ممارسة الأطفال الطقوس الدينية تمنحهم الرضا والسعادة في حياتهم اللاحقة

من المتعارف عليه في الثقافات الشرقية أن الإيمان بعقيدة معينة يجلب السلام النفسي والصفاء الروحي لمعتنقي هذه الأديان. وبالطبع يمارس الأطفال طقوس هذه الأديان تمثلاً بآبائهم، حتى مع عدم إدراكهم الكامل لمعاني هذه الطقوس أو أثرها. وعلى الرغم من انتشار اللادينية في المجتمعات الغربية والصناعية الكبرى، إلا أن أحدث الدراسات التي نشرت في شهر سبتمبر (أيلول) من العام الحالي في «المجلة الأميركية لعلم الأوبئة» (American Journal of Epidemiology) أشارت إلى أن الأطفال الذين يمارسون طقوساً دينية، بشكل منتظم، يتمتعون بالإحساس بالسعادة والرضا النفسي أكثر من غيرهم في مرحلة البلوغ.

أثر التدين
كانت الدراسة التي قام بها باحثون من جامعة هارفارد الأميركية قد خلصت إلى هذه النتائج، بعد أن قاموا بتتبع بيانات وتقارير تم أخذها من الأمهات لـ5000 طفل تتراوح أعمارهم بين الثامنة والرابعة عشرة، وقاموا بتثبيت عدة عوامل يمكن أن تؤدي إلى اختلاف النتائج مثل الحالة الصحية للأمهات، وكذلك الحالة الاجتماعية والاقتصادية للأسر، وأيضاً وجود تاريخ عائلي لتجربة تعاطي مواد مخدرة من عدمه، وإذا كان أحد أفراد الأسرة قد تعرض لحالات اكتئاب أو أمراض نفسية سابقاً، حتى يكون عامل التدين هو العامل المؤثر فقط. وتعتبر هذه الدراسة من أهم الدراسات التي تناقش أثر التدين على الأطفال.
واكتشف الباحثون أن الأطفال والمراهقين الذين يمارسون طقوساً دينية على الأقل، مرة كل أسبوع، كانوا أكثر سعادة من أقرانهم الذين لم يسبق لهم ممارسة أي طقوس دينية على الإطلاق، بنسبة بلغت 18 في المائة، في الفترة العمرية ما بين عمر 22 و30 عاماً، وهي فترة الشباب في عمر الإنسان، وأيضاً كان الأفراد المتدينون أكثر ترحيباً بالانضمام للأنشطة التطوعية في المجتمع بنسبة بلغت 29 في المائة. كما وجدت الدراسة أن هؤلاء الأطفال المتدينين كانوا أقل تعرضاً لاستخدام المواد المخدرة بنسبة بلغت 33 في المائة عن الآخرين.
وأشار الباحثون إلى أن نتائج هذه الدراسة مهمة، من حيث رصد أثر التدين على الجانب العاطفي والصحة النفسية للأطفال، كما توضح الدور المهم للعادات والتقاليد المكتسبة من الآباء، ومنها طقوس التدين بطبيعة الحال، التي تؤدى إلى نتائج صحية إيجابية واتزان نفسي وعقلي، بالبعد عن المواد المدمرة للصحة العقلية، فضلاً عن إدراكهم للسعادة في حياتهم. كما أوضحت الدراسة أنه بجانب ممارسة الطقوس الدينية في أماكن العبادة المختلفة، فإن الصلوات اليومية في المنزل كان لها أثر أيضاً في تحسين الصحة النفسية، إذ تبين أن الأطفال والمراهقين الذين يمارسون صلوات يومية على الأقل مرة واحدة يومياً كانوا أكثر من أقرانهم إدراكاً للسعادة، بنسبة بلغت 16 في المائة، وذلك في العشرينات من العمر. وخلافاً للدراسات السابقة التي كانت تشير إلى أن ممارسة الطقوس الدينية بشكل جماعي مفيد للصحة النفسية أكثر من ممارستها بشكل فردي، وجدت هذه الدراسة أنه تقريباً لا يوجد فرق في الأثر النفسي بين الحالتين.

دور صحي
وأظهرت الدراسة أيضاً أن هؤلاء الأطفال المتدينين كانوا أقل عرضة للبدء المبكر في ممارسة الجنس (sexually active)، بنسبة بلغت 30 في المائة، كما كانوا أقل عرضة للإصابة بالأمراض التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي (STDs) بنسبة كبيرة، بلغت 40 في المائة، من الذين لا يمارسون صلوات يومية أو طقوساً روحية، أياً كانت، بشكل يومي.
وأوضح الباحثون أن تربية الأطفال على الطقوس الدينية تبعاً للدراسة يمكن أن تؤدى إلى حمايتهم من الأخطار الجسدية، مثل الإقدام على الأنشطة الخطرة، أو تجربة العقاقير المخدرة، وكذلك يكون واقياً من الإحباط والتفكير في الانتحار، كما أنه يجعل هؤلاء الأطفال أكثر رغبة في مساعدة الآخرين وتقديم العون من دون مقابل.
وأوضح الباحثون أن الأمر يحتاج بالطبع إلى المزيد من الدراسات لكي تتضمن عدداً أكبر من الأطفال، كما يجب أن تتضمن الفروق بين الأميركيين من أصول بيضاء، والأميركيين من أصول أفريقية، لمعرفة إذا كان عامل اللون والعرق يمكن أن يلعب دوراً من عدمه، خصوصاً أن هذه الدراسة شملت أمهات من أصول بيضاء فقط.
وأظهرت دراسة سابقة للفريق نفسه أن الأمهات من أصول أفريقية يمارسن الطقوس الدينية بشكل أكبر من الأمهات البيضاء.
وأيضاً أغفلت هذه الدراسة دور الأصدقاء ومدى تأثيرهم على المراهقين في ممارسة الطقوس الدينية، وأيضاً في اختيار ديانة معينة ربما تكون مخالفة لديانة الآباء.
وتبعاً لهذه الدراسة، يجب أن يضع الآباء في الحسبان ضرورة التنشئة الدينية للأطفال والمراهقين، بحيث تحفظ لهم التوازن الصحي والروحي والنفسي، وتجعلهم أفراداً أكثر التزاماً بالقيم الأخلاقية الصحيحة، وأقل عرضة للتأثر بالأفكار الهدامة والسلوك العنيف والأمراض الجنسية.
وتبعاً لدراسة في عام 2001 فإن الدين يعمل كمعادل لضغوط الحياة والتوترات المختلفة، ويزيد من فرص النوم من دون اضطرابات، وأيضاً يعزز من انتماء المراهق لأسرته، حيث إن ممارسة الطقوس نفسها من قبل جميع أفراد العائلة له أثر نفسي كبير على المراهق والطفل.
وتأتي أهمية هذه الدراسة من أن نتائجها تحمل أخباراً سارة للآباء المتدينين، خصوصاً في الغرب، حيث يوجد الكثير من الجدل المثار حول ضرورة ترك حرية الاختيار للأطفال لحين البلوغ.

* استشاري طب الأطفال