محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

إيماءات «سوبرمان» الخادعة!

يبدو أن الرجل الخارق «سوبرمان» قد خدعنا في أفلامه، ليس بسبب أساطير صولاته وجولاته؛ بل لأنه أضلنا بوقفته «المسيطرة أو المهيمنة» التي يربع بها ذراعيه على صدره، ويباعد بها بين ساقيه.
هذه الوقفة «السوبرمانية» كثيراً ما تثير استغرابي؛ خصوصاً إذا صاحبتها نبرة صوت واثقة، وكأن صاحبها لا يفقه شيئاً مما يقول، أو يمعن في الكذب من دون ذرة حياء تحترم عقل المتلقي.
تأملت هذه الحالة وغيرها من إيماءات كثيراً؛ لأن بعضها مرتبط بتوريطنا في شراء سلعة أو خدمة لا نحتاجها، أو دفعنا دفعاً نحو الإمضاء على عقد ملزم، سرعان ما نكتشف لاحقاً أنه كانت تقف وراءه «تمثيلية لغة جسد» لتعكس ثقة زائفة بالنفس.
والأخطر حينما يخدعنا البرلماني أو السياسي «السوبرماني»؛ خصوصاً ممن يقدم منفعته الشخصية أو الحزبية على مصلحة الوطن. وهو ما انتبه إليه الباحث ماركوس كوبنشتاينر من جامعة فيينا، فعرض خطابات حقيقية لسياسيين، طمس وجوههم وحول مقاطعهم إلى ما يشبه الرسوم المتحركة، ليعرف وقع الإيماءات علينا كمتلقين. فاتضح من المشاركين أن اليد تتحدث معنا لتولد انطباعات ربما لم نكن نتوقعها أو نقصدها. مثل بسط الذراعين التي تعطي انطباعاً بطول القامة، بخلاف الحقيقة، وكذلك الحركات الواثقة. وهو ما يذكرنا بالنجم الهوليوودي توم كروز، الذي لا يعلم البعض أنه قصير القامة، رغم إيماءاته وحركاته الكارزماتية التي توحي بعكس ذلك. ويرانا الناس حينما نحرك أيدينا بهدوء وتؤدة أكثر سلاسة في التعامل.
كما أن السلطة والنفوذ يتولدان في أذهان الناس، عند حركة يدي الخطيب بشكل رأسي ومرتفع عن مستوى كتفيه. وإن كنت أرى أن المبالغة في حركات اليدين وفرط الحركة يولد لدي شخصياً شعوراً بارتباك المتحدث؛ لأن حركات يده المتكلفة والسريعة لا تتناغم مع عباراته ومشاعره الداخلية.
وأرى أن ربكة حركة اليدين قد يكون سببها عدم التحضير الجيد، فكلما حضر المرء وأحسن التدريب المسبق ستتواءم إيماءاته مع ما يقوله؛ لأن ذهنه سيُصبِح أقل تشتيتاً. ولحسن الحظ أن الدراسة نفسها اعترفت بأن اليدين لا تظهران كل خصال المرء، مثل مدى تحليه «بضمير حي»؛ بحسب دراسة كوبنشتاينر التي بثتها «بي بي سي».
الإيماءات عموماً مهمة، ولا يجب إغفالها، وقد ظهر ذلك جلياً على مسارح منتدى خطب «TED» الملهمة في العالم، بعد أن تبين أن أكثر المشاهدات كانت من نصيب الخطب التي صاحبتها إيماءات وإشارات بنسبة ضعف تلك التي لم يظهر خطباؤها لغة الجسد نفسها، بمعدل 272 تقريباً.
غير أن الاكتفاء بالحكم على ‏الإنسان من إيماءاته فيه إهانة بالغة له؛ لأن نظرتنا للإيماءات قد تختلف من شخص لآخر ومن بيئة لأخرى. فالعربي المحافظ – مثلاً - حينما يغض بصره عن فتاة غربية تصغي إليه، قد تظنه يكذب أو أنه غير واثق بنفسه. والهندي حينما يحرك رأسه بالموافقة بطريقة أفقية، تفهم في معظم الثقافات بأنها إيماءة رفض.

[email protected]