مصر تبني 20 مدينة جديدة لاستيعاب 30 مليون شخص

في ظل ازدهار سوق العقارات المصرية، واعتبارها من أفضل وأكثر أنواع الاستثمار أماناً، ومع ازدياد الطلب على شراء العقارات من داخل مصر وخارجها، دخلت مصر طرفاً في سوق العقارات وبدأت في إنشاء 20 مدينة جديدة في مختلف أنحاء البلاد، لاستيعاب نحو 30 مليون نسمة، ومواجهة عشوائية البناء، وهو ما اعتبره خبراء «نقلة نوعية في حياة السكان»، مشيرين إلى أن السوق العقارية تستوعب مزيداً من المشروعات، ومطالبين بتنشيط «تصدير العقار»، وتنظيم العلاقة بين المطور العقاري والعميل.
المدن الجديدة تتولى إنشاءها هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، التابعة لوزارة الإسكان المصرية، ومن المقرر إنشاؤها على مساحة 580 ألف فدان، وفقاً لتصريحات الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري، ووزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، الذي أكد أن هذه المدن «تستوعب 30 مليون نسمة، وتوفر ملايين من فرص العمل»، ويأتي إنشاؤها ضمن ما يعرف بـ«مدن الجيل الرابع»، التي «تراعي توفير حياة أفضل للمواطن، من خلال فرص سكن واستثمار وعمل، وتعمل على مواجهة النمو العقاري غير المخطط أو العشوائي»، على حد تعبير مدبولي.
الدكتور تامر ممتاز، الخبير الاقتصادي واستشاري التخطيط والإدارة، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «سوق العقارات في مصر تسمح بهذه الزيادة وأكثر منها»، مشيراً إلى «إقبال الناس على شراء العقارات وحجز وحدات سكنية وإدارية في أي مشروع سكني يتم الإعلان عنه، ما يعني أن حجم الطلب ما زال أكبر من حجم العرض»، على حد قوله.
وأوضح ممتاز أن هذا الإقبال يرجع لعدة أسباب أولها «الاستثمار»، أو «تسقيع الوحدات السكنية والأراضي»، وفقاً للتعبير الدارج، وقال إن «كثيراً من المواطنين يتعاملون مع العقار باعتباره نوعاً من الاستثمار، ويشترونه بهدف البيع عندما ترتفع قيمته»، أما السبب الثاني، فهو «الحاجة لهذا العقار لأغراض سكنية أو تجارية».
ووفقاً للإحصاءات الرسمية، فإن السوق العقارية المصرية تحتاج إلى 200 ألف عقار سنوياً. وقال تقرير رسمي أصدره الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر عن حجم الاستثمارات في القطاعات المختلفة خلال الربع الثاني من العام المالي 2017/ 2018، إن «قطاع العقارات استحوذ على 14.4 في المائة من إجمالي الاستثمارات في القطاعات المختلفة»، وهذه أعلى نسبة بين قطاعات الاستثمار المختلفة. وقالت وزارة الاستثمار إن «قطاع العقار أسهم بـ15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2017».
وتأتي مشروعات وزارة الإسكان الجديدة محاولة لـ«الخروج من الوادي الضيق»، الذي سكنه المصريون على مدار العقود الماضية، على حد قول ممتاز، مشيراً إلى أن «هذه المدن تعد نقلة نوعية كبيرة للسكان».
ووفقاً لما أعلنته وزارة الإسكان، فإن المدن الجديدة هي العاصمة الإدارية الجديدة وتجمع جنوب القاهرة الجديدة في محافظة القاهرة، و6 أكتوبر الجديدة وحدائق أكتوبر وامتداد الشيخ زايد وسفنكس الجديدة والوراق الجديدة في محافظة الجيزة، والعبور الجديدة في محافظة القليوبية، والعلمين الجديدة في محافظة مطروح، والمنصورة الجديدة في محافظة الدقهلية، وامتداد النوبارية الجديدة في محافظة البحيرة، وشرق بورسعيد «سلام» وغرب بورسعيد في محافظة بورسعيد، وبئر العبد الجديدة في محافظة شمال سيناء، والفشن الجديدة في محافظة بني سويف، وملوي الجديدة في محافظة المنيا، وغرب أسيوط في محافظة أسيوط، وغرب قنا في محافظة قنا، والأقصر الجديدة في محافظة الأقصر، وتوشكى في محافظة أسوان.
وعلى مدار السنوات الماضية، تم إنشاء كثير من المدن والتجمعات العمرانية الجديدة، لكن ذلك لم يفلح في الحد من التكدس حول الوادي الضيق، وظل كثير من هذه التجمعات خصوصاً في الجنوب خاوياً، نظراً لارتباط المصريين بالسكن حول مقار عملهم.
الدكتور ممتاز يرى أن هذه المدن الجديدة ستكون مسكناً «لمن يرغبون في العزلة والبعد عن الزحام والضجيج، وقد تجذب من وصلوا إلى سن المعاش ولم يعودوا مرتبطين بأعمال داخل المدن القديمة»، مشيراً إلى «ضرورة الحرص على توفير فرص عمل داخل هذه المدن الجديدة لجذب الناس إليها».
ويبدو أن مشروعات مدن الجيل الرابع تراعي هذه النقطة، فوفقاً لتصريحات المهندس عبد المطلب ممدوح، نائب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة لتنمية وتطوير المدن، فإن «العاصمة الإدارية الجديدة تتضمن إنشاء 20 برجاً بأغراض تجارية وإدارية، كما تتضمن حياً حكومياً يضم مؤسسات الدولة الرسمية، وفي السياق نفسه فإن مدينة 6 أكتوبر الجديدة تضم مشروعات عمرانية متكاملة، وسوقاً للجملة، وميناء جافاً، ومدينة للحرفيين».
وأشار المهندس وليد عباس معاون وزير الإسكان لشؤون هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، إلى أن «مدينة العلمين الجديدة تضم أنشطة سياحية وسكنية متنوعة، أما مدينة توشكى الجديدة فتضم منطقة صناعية وأخرى لوجيستية، ومنطقة جمعية المستثمرين الصينيين بمصر، وأنشطة تصنيع غذائي»، على حد قوله.
ورغم ذلك، فإن معظم مخططات المشروعات الأخرى حتى الآن هي مخططات سكنية بالدرجة الأولى، مع توفير خدمات متنوعة من مراكز تجارية ومدارس ومستشفيات، وتأتي العاصمة الإدارية الجديدة، ومدينة العلمين الجديدة في مقدمة هذه المدن، حيث يجري إنشاؤهما حالياً، وطرح وحداتهما السكنية والإدارية للبيع، بأسعار مرتفعة نسبياً، حيث أسهمت الطفرة العقارية الأخيرة في رفع أسعار العقارات، خصوصاً مع ارتفاع أسعار مواد البناء.
واعتبر الدكتور ممتاز هذا الارتفاع في الأسعار «مفيداً»، حيث «تستخدم الدولة عائدات بيع الأراضي والعقارات لشركات التطوير العقاري في توفير خدمات أفضل للمواطنين في مجالات الطرق والصحة والتعليم»، على حد تعبيره، مشيراً إلى أن «الثقة التي تتمتع بها هذه الشركات ونوعية المشروعات التي يتم إنشاؤها من أبراج وخدمات سياحية، أسهمت في رفع الأسعار».
في المقابل، طالب ياسر شعبان الخبير العقاري، بأن تساعد الدولة في تسويق هذه العقارات، وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «الحل في تصدير العقار، ولا بد من أن توجه الدولة جهودها نحو هذا الجانب، فأسعار العقارات في مصر لا تعتبر مرتفعة إذا تمت مقارنتها بأسعار العقارات في الخارج تحديداً في دول الخليج، مع الأخذ في الاعتبار فارق العملة»، مشيراً إلى أن «سوق العقارات في مصر بوضعها الحالية جاذبة للمستثمرين من دول الخليج»، لكن «الأمر يتطلب إلى جانب التسويق، العمل على تنظيم العلاقة بين المطور العقاري والعميل بشكل قانوني بما يكفل حقوق الطرفين».
وفي ظل هذه الطفرة العقارية وكثرة المشروعات في مختلف محافظات مصر، فإن بعض الخبراء يتوقعون أن تشهد السوق المصرية أزمة في الفترة المقبلة، فيما يعرف بالفقاعة العقارية، إذ إن معظم المشروعات يتم بيعها بتسهيلات في السداد تصل إلى 10 سنوات، وتعتمد شركات العقارات في استكمال المشروعات على الدفعات والأقساط التي يدفعها حاجزو الوحدات السكنية.
ويوضح ممتاز أنه «نتيجة لارتفاع نسبة التضخم، فإن قيمة العقار ما زالت أعلى من قيمة الدين، إضافة إلى أن عدد الوحدات الممولة عقارياً ليس كبيراً»، وقال إن «السوق العقارية المصرية هي من تقود التنمية وتوفر فرص عمل لكثير من المواطنين».
وتواصل وزارة الإسكان المصرية العمل في المدن العشرين بالتوازي بهدف الانتهاء منها في أقرب وقت ممكن، في إطار ما يوصف بـ«الطفرة العقارية» التي تشهدها السوق المصرية.