الرياضة السعودية... قفزات هائلة ودعم تاريخي من حكام البلاد

منذ إعلان تأسيس الدولة بمسمى مملكة الحجاز وسلطنة نجد قبل إعلان التوحيد، اهتم الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن بالرياضة الأصيلة كالفروسية والهجن والحديثة كذلك. فكانت تقام سباقات الخيل والهجن في نجد والأحساء وحائل من قبل ثم في الحجاز التي عادت إليها الرياضة الحديثة ككرة القدم غير المنظمة مع دخوله إليها.
والفارق في عهده في الحجاز عمن سبقوه هو تأسيس الفرق في مدينتي مكة المكرمة وجدة، وكان لأبناء الوافدين الحظ الأكبر في نشرها وتبعهم أبناء البلاد، فبدأت ظاهرة تأسيس الفرق الرياضية الممارسة لكرة القدم، ووقتا بعد آخر دخلت الألعاب الرياضية الأخرى.
وفي عام 1351هـ الموافق 1932م وهو عام التوحيد لهذه البلاد دخلت معاملة لمجلس الشورى بطلب منع كرة القدم بسبب وفاة لاعب أثناء المباراة، وكان المسمى البلاد في ذلك الوقت مملكة الحجاز ونجد، واستمر النقاش فيها بإدارة رئيس مجلس الشورى الأمير فيصل بن عبد العزيز نائب جلالة الملك في الحجاز، لتخرج بعد أربعة أشهر وقد أصبح مسمى البلاد المملكة العربية السعودية؛ بأهم قرار في تاريخ الرياضة السعودية وهو (عدم الموافقة على منع جميع الألعاب الرياضية) كان هذا الدور النادر التاريخي من مجلس الشورى حاسما ويسجل للأمير فيصل بن عبد العزيز وزملائه.
ثم في عهد الملك المؤسس عام 1355هـ الموافق 1936م وافق مجلس الشورى كذلك على إدخال الرياضة المدرسية للمدارس واستؤجرت لذلك «أحواش» خاصة لممارسة الرياضة لعدد من المدارس واستقدم أول «مدرس تربية بدنية» من مصر تم تدبير راتبه في الميزانية.
وحضر الملك المؤسس في الظهران المباراة الوحيدة التي قدم فيها كأساً بين فريقي الاتحاد من الظهران والصومالي تشرفت أن كنت أول من نشر عنها المعلومات السابقة في كتابي التاريخ الرياضي في عهد الملك عبد العزيز المواكب صدوره مع المئوية.
وفي عهد الملك عبد العزيز تم تشكيل أول منتخب كرة قدم سعودي سافر بمعية الأمير سعود بن عبد العزيز قبل وفاة الملك عبد العزيز بستة أشهر إلى سوريا وقابل فريق الأمن السوري ومني بهزيمة ثقيلة 7 - 2.
كان المنتخب من جميع أنحاء المملكة من رأس تنورة إلى الخبر والدمام والرياض والطائف ومكة وجدة والمدرب وطني هو محمد طرابلسي الذي كان لاعباً في المنتخب كذلك.
لقد شجع الملك المؤسس الرياضة بكل أشكالها وكان يرى أبناءه وهم يشاركون في بعض المباريات التي كانت تلعب ومنها في موقع مطار الملك خالد حالياً بالرياض.
وفي عهده دخلت كرة القدم إلى الرياض منتصف الأربعينات الميلادية مع أبناء مكة المكرمة الذين انتقلوا للرياض، كانوا يخرجون نهاية كل أسبوع يلعبونها في «غبيرة» جنوب الرياض وتطوروا إلى حد أنهم أصبحوا يخططون الملعب بالنورة، فشك فيهم الأهالي أنهم يخططون مدرجاً للمطار للقيام بعمل تخريبي، بينما هم موظفون في مالية الرياض يتسلون نهاية الأسبوع!! تم القبض عليهم وسجنوا في المصمك حتى وصل الأمر بعد أيام للأمير سعود بن عبد العزيز الذي أطلق سراحهم عندما علم من هم وما هي وظائفهم فهو يعرفهم جميعاً.
كانت بدايات الرياضة متواضعة لكن أبناء الملك عبد العزيز وأحفاده كالأمير عبد الله الفيصل المهتم بكرة القدم أوكلت إليه وزارة الداخلية وأسس في عهده أول قسم للتربية البدنية والكشافة وانطلقت منه الرياضة السعودية إلى الآفاق.
كان من مشجعي الرياضة الحديثة الأمير فهد بن عبد العزيز الذي أصبح مسؤولاً عن اتحاد كرة القدم لتسعة أشهر أثناء توليه منصب وزير المعارف، وكذلك الأمير سلمان بن عبد العزيز الذي كان يقدم جوائز كساعة وقلم «باركر» للاعبين في عهد الملك عبد العزيز.
وفي عهد الملك سعود بن عبد العزيز أخذت الرياضة شكلها الرسمي وخرجت من الاجتهادات إلى التنظيم الكامل الذي كان قد بدأ جزئياً في عهد الملك عبد العزيز فزاد عدد الفرق وأصبح شكل النادي واضحاً وفق شروط أساسية فيها ملعب ومقر وعدد لاعبين ومدربين تحت ظل إدارة رياضية ترعاهم. وفي هذه المرحلة أسس الأمير عبد الله الفيصل الاتحاد السعودي لكرة القدم عام 1374هـ الموافق 1955م والتحق في الاتحاد الدولي في نفس العام بشكل مؤقت وفي العام الذي يليه 1956م تم قبوله قبولاً نهائياً. ومع تأسيس إدارة التربية البدنية والكشافة في وزارة الداخلية تم وضع نظام لجنة الحكام الرئيسية ونظام الرياضة والاتحاد السعودي لكرة القدم ونظام اللجنة الأولمبية السعودية التي أسست محليا قبل أن تلتحق بالركب الدولي بعد ذلك بـ11 عاما.
وعندما صدر نظامها كانت تحت مسمى اللجنة الاستشارية فلم يكن متاحاً استخدام الألفاظ الأجنبية الغربية، وأرسلت في عهد الملك عبد العزيز وفداً إدارياً برئاسة عبد الحق مال إلى الدورة العربية المقامة في الإسكندرية عام 1953م، وشاركت المملكة في عهد الملك سعود بحضوره في ثاني دورة رياضية عربية بمنتخبين.
وفي عهد الملك سعود بدأت الفرق الأجنبية تلعب في المملكة كما تم ابتعاث أول فرقة من الحكام السعوديين إلى مصر للحصول على شهادة التحكيم واستطاع الحكم عبد الله العلي أن يحكم مباراة دولية في السودان عام 1959م. وفي عهد الملك سعود بدأ أول دوري سعودي على كأس ما زال مستمرا إلى اليوم بتنظيم اتحاد القدم منذ ذلك الوقت حتى الآن.
وبدأت معه المسابقة الثانية التي ما زالت مستمرة إلى اليوم وهي كأس ولي العهد، كما بدأت المسابقة الثالثة وهي كأس الجهة المنظمة وما زالت مستمرة إلى اليوم.
والفارق من ذلك التاريخ إلى اليوم أنها في كل فترة تخرج بنسخة ونظام جديد مختلف وقد حرص الملك سعود على أن يشجع الرياضة من خلال حضوره مباريات كرة قدم متعددة في جميع أنحاء المملكة.
وفي عهد الملك فيصل ظهر تنظيم الأندية القائمة حالياً بشكل أفضل وتم دمج الكثير منها وتوحيد الألوان.
وتم في عهد الملك فيصل أثناء تولي الأمير فيصل بن فهد منصب مدير عام رعاية الشباب تأسيس المجلس الأعلى للرياضة والشباب بعد أن تم انتقال الرياضة إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية والتي انفصلت الرياضة في عهده منها إلى أن تكون رئاسة عامة وتأسيس الاتحادات الرياضية والانضمام للاتحادات العربية واستضافة مقراتها، والانضمام كذلك للاتحاد الآسيوي لكرة القدم.
وفي عهد الملك خالد كانت الانطلاقة العظمى في بناء ملاعب الأندية ومقراتها واحتكاك المنتخب السعودي بالمنتخبات الأجنبية ودخول أكاديمية «جيمي هيل» ودخول اللاعب الأجنبي والمدرب البرازيلي والأوروبي الذي بدأ على استحياء في عهد الملك فيصل. وفي عهد الملك فهد بن عبد العزيز تم استكمال ما بدأ في عهد سلفه وبالذات مقرات الأندية وتم حصد مرحلة البناء بالبطولات في مختلف الألعاب ودخول المنظمات الرياضية المتعددة وصناعة الموقف السعودي والفوز بكأس آسيا ودورة الخليج وكأس العرب والوصول إلى كأس العالم وتحقيق كأس العالم في كرة القدم للناشئين وتحقيق عدد من البطولات العربية والخليجية في الألعاب المختلفة وبعض الميداليات الذهبية في أولمبياد آسيا في ألعاب القوى.
> تمكين المرأة السعودية «رياضياً»... وإعادة ألعاب منعت قبل «40 عاماً»
يشكل عهد الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز ومن بعده خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز نقطة فارقة في تاريخ الرياضة السعودية، بتمكين المرأة السعودية من ممارسة الرياضة بصفة رسمية وإشراكها في منتخبات وطنية تمثل المملكة خارجيا.
وفي عهد الملك عبد الله ظهرت النوعية الجديدة من الملاعب واستكمال ما بدأه أسلافه وحققت المملكة كأس العالم لذوي الاحتياجات الخاصة والميداليات الذهبية في مسابقات ألعاب القوى، لكن الأهم هو مشاركة المرأة السعودية في دورة الألعاب الأولمبية 2012 ومشاركتها في مجالس إدارة عدد من الاتحادات الرياضية المناسبة لها، وإقامة أول انتخابات لاتحاد كرة القدم كاملة مائة في المائة برئيس منتخب وفصل اتحاد القدم عن رعاية الشباب، كما تمت بداية دراسة خصخصة الأندية بجانب تحقيق عدد من البطولات العربية في عدد من الألعاب، كان ذلك أثناء تولي الأمير نواف بن فيصل. ولما جاء عهد الملك سلمان بن عبد العزيز، تم تحويل الرئاسة العامة إلى هيئة عامة للرياضة ودخلت المرأة السعودية الملاعب بشكل أكبر وأقوى وأعيدت ألعاب قد منعت قبل 40 عاما كالشطرنج أثناء تولي المستشار بالديوان الملكي تركي آل الشيخ رئاسة مجلس إدارة الهيئة العامة للرياضة؛ وتم تأسيس ناد للإبل وواصلت الرياضة السعودية تفوقها نحو المجد والعلياء بتطوير الدوري السعودي عن طريق توجيه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بتسديد مديونية هائلة لها، وتوقيع أكبر عقد رعاية للدوري في الشرق الأوسط وزيادة عدد اللاعبين المحترفين إلى 8 والتعاقد مع محترفين عالميين، وعودة المنتخب السعودي إلى نهائيات كأس العالم بعد غياب 12 عاما.
لقد ظل ملوك المملكة العربية السعودية والأسرة الملكية الكريمة يرعون الرياضة حتى قادوها إلى العالمية التي هي دون شك صعب على كثير من الدول الوصول إليها.