتقدوا أن الحديث عن خطأ سيعبر سريعاً. ووزير الدفاع الروسي شويغو لا يعمل في فراغ، فهو إحدى الشخصيات المحبوبة في روسيا، وخطواته منسقة بالكامل مع الرئيس بوتين».
ورأى ليمور أن أكثر ما يثير القلق ليس نصب صواريخ «إس - 300»، وإنما يجب أن يكون تجاه «التصريح غير المفسر بسدّ موجات البث اللاسلكي بحيث تقيّد الطائرات المهاجمة من منطقة البحر المتوسط. وسلاح الجو الإسرائيلي يستند إلى تقنيات متطورة، والأسلحة التي يطلقها، وبخاصة في هذه الهجمات، دقيقة وتعتمد على GPS. وليس واضحاً ما الذي يخطط له الروس، ومدى صمود الأجهزة الإسرائيلية – الأميركية أمامهم، لكن هذا تهديد يجب أخذه بالحسبان ليس فقط لأنه سيدخل روسيا وإسرائيل إلى مواجهة مباشرة، وإنما لأنه ينطوي على احتمال تشكيل خطر على حياة الطيارين الإسرائيليين وتشويش أجهزة وإفشال عمليات هجومية».
من جانبه، هاجم المحلل العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وكتب أن «نتنياهو غير قادر على جعل هذه المشكلة (مع الروس) تختفي». ورأى أنه «يبدو حتى الآن أن الخطوات الروسية ستكون بتقييد كبير لحرية العمل الإسرائيلية في سماء سوريا».
ولفت هرئيل إلى أن الطيران الحربي الإسرائيلي تدرب على مواجهة صواريخ «إس - 300» التي باعتها روسيا إلى قبرص وصواريخ كهذه موجودة بحوزة اليونان أيضاً. «وعلى الأرجح أن سلاح الجو قادر على إيجاد أساليب عمل تقلص الخطر من هذه المنظومة».