«الشرق الأوسط» في مهرجان فينيسيا الدولي: عروض ما بعد ليلة الافتتاح تتوالى بين فيلمين وحكايتين إحداهما فقط جيدة

جولييت بينوش وغويليوم كارنيه في «ليس خيالاً»
جولييت بينوش وغويليوم كارنيه في «ليس خيالاً»
TT

«الشرق الأوسط» في مهرجان فينيسيا الدولي: عروض ما بعد ليلة الافتتاح تتوالى بين فيلمين وحكايتين إحداهما فقط جيدة

جولييت بينوش وغويليوم كارنيه في «ليس خيالاً»
جولييت بينوش وغويليوم كارنيه في «ليس خيالاً»

الإعلان الكبير حول الدورة الأربعين لمهرجان القاهرة السينمائي تصدّر غلاف العدد الأول من مجلة «فاراياتي» الصادر هنا. قيمته ليست في تصميمه الفني لكن في كونه إعلانا جاء في الوقت المناسب، وفي المجلة العالمية التي تصدر أعدادها الخاصة يومياً عن مهرجان فينيسيا، الذي يشير إلى ما يشبه الولادة الجديدة لمهرجان شهد ماضيا من الأمجاد وآخر من الإخفاقات.
دورة مهرجان القاهرة الأربعين، تحت إدارة المنتج محمد حفظي، ستقام ما بين 20 و29 من نوفمبر (تشرين الثاني) هذا العام. ولدى صانعي الأفلام، عرب أو سواهم، حتى 23 سبتمبر (أيلول) لكي يتقدموا بأفلامهم.
من ناحيته، فإن مهرجان الجونا في دورته الثانية متواجد في مهرجان فينيسيا ليختار آخر نخبة من الأفلام التي سيعرضها في دورته الثانية. يقول رئيسه الفني إنتشال التميمي إنه استحوذ على عدد من أهم الأفلام التي عرضت في مهرجاني برلين و«كان»، كما على عدد من الأفلام العربية التي لم تعرض في أي مهرجان آخر بعد.
هذا مشجع لاعتبارات عدة، من بينها أن قدم المهرجان في دورته المقبلة ما بين 20 و29 من الشهر القادم باتت ثابتة، ولم يتطلب الأمر أكثر من دورة ناجحة واحدة في العام الماضي.
- مهارة
هنا على جزيرة الليدو في مقاطعة فينيسيا الكبيرة تتوالى عروض ما بعد فيلم الافتتاح. ومن الأسماء الكبيرة التي عرضت أفلامها المكسيكي ألفونسو كوارون والفرنسي أوليفييه أساياس.
ألفونسو كوارون كان افتتح دورة 2013 هنا بفيلم كبير عنوانه «جاذبية» (Gravity)، لكنه يشترك في عداد الأفلام المتسابقة بفيلمه الجديد (والأول من ذلك الحين) وهو «روما» الذي هو سرد لحقبة من حياة المخرج الخاصّة عندما كان ولدا صغيراً.
عنوان الفيلم لا علاقة له بمدينة روما، بل بضاحية كولونيا روما في العاصمة المكسيكية. والأحداث تقع في مطلع الستينات والتصوير بالأبيض والأسود وقام به المخرج بنفسه وكتب السيناريو وشارك في التأليف كذلك. واستخدم كاميرا من نوع ARRI ALEXA بمقاس عريض «65 مم»، وصوّر في منزل واسع مؤلف من طابقين تعيش فيه عائلة وخادمتان.
الخادمة كليو «ياليتزا آبريكيو» شابة من السكان الأصليين (هنود المكسيك)، كذلك الخادمة الأخرى الأكبر سناً، بينما العائلة ذاتها إسبانية الأصول. تتعرّف كليو على شاب يعاشرها فتحبل منه بعد حين، لكنه يتركها ويعود إلى البيئة الهندية التي جاء منها. ستحمل كليو خبر حبلها إلى ربة البيت صوفيا «مارينا دي تافيرا» التي توصي بقبول الواقع. ذات يوم تقصد الجدة وكليو متجراً في الحي لشراء سرير صغير للطفل المنتظر. خلال تواجدهما في المحل تقع مواجهة بين الأمن والمتظاهرين، ويلاحق رجال أمن مدنيون أحد المتظاهرين إلى داخل المتجر ويقتلونه. سواء نتيجة الصدمة أو نتيجة الإجهاد فإن الطفل يولد، في اليوم نفسه، ميتاً.
هناك كثير مما يقع بين كل منعطف قصصي وآخر. مشاهد من بيئة المدينة في الستينات تحاكي أخرى للريف أو المناطق البعيدة أو الساحل، وفي كل منها تتوالى أحداث مهمّة تجعل من غير الممكن اعتبار تلك المشاهد سياحية حتى نوستالجية.
كوارون يورد بثقة وسهولة ما يحدث في البيت الكبير وعلاقة الأفراد المختلفين بعضهم ببعض، وذلك الحب الأسري الذي يربط بين العائلة والخادمة التي في مشهد متأخر من الفيلم ستنقذ حياة الفتاة الصغيرة من الغرق في مشهد رائع التنفيذ استخدم فيه المخرج تراكينغ شوت «لقطة طويلة تتحرك أفقيا موازية تحرك الموضوع الذي تصوّره» بمهارة. في الواقع، مدارك المخرج في كيفية صهر المضمون وأحداثه وتوليه تقديم الحكاية ومعالجة مشاهده المختلفة أكثر إثارة للاهتمام مما يرد على الشاشة في سياق القصّة ذاتها.
طبعا هي حكاية عاطفية المدلولات وفيها بعض السياسة حول كيف يعيش المواطنون الأصليون بلا حياة مدنية عصرية وحول ثورة تخمدها أجهزة القمع الأمنية، لكن كوارون لم يرد فيلما بعيدا عن ذكرياته هو. في ذلك السن المبكر، لم يكن الصبي مكترثا لما يقع في الشارع أو على صعيد الفوارق الطبقية، وهو لن يخون الحقيقة لكي يقدّم فيلما سياسي التوجه.
يبني المخرج فيلمه على محطات متباعدة من الأحداث. ليست هناك حبكة ولا هو بصدد صنع فيلم تقليدي وهذا أيضا يأتي في عداد ما يرد في الذاكرة الشخصية. إنه يتذكر مرحلة وليس حكاية. رغم هذا فإن المشاهد قد يشعر بالتعب من جراء مشاهدة حالات مختارة لا تتوحد تحت قبضة الحبكة الواحدة، لكن ما بين خيانة الذات لتحقيق فيلم أكثر جماهيرية وبين الالتصاق بواقع معبّر عنه بحس توّاق للحنان والألفة لا يخلو من الشعر بصريا فإن اختيار المخرج كان واضحا وصائباً.
- حديث طويل
هذا على عكس ما يحدث في فيلم أوليفييه أساياس «ليس خيالاً» (Non‪ - ‬Fiction)، فيلمه الأول منذ أن قدم «برسونال شوبينغ» سنة 2014 قبل عامين.
كنت أخشى أن أداهم بفيلم يتميّز بالثرثرة وهذا ما حصلت عليه. فيلم أساياس الجديد هذا ليس فقط فيلما فرنسيا خالصاً، من حيث ثقافة ما يدور حوله، بل فيلم مثرثر كما في كثير من الأفلام الفرنسية التي داومنا مشاهدتها. ليس أن ما يقال ليس مهماً لكنه بالتأكيد ليس ملهماً.
يدور «ليس خيالاً» حول عالم النشر كمحيط عام. نواته هنا ناشر اسمه آلان (غويليوم كانيه) وزوجته سيلينا (جولييت بينوش) والمؤلف ليو (فنسنت ماسين) وزوجته فاليري (نورا حمزاوي). في مطلع الفيلم 8 دقائق من الحديث حول الرواية التي قدّمها المؤلف للناشر ورفضها الثاني. جزء منه يقع في المكتب والآخر في المطعم، وأماكن التصوير في مجملها بعد ذلك داخلية باستثناء المشاهد الأخيرة بعد نحو ساعتين. حين ينقل المؤلف إلى زوجته نبأ رفض الناشر (الذي سبق أن نشر للمؤلف روايات سابقة) تستقبل ذلك كأمر واقع وإن كانت ستحثه على تغيير الأحداث لعلها تلقى اهتمام الناشر. في كل الأحوال لا يستطيع ليو باعترافه أن يكتب من وحي خياله، بل مما يقع معه فقط (من هنا عنوان الفيلم) خصوصا بالنسبة لعلاقاته الغرامية. هذا لا يتطلب موهبة ولو أنه يبيع في سوق الكتب الفضائحية.
لكن عندما ينقل الناشر لزوجته سيلينا قراره رفض رواية ليو الجديدة تعارض قراره وإن كانت لا تود لنفسها أن تبدو مندفعة لتغيير رأي زوجها. لكن موقفها غير ناتج عن قناعتها بأن الرواية «كما قرأت ملخصها» جيدة، بل لأنها مرتبطة بعلاقة عاطفية مع ليو. في الوقت ذاته نجد أن الزوج آلان مرتبط بعلاقة مع مديرة قسم الشؤون التكنولوجية في الشركة لور «كريستا تيريت» التي لديها عشيقة كونها «أيضاً» مثلية. الوحيدة التي تحترم الحياة الزوجية وأمينة لزوجها هي فاليري، وعلى عكس المتوقع، كونها تعرف خيانات زوجها وتعامله ببرود أحياناً.
هناك حديث طويل «وكل أحاديث الفيلم طويلة» حول ما حدث لعالم النشر حيال التقدم التكنولوجي الذي يتيح للفرد قراءة كتاب على هاتفه المحمول عوض شرائه. لكن الحديث الأطول هو عن تلك الخيانات الزوجية وما يتخللها على نحو يصلح لسهرة تلفزيونية مصوّرة.
كون الفيلم مبني على الحوار يكشف السبب في أن مثل هذه الأفلام لا يمكن لها أن تنتقل من وضعها كأفلام إلى مصاف أعلى كسينما. فعندما يفرض السيناريو مشاهد متوالية من الحوارات فإن المخرج عليه أن يتبع سبيلا كلاسيكيا لمعالجة ذلك، يقوم على منح كل ممثل لقطة خلال حديثه. ثم لقطة للشخص الآخر حين يتحدث. والمشاهد تمضي على هذا النحو، لقطة لواحد ثم لقطة للآخر، بتقاطع ممل يؤدي إلى غياب الفن في مجمله وتقويض الدراما إلى حد يصبح معها العمل مجرد بث إذاعي مصوّر أو قريب من ذلك.


مقالات ذات صلة

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)
يوميات الشرق فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)

«الحريفة 2» ينعش إيرادات السينما المصرية في موسم «رأس السنة»

شهدت دور العرض السينمائي في مصر انتعاشة ملحوظة عبر إيرادات فيلم «الحريفة 2... الريمونتادا»، الذي يعرض بالتزامن مع قرب موسم «رأس السنة».

داليا ماهر (القاهرة )

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».