على خلفية التحدي المشترك للتوجهات الأميركية، والمواجهة المشتركة لرُزَم العقوبات المتتالية على البلدين وعلى أطراف أخرى بينها إيران، اتجهت مراكز الدراسات والبحث في روسيا إلى التركيز أكثر خلال الشهور الأخيرة على اقتراب القوتين الصينية (بذراعها الاقتصادية العملاقة) والروسية (بعضلاتها العسكرية التي عرضت أخيراً في أكثر من مناسبة) من بلورة ملامح ما يطلق عليه الجانبان النواة الأولى لنظام عالمي جديد يواجه مرحلة الاحتكار الأميركي للقرار الدولي.
العدد الأكبر من الباحثين الروس يشككون بقدرة «الثنائي» القوي على حشد تأييد دولي واسع في مسار مواجهة «الهيمنة الأميركية»، خصوصاً في ظروف تؤكد أن أهداف موسكو وبكين النهائية «ليست متطابقة في مواجهتهما مع واشنطن» - وفقاً لتعليق كبير الباحثين في مدرسة الاقتصاد العليا في موسكو. مع ذلك، فإن الجهد الثنائي شهد تطوراً معيناً في هذا المسار خلال الفترة الأخيرة، وبرز من خلال تعزيز النشاط المشترك في المجموعات الإقليمية المختلفة التي ترتبط بشكل وثيق بكل من روسيا والصين مثل «مجموعة شانغهاي للتعاون»، ومجموعة التكامل الاوروآسيوي. وتضم هاتان المجموعتان خليطاً سياسياً غير متجانس في المصالح كما يبدو من النظرة الأولى، لكنه يجتمع على مواجهة تعقيدات السياسة العالمية الجديدة في ظل احتكار الولايات المتحدة القرار. غير أن نقطة الضعف الرئيسية في هذه التجمعات الإقليمية أن أهدافها متضاربة وتربط جزءاً منها علاقات وثيقة مع واشنطن؛ ما يجعلها «حليفاً مؤقتاً يمكن أن يغادر السفينة»، كما علق محلل سياسي قبل أيام في جريدة رسمية، مشيراً إلى أن بعض الجمهوريات السوفياتية السابقة، التي تربطها علاقات وثيقة مع موسكو وبكين تربطها كذلك علاقات مهمة مع واشنطن؛ وهو ما يجعلها تفضل أن تمسك «العصا في المنتصف»، وينسحب الأمر ذاته على الهند وباكستان وهما عضوان أساسيان في «مجموعة شانغهاي».
في مطلق الأحوال، ثمة قناعة بأن المرحلة التي تلت صعود التيار الذي يمثله الرئيس دونالد ترمب في الولايات المتحدة «تفرض تحديات وآليات للمواجهة»، لكنها لا تضع أساساً نهائياً لبناء تحالفات. إلا أن هذه اللهجة المتشائمة التي وردت في تقرير أصدرته مدرسة الاقتصاد العليا، القريبة عموماً في مزاجها إلى التيار الليبرالي الديمقراطي في أوروبا، لا تخفي حقيقة أن العلاقات بين بكين وموسكو تتجه نحو شراكة شاملة اقتصادياً وسياسياً. اقتصادياً مع استكمال تنفيذ الكثير من المشروعات العملاقة التي تم وضع الحجر الأساس لها في البلدين خلال السنوات الماضية، وسياسياً في مواجهة ضغوط مشتركة.
مع هذا، تبقى هذه العلاقات «مرتبطة بتقلبات السياسة الدولية على المدى البعيد؛ لأنها تقوم أساساً على مواجهة طرف ثالث، ولا تتوافر على مقومات لدفع التحالف داخلياً لدى البلدين» وفقاً لتعليق في موقع «نيوز رو» الواسع الانتشار. ويرى هذا الموقع أن كلاً من موسكو وبكين تسعى لفتح قنوات اتصال وتسوية أزماتها مع واشنطن؛ ما يعني أن التقارب رغم أهميته الاستراتيجية ما زال يحمل عناصر براغماتية لخدمة مصالح كل طرف على حدة.
حلم «النظام الدولي الجديد» يداعب موسكو وبكين
حلم «النظام الدولي الجديد» يداعب موسكو وبكين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة