هل سيصبح موقع «ويكيبيديا» سلاح حرب المعلومات المقبل؟

إن هذا يحدث منذ نحو عقد. وقد بدأ الأمر بحلف شمال الأطلسي في عام 2009، بعد ذلك ببضع سنوات فعلتها روسيا، ثم في عام 2014 فعلها أيضا الجيش البريطاني. لقد أدركوا جميعا أن النصر حاليا يتحقق حين تراه أعين الجمهور، مثلما يحدث بين جيشين متحاربين، وأن ساحة المعركة قد امتدت من مكان موحل ووصلت إلى المدونات على الإنترنت. و«ذلك من أجل تغيير المواقف والسلوك لصالحنا» كما صرّح الجيش البريطاني. بدأ جيش تلو آخر بجميع أنحاء العالم في خوض شكل جديد من الحرب، كما رأوه، شكل يلائم عصر المعلومات. إنها حرب المعلومات. هكذا كتب الخبير التكنولوجي البريطاني كارل ميلر في «نيو ستايتسمان» بمقال مطلع الشهر.
وأضاف موضحا أنه منذ ذلك الحين بدأ الباحثون في الكشف عن ماهية هذا النوع الجديد من الحروب عملياً. ففي الصين بدأ الأمر باستعانة الحكومة بنحو مليوني شخص لكتابة 448 مليون منشور على مواقع التواصل الاجتماعي سنوياً. أما في المكسيك فتضمن الأمر إنشاء 75 ألف حساب وهمي آلي على موقع «تويتر» لتأييد الرئيس إينريك بينا نييتو. وفي تايلاند تضمن الأمر تدريب 100 ألف طالب ليكونوا بمثابة «كشّافة إنترنت» لمراقبة السلوكيات، التي يتم اعتبارها تهديدا للأمن القومي على الإنترنت، والإبلاغ عنها. وفي سانت بطرسبرغ تضمن الأمر مبنى إداريا يعجّ بأشخاص أذكياء، على دراية بالعالم الرقمي من جيل الألفية، يدفع الكرملين لكل منهم المال من أجل إدارة عشرات الهويات المختلفة على الإنترنت.
انتشر هذا النوع الغريب من التسويق ذي الطابع العسكري على المدونات، ومواقع التواصل الاجتماعي، وفي الصحافة التقليدية، وتقريبا في كل وسيلة يمكن الوصول من خلالها إلى الناس والتأثير عليهم. ومع ذلك لا يزال هناك استثناء هائل وحيد، وهو المكان الذين يزوره أكثر من مليار شخص شهريا لا بحثا عن آراء بل عن حقائق. الموقع الذي وثق فيه الناس عام 2014 أكثر مما وثقوا في محطة «بي بي سي نيوز». إنه أكثر الوجهات شعبية بعد أي بحث على المحرك «غوغل»، المصدر الذي يلجأ إليه عمالقة التكنولوجيا أنفسهم للحصول على المساعدة في تمييز الحقيقة عن الأكذوبة. لو كنت محارب معلومات، فسيكون ذلك هو أول مكان أستهدفه، مع ذلك يبدو أنه هو الأقل استهدافاً... وهو موقع «ويكيبيديا».
وعن ذلك، يقول لـ«الشرق الأوسط» إنه «يمكن لأي شخص تعديل موقع (ويكيبيديا) بطبيعة الحال، لكنه ليس هدفا سهلا. من المعروف أنه قد تصدى لمحاولات اختراق في الماضي، وكان هذا على الأرجح الانتصار الأهم لقوة (الحشود) في العصر الرقمي حتى هذه اللحظة». ويضيف: «كل عمليات التعديل والتغيير مفتوحة ومتاحة، لكن يمكن التصدي لأعمال التخريب في ثانية، ويتم إغلاق الصفحات، حيث تحمي الموقع مجموعة من الروبوتات والمحررين».
ويمتلك بعض مستخدمي «ويكيبيديا» صلاحيات فحص عناوين بروتوكول الإنترنت «آي بي»، فإذا وجد محرر صلات مريبة أو مشتبها فيها بين الحسابات، يمكنه فتح تحقيق في الهوية الإلكترونية لمنع المستخدم أو حظره. وقد حاول بعض الناس التلاعب بموقع «ويكيبيديا» منذ البداية، بينما عمل البعض الآخر من أجل منعهم.
إلا أن بحثا أجرته جامعة «ستانفورد» يوضح أن المقالات الخادعة الكاذبة الناجحة على «ويكيبيديا»، وهي التي ظلت لفترة طويلة، وانتشرت، وتمت الإشارة إليها من قبل مصادر إعلامية موثوق فيها، كانت أطول وذات روابط جيدة، وتم إنشاؤها باستخدام حسابات أقدم، ولها تاريخ أطول من عمليات التعديل والتحرير المشروعة. يعني ذلك أن الطريقة ليست البدء بمهاجمة محتوى على «ويكيبيديا»، بل باختراق المجموعة التي تعمل داخله.
وعن تلك المخاطر يقول: «من السذاجة الشديدة الاعتقاد بأن (ويكيبيديا) مؤمن تأمينا جيداً، بل يمكن القول إنه ضعيف جداً، وهذا واضح للغاية، ربما ليس من الداخل، لكنه كذلك من الخارج». يمكن لطبيعة «ويكيبيديا» المنفتحة، التي تمثل نقطة قوة كبيرة ومهمة، أن تصبح أيضا أكبر نقطة ضعف فيه.