تجدد احتجاجات البصرة... وبارزاني يدعم حراكهم

قائد العمليات يتهم «عصابات» باغتيال المتظاهرين... والعبادي يشكّل لجنة تحقيق

محتجون عراقيون يقومون باضرام النيران أمام مبنى المحافظة في البصرة امس (أ.ف.ب)
محتجون عراقيون يقومون باضرام النيران أمام مبنى المحافظة في البصرة امس (أ.ف.ب)
TT

تجدد احتجاجات البصرة... وبارزاني يدعم حراكهم

محتجون عراقيون يقومون باضرام النيران أمام مبنى المحافظة في البصرة امس (أ.ف.ب)
محتجون عراقيون يقومون باضرام النيران أمام مبنى المحافظة في البصرة امس (أ.ف.ب)

لم تفلح الإجراءات الأمنية المشددة، وإعلان السلطات حظر التجول، في منع تجدد المظاهرات الاحتجاجية في مدينة البصرة، وإن كانت أقل حدة من يوم أول من أمس الذي شهد مقتل وجرح العشرات. ولقيت الاحتجاجات الشعبية الهائلة الداعية لتحسين الخدمات، صدى كبيرا في الأوساط الرسمية والشعبية، ودخل الزعيم الكردي مسعود بارزاني على الخط بإعلان دعمه مطالب المحتجين، فيما شكل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لجنة تحقيق في الأحداث.
وانتهى اليوم العصيب الذي مر على البصريين أول من أمس، بإصابة ما لا يقل عن 68 شخصا ومقتل كثيرين، غالبيتهم من الشباب المتظاهرين ضد سوء الخدمات وتلوث مياه الشرب. وقالت وزارة الصحة إن الإصابات كانت بواقع 41 مدنيا و27 عسكريا، وإن 5 أشخاص من المدنيين سقطوا قتلى. لكن مصادر أخرى ترجح تجاوز العدد سقف 100 إصابة، وتتحدث عن مقتل 8 أشخاص.
ويقول «المركز العراقي لحقوق الإنسان» إن 80 في المائة من الإصابات «خطرة جدا، وأغلبها في الرأس والفم». الأمر الذي يعزز فرضية أن القوات الأمنية «تعمدت» إيقاع الأذى بالمتظاهرين؛ كما تقول بعض المصادر.
وتجددت المظاهرات أمس قرب مباني الحكومة المحلية في البصرة وسط إجراءات أمنية مشددة وغير مسبوقة. وفرضت القوات الأمنية أطواقا متعددة في محيط تلك المباني خشية وقوع تطورات كالتي حدثت أول من أمس. وتحدثت مصادر صحافية عن قيام القوات الأمنية بإطلاق القنابل المسيلة للدموع على المتظاهرين.
وأفادت أنباء أخرى من البصرة بقيام بعض المتظاهرين في ساعة مبكرة من أمس، بإضرام النار أمام قائمقامية الزبير بالبصرة، فيما قامت القوات الأمنية بتطويق المكان. كما شهدت المحافظة خروج مظاهرات أمام «مشروع ماء البصرة الكبير» في ناحية الهارثة.
وردا على الاتهامات التي وجهها المتظاهرون إلى قائد عمليات البصرة جميل الشمري ورفع دعوى قضائية ضده بتهمة استعمال الشدة وقتل المتظاهرين، عقد الشمري أمس مؤتمرا صحافيا أوضح فيه قيام «بعض المجموعات باستخدام عصاباتها لغرض اغتيال المواطنين وإشعال الفتنة داخل البصرة».
وقال الشمري خلال المؤتمر إن «قيادة عمليات البصرة والدولة تقف مع المتظاهرين، وأنا شخصيا أدعم المظاهرات بشكل غير محدود»، عادّاً أن «صيغة مظاهرات (أول من) أمس اختلفت وكانت غير سلمية».
وأضاف أن «القوات الأمنية كانت مهيئة الماء والورد والأعلام العراقية بهدف توزيعها على المتظاهرين، لكننا فوجئنا بقيام مجموعة منهم برمي الرمانات اليدوية وحرق العجلات العسكرية ومبنى المحافظة والاعتداء على المواطنين». وتابع أنه «بعد ذلك تطورت إلى القيام باغتيالات بواسطة عجلة بيضاء، الأمر الذي دفعنا إلى فرض حظر للتجوال».
وكان رئيس الوزراء حيدر العبادي أبدى، أول من أمس، أسفه على ما حصل، وأمر بالتحقيق في الاشتباكات التي وقعت بين المتظاهرين والقوات الأمنية.
من جانبها، أكدت رئاسة محكمة استئناف البصرة الاتحادية على تولي محكمة تحقيق قضاء العشار التحقيق في جرائم قتل المتظاهرين في المدينة والاعتداء على الأجهزة الأمنية. وأصدر المتحدث باسم مجلس القضاء عبد الستار بيرقدار بيانا قال فيه: «قضاة التحقيق سيتخذون الإجراءات القانونية بحق الفاعلين ومن ساهم فيها أو دفع بأي وسيلة شخصاً إلى تنفيذ الفعل المكوّن للجريمة تطبيقا للقانون وتحقيقا للعدالة».
وتركت أحداث أول من أمس صدمة كبيرة داخل الأوساط الرسمية والشعبية في عموم العراق نتيجة المستويات العالية من العنف التي اتسمت بها، سواء من قبل المتظاهرين الذي عمدوا إلى إحراق مبنى المحافظة، أو قوات الأمن التي استخدمت مختلف الوسائل لتفريق المتظاهرين، ضمنها الغازات المسيلة للدموع والرصاص الحي.
ولأول مرة منذ سنوات، وجه رئيس إقليم كردستان السابق مسعود بارزاني، أمس، رسالة إلى أهالي البصرة، أيد فيها مطالبهم وعدّ أنها «بسيطة وليست تعجيزية». وقال بارزاني في رسالته: «إننا نؤكد دعمنا لأهالي البصرة، ومستعدون لإيصال المساعدات الإنسانية»، وأبدى استغرابه من أن «أغنى مدن العراق تشتكي من قلة المياه والخدمات». وأعرب بارزاني عن أسفه لـ«قتل أبناء البصرة في المظاهرات التي تحصل في المدينة».
إلى ذلك، أكد أحمد الصافي، ممثل المرجع الديني علي السيستاني الموجود في البصرة، أنه «يواصل الليل بالنهار لحل أزمة المياه». وقال في تصريحات لـ«شبكة الكفيل» التي تديرها «العتبة العباسية»: «كُلّفنا من قبل سماحة المرجع الديني الأعلى السيّد السيستاني بمهمّة محدّدة، وهي مساعدة أهلنا في البصرة لتجاوز محنتهم الكبرى فيما يخص مسألة المياه».
من جهته، أعرب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لدى العراق (المنتهية ولايته) يان كوبيتش، أمس، عن قلقه الشديد لمقتل عدد من المتظاهرين البصريين بنيران القوات الأمنية، داعيا إلى التهدئة والإسراع بتشكيل الحكومة لمعالجة المشكلات في البلاد.
وقال كوبيتش في بيان: «نعرب عن قلقنا الشديد إزاء وقوع ضحايا أثناء احتجاجات عنيفة على نقص الخدمات العامة الحيوية في محافظة البصرة، ونقدم تعازينا لأسر الضحايا الذين سقطوا، متمنين الشفاء العاجل للجرحى».
وحث السلطات على «تجنب استخدام القوة غير المتناسبة والقاتلة ضد المتظاهرين، وتوفير الحماية اللازمة لأهل البصرة، وضمان حقوق الإنسان في سياق حماية القانون والنظام، والتحقيق مع أولئك المسؤولين عن اندلاع أعمال عنف».
وفي بغداد، دعا «الحراك المدني المستقل»، أمس، المواطنين عموما إلى «الخروج بمظاهرة تضامن وإسناد لبصرتنا الصابرة رفضا للظلم والقتل لأبنائها على يد القوات الأمنية من دون وجه حق» وحددت دعوة «الحراك» يوم غد الجمعة موعدا للتظاهر في جميع المحافظات العراقية.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.