لبنان: أزمة القطاع العقاري تتمدد إلى عمالة البناء ومستلزماته

المصارف منحت 131 ألف قرض وديون المطورين نحو 10 مليارات دولار

أظهر أداء القطاع العقاري في لبنان خلال النصف الأول من السنة الحالية تباطؤا صريحا في الحركة السوقية
أظهر أداء القطاع العقاري في لبنان خلال النصف الأول من السنة الحالية تباطؤا صريحا في الحركة السوقية
TT

لبنان: أزمة القطاع العقاري تتمدد إلى عمالة البناء ومستلزماته

أظهر أداء القطاع العقاري في لبنان خلال النصف الأول من السنة الحالية تباطؤا صريحا في الحركة السوقية
أظهر أداء القطاع العقاري في لبنان خلال النصف الأول من السنة الحالية تباطؤا صريحا في الحركة السوقية

تتخطى أزمة قطاع البناء بوتيرة متدحرجة النطاق الضيق، والمحدد بضمور عرضي للطلب مقابل فوائض المعروض، لتضرب في عمق وظائف العمالة البشرية ومداخيلها من تجار ومزودين ومكاتب هندسية ومحترفين واختصاصيين وعمال ووسطاء، وتتمدد بقوة إلى المستلزمات الخاصة بالبناء وإتمامه من أدوات صحية وكهربائية وبلاط ودهانات وألمونيوم وحديد صناعي وأخشاب وسواها، والمقدرة بنحو 40 عنصرا أساسيا ومثلها عدد من العناصر المكملة، بدءا من المكونات الأساسية، ووصولا إلى مفتاح الباب الرئيسي للشقة.
وإذا كان إيقاف القروض السكنية المدعومة من قبل مصرف لبنان المركزي، بمنزلة القشة التي أثقلت حمولة القطاع فكبحت انفلاشه، فهي كشفت، في الوقت عينه، المحتوى الفراغي للفقاعة العقارية التي قادت أسعار الشقق السكنية والتجارية في السنوات الماضية إلى ارتفاعات قياسية، بحيث راوح سعر المتر المربع في نطاق العاصمة بين 2500 و5000 دولار، وتجاوز 10 آلاف دولار في الأحياء الراقية ووسط بيروت، أي بما يفوق بأضعاف متوسطات المداخيل للعاملين في القطاعين الحكومي والخاص، حيث يبلغ الحد الأدنى للأجور نحو 600 دولار. ولم تنفع فيه الزيادات الكبيرة التي نالها موظفو القطاع العام، كون الزيادة مستجدة ولا تكافئ الأقساط المرتفعة، وأيضا يشكل موظفو القطاع نحو 15 في المائة فقط من إجمالي القوى العاملة.
وتنبه تقييمات مصرفية ومالية إلى مسؤوليات وازنة لأهل القطاع العقاري، من مطورين وتجار بناء، في تفاقم أزمته. فقد استفاد القطاع من ضخ رزم التمويل من قبل البنك المركزي، ولم يتحسب أغلبهم إلى تبدل الأولويات، بسبب تواصل الركود الاقتصادي وتنامي الصعوبات التي تجبه القطاع الخاص وتراجع الرساميل الوافدة إلى مستويات متدنية. ما فرض توجيه الوفورات المالية (المجتذبة من المصارف والمكلفة بفوائدها) لصالح دعم الاستقرار النقدي، بينما تعجز الدولة عن تخصيص أي دعم بسبب العجز الكبير في الموازنة العامة واستهلاك سلسلة الرواتب الجديدة لمجمل الإيرادات الجديدة. فضلا عن ما أنتجه هذا الواقع من تبدل في وجهة الاستثمار للادخارات نحو الفوائد المرتفعة التي اضطر البنك المركزي لاعتمادها بهدف تقوية احتياطه من العملات الصعبة.
يشير رئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود، في حديث له، إلى أن القطاع شهد قفزات كبيرة في الأسعار خلال السنوات السابقة، وكان هناك حديث عن سوق حيوي ومهم، ونتج عن ذلك تحقيق أرباح طائلة، في حين أنه وعندما شهد القطاع شيئا من الركود في الأسعار، بدا وكأن المطورين لا يرغبون بالبيع بأسعار أقل من السابق، لقناعة منهم بأنهم لا يريدون البيع بخسارة، أو لعدم قدرتهم من وجهة نظرهم على تحمل قيم هذه الخسارة، في حين أن المستهلك لا يرغب في الشراء بالأسعار وفق المستويات السابقة، أو على الأقل يترقب مزيدا من الانخفاض في الأسعار، خالصاً إلى القول بأنه لا بد للمطور أن يتفاعل مع ارتفاع الأسعار كما مع هبوطها.
ويوضح: «لو دخل المطورون، بمشاريع جديدة في الوقت الحالي، لكانت تكلفة التطوير أقل من السابق، لا سيما أن الارتفاع المسجل في أسعار العقار، نتج عن ارتفاع أسعار العقارات الفضاء، ولم ينتج عن ارتفاع حقيقي في تكلفة التطوير». وأمام هذا الواقع، يرى حمود بأنه على المطورين إعداد الدراسات، التي تحفظ حيوية القطاع وتضمن استمراريتهم فيه، لا سيما أن الشقق غير المبيعة ترتب تكلفة على المطور نفسه من بينها تكلفة الفوائد، استهلاك البناء، التي تقدر سنوياً بنحو 20 في المائة، وذلك بالإضافة إلى ضريبة الأملاك المبنية وسواها.
على العموم، فإن الصورة الواقعية للقطاع، تطمئن نسبيا بإمكانية تحييده مؤقتا عن أي تداعيات دراماتيكية فورية، لا سيما أن حجم المديونية المرتبة على القطاع، أقل بكثير من قيمة العقارات نفسها، كما أن بعضاً من هذه الديون تحولت من المطور إلى المستهلك النهائي.
ويقدر أن قيمة القروض الممنوحة بين قروض شخصية وقروض مؤسسة الإسكان بما يتراوح بين 9 و10 مليارات دولار. لكن مؤشرات القطاع بدأت تظهر خطوطا أقرب إلى الحمراء في ظلّ تنامي انحسار الطلب، مقابل خفوضات خجولة في بعض العروض تراوح بين 20 و30 في المائة. بينما تنتظر السوق تراجعات تقارب 40 إلى 50 في المائة.
ويُظهر أداء القطاع العقاري في النصف الأول من السنة الحالية تباطؤا صريحا في الحركة السوقية. فعدد المبيعات العقارية انخفض بنسبة 18.2 في المائة على أساس سنوي. مترافقا مع انخفاض قيمة المبيعات العقارية بنسبة 14 في المائة. وتراجعت قيمة الرسوم العقارية المستوفاة بنسبة 15.7 في المائة لتبلغ 202.8 مليون دولار. كذلك أظهرت إحصاءات نقابتَي المهندسين في بيروت وطرابلس، أن المساحة الإجمالية لرخص البناء الجديدة انخفضت بنسبة 17.8 في المائة على أساس سنوي. وتراجعت كميات الإسمنت المسلمة بنسبة فاقت 4 في المائة.
وكون المصارف تتولى الدور التمويلي المباشر من ميزانياتها وغير المباشر من خلال إدارة المخصصات المدعومة، فقد صارت في مرمى الاتهامات والتشكيك من قبل طالبي القروض أولا، ومن قبل مسؤولين ركبوا موجة المطالبة باستئناف الدعم وبتحميل الممول الجزء الأكبر من المسؤولية، وما لبثت هذه الفورة أن تلاشت بعدما أظهرت الدولة عجزها عن تخصيص مبالغ فورية لغايات الإقراض السكني الميسر، مع وعود برزمة تحفيز جديدة يضخها مصرف لبنان في العام المقبل، وبإمكانية التقدم بمشروع قانون لتخصيص مبالغ سنوية للغرض ذاته في الموازنة العامة، علما بأن الأوضاع المالية السائدة حاليا تبدد هذا النوع من ألآمال المعلقة، وخصوصا في ظل الوضع الحكومي القائم.
ومن مدخل وضع الأمور في نصابها، حرصت جمعية المصارف على تعميم مطالعتها في هذا الشأن. واعتبر رئيس الجمعية الدكتور جوزف طربيه «أن السياسة الإسكانية تندرج مبدئياً ضمن مهام السلطتين التنفيذية والتشريعيّة. غير أن غياب مثل هذه السياسة في لبنان منذ عقود، وضغوط الأوضاع الاجتماعية للشباب اللبناني الراغب في الاستقرار الأُسري، لا سيّما بعد انتهاء الحرب، دفعا السلطة النقدية إلى المبادرة إلى سد الفراغ وإلى اتّخاذ قرارات من شأنها توفير التسليف السكني لشرائح واسعة من اللبنانيين، وتنشيط حركة قطاع العقارات والبناء، وتوجيه الموارد المصرفية في هذا الاتجاه».
ويوضح: «أن التسليف الذي تقدمه المصارف لا ينحصر بالطبع بالتسليف السكني، والتسليف الاجتماعي، بل تلعب المصارف دوراً هاماً في تمويل كل الاقتصاد، ومنه القطاع العقاري، حيث ارتبط الازدهار في لبنان غالباً بازدهار التوظيف العقاري ومشاريع البناء بكل الأحجام والأنواع. وقد أتى التسليف الإسكاني بغالبيته لمصلحة ذوي الدخل المحدود حيث استفاد منه الألوف من أبناء هذه الفئات الاجتماعية، ووصل مجموع المواطنين اللبنانيين الذين استفادوا من هذه القروض السكنية بمختلف صيغها نحو 131 ألف طلب قرض لمواطنين توافرت لهم شروط الاستقرار الاجتماعي والأُسري اللائق، وباتوا من الملاّكين العقاريين».
ومعلوم أن جمعية مصارف لبنان وقّعت طوال العقدين المنصرمين عدداً من بروتوكولات التعاون لدعم تسليف بعض الفئات التي لها دور استراتيجي في خدمة لبنان، وفي مقدمتها الأجهزة القضائية والعسكرية والأمنية، كما مع المؤسّسة العامة للإسكان، في إطار السياسة التحفيزية التي أطلقها المصرف المركزي لدعم القطاع السكني. ثم إن إيجاد آليات جديدة لتفعيل الإقراض السكني هو أولاً رهن السياسة الإسكانية التي من المرتقب أن تضعها الحكومة المقبلة، والمصارف على أتمّ الاستعداد، كعادتها، لتأدية دور ناشط وفعّال من أجل إنجاح هذه السياسة.
وقد تُرجمت هذه السياسة بصيغ متعدّدة ومتنوعة من القروض المصرفية المدعومة، علما بأنه يمكن تصنيف القروض المدعومة عموماً بثلاث فئات هي: الأولى هي القروض المدعومة الفوائد، إلى القطاعات المنتجة والتي بلغت قيمتها منذ العام 1997 ما يزيد عن 7.3 مليار دولار حتى نهاية العام 2017 واستفادت منها آلاف المؤسسات اللبنانية، وتوزّعت بوجه خاص على قطاع الصناعة بنسبة 59 في المائة والسياحة بنسبة 30 في المائة والقطاع الزراعي بنسبة 11 في المائة، وهي تشمل القروض المدعومة الفوائد وكذلك تلك الحائزة على ضمانة شركة «كفالات»، ويستفيد بعضها من تخفيضات في مجال الاحتياطي الإلزامي.
وخلافاً لما يشاع فإن قروض الدعم للقطاعات المنتجة أُقِرَّتْ بناءً على قانون الموازنة العامة في 1997 أوكل أمر وضعها موضع التنفيذ للبنك المركزي الذي أصدر في حينه قراراً تنظيمياً تحت الرقم 6549 تاريخ 10 أبريل (نيسان) 1997 يحدد شروط الدعم. وللتذكير أيضاً فإن الدعم يطاول معدَّل الفائدة وطبعاً ليس مبلغ القرض الذي يبقى كلية على مسؤولية المصرف المقرض وضمن مخاطره.
الثانية هي القروض غير المدعومة الفوائد والتي تستفيد من تخفيض إمّا من صلب الاحتياطي الإلزامي أو من الالتزامات الخاضعة للاحتياطي الإلزامي، وقاربت قيمتها 7.9 مليار دولار. لكنّ العمل بهذه الآلية توقّف في أكتوبر (تشرين الأول) 2017 بموجب التعميم الوسيط رقم 475 الصادر عن مصرف لبنان.
والثالثة هي القروض غير المدعومة الفوائد، والتي لا تستفيد من تخفيضات في مجال الاحتياطي الإلزامي، وهي التي تُعرف بالرزم التحفيزية التي أطلقها مصرف لبنان في العام 2013. وقد بلغت قيمة هذه القروض حتى نهاية العام 2017 نحو 5.2 مليارات دولار. مع الإشارة إلى تغيّر آلية الحوافز التي يوفّرها مصرف لبنان للمصارف بحيث أصبحت تقضي بأن يدعم مصرف لبنان الفوائد وأن تمنح المصارف القروض من مواردها الخاصة، وذلك منذ أوائل العام 2018.
ومن المقدّر أن تكون القروض السكنية المدعومة وفق الصيغتين الثانية والثالثة، سواء من خلال الاحتياطي الإلزامي أو من خلال الرزم التحفيزية، قد ناهزت 9.5 مليارات دولار (أي نحو 75 في المائة من القروض السكنية الإجمالية) في نهاية العام الفائت.


مقالات ذات صلة

إطلاق برج ترمب جدة... علامة فارقة في سوق العقارات الفاخرة بالسعودية

الاقتصاد يقع البرج في منطقة استثنائية على كورنيش جدة (شركة دار جلوبال على «تويتر»)

إطلاق برج ترمب جدة... علامة فارقة في سوق العقارات الفاخرة بالسعودية

في حدث استثنائي شهدته مدينة جدة، جرى تدشين مشروع برج ترمب، بحضور إريك ترمب، نائب رئيس منظمة ترمب.

أسماء الغابري (جدة)
عالم الاعمال خالد الحديثي الرئيس التنفيذي لشركة «وصف» ورامي طبارة الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي المشارك في «ستيك» ومنار محمصاني الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي المشارك في المنصة ويزيد الضويان المدير التنفيذي للعمليات بـ«الراجحي السابعة» وهنوف بنت سعيد المدير العام للمنصة بالسعودية

«ستيك» منصة تتيح للأفراد من مختلف أنحاء العالم الاستثمار في العقارات السعودية

أعلنت «ستيك» للاستثمار العقاري في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إطلاقها منصتها الرسمية بالسعودية

الاقتصاد «دار غلوبال» أعلنت إطلاق مشروعين في العاصمة السعودية الرياض بالشراكة مع منظمة ترمب (الشرق الأوسط)

«دار غلوبال» العقارية و«منظمة ترمب» تطلقان مشروعين جديدين في الرياض

أعلنت شركة «دار غلوبال» إطلاق مشروعين في العاصمة السعودية الرياض، بالشراكة مع «منظمة ترمب».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد منازل سكنية في جنوب لندن (رويترز)

أسعار المنازل البريطانية تشهد ارتفاعاً كبيراً في نوفمبر

شهدت أسعار المنازل في المملكة المتحدة ارتفاعاً كبيراً في نوفمبر (تشرين الثاني)، متجاوزة التوقعات؛ مما يعزّز من مؤشرات انتعاش سوق العقارات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
خاص تصدرت «سينومي سنترز» أعلى شركات القطاع ربحيةً المدرجة في «تداول» خلال الربع الثالث (أ.ب)

خاص ما أسباب تراجع أرباح الشركات العقارية في السعودية بالربع الثالث؟

أرجع خبراء ومختصون عقاريون تراجع أرباح الشركات العقارية المُدرجة في السوق المالية السعودية، خلال الربع الثالث من العام الحالي، إلى تركيز شركات القطاع على النمو.

محمد المطيري (الرياض)

«كوفيد ـ 19» يوقف إجراءات تسليم المساكن في السودان

ينتظر أن ينطلق برنامج التوعية والتثقيف بالسكن الرأسي لرفع الوعي بهذا النوع من البناء
ينتظر أن ينطلق برنامج التوعية والتثقيف بالسكن الرأسي لرفع الوعي بهذا النوع من البناء
TT

«كوفيد ـ 19» يوقف إجراءات تسليم المساكن في السودان

ينتظر أن ينطلق برنامج التوعية والتثقيف بالسكن الرأسي لرفع الوعي بهذا النوع من البناء
ينتظر أن ينطلق برنامج التوعية والتثقيف بالسكن الرأسي لرفع الوعي بهذا النوع من البناء

في وقت تجري فيه الاستعدادات لعقد اجتماع بين الصندوق القومي للإسكان ووزارة المالية والتخطيط الاقتصادي وبنك السودان، لبحث سبل توفير تمويل لمشروعات الإسكان للمواطنين عبر قروض طويلة الأجل، ألغت الحكومة أول من أمس، وأوقفت، إجراءات تسليم المساكن للموطنين والتقديم لها، خوفاً من حدوث إصابات بـ«كورونا»، أثناء الاصطفاف للتقديم والتسلم.
وكان الصندوق القومي للإسكان قد طرح مباني سكنية جاهزة للمواطنين في معظم المناطق الطرفية بالعاصمة الخرطوم، وبقية الولايات، وذلك ضمن مشروع السودان لتوفير المأوى للمواطنين، الذي سيبدأ بـ100 ألف وحدة سكنية لذوي الدخل المحدود. وقد بدأ المشروع بفئة العمال في القطاعات الحكومية في جميع ولايات السودان العام الماضي، بواقع 5 آلاف منزل للمرحلة الأولى، تسدد بالتقسيط على مدى 7 سنوات. ويتضمن مشروع إسكان عمال السودان 40 مدينة سكنية في جميع مدن البلاد، لصالح محدودي الدخل، ويستفيد من المشروع في عامه الأول أكثر من مليونين.
وقد أقام المواطنون مواقع أمام مقر الصندوق القومي للإسكان، وباتوا يتجمعون يومياً بأعداد كبيرة، ما سبب إزعاجاً لدى إدارة الصندوق والشارع العام، وذلك بعد قرار سياسي من والي ولاية الخرطوم، لدعوة المواطنين للتقديم للحصول على سكن شعبي.
ووفقاً للدكتور عبد الرحمن الطيب أيوبيه الأمين العام المكلف للصندوق القومي للإسكان والتعمير في السودان لـ«الشرق الأوسط» حول دواعي إصدار قرار بوقف إجراءات التسليم والتقديم للإسكان الشعبي، وعما إذا كان «كورونا» هو السبب، أوضح أن تلك التجمعات تسببت في زحام شديد، حيث نصب المتقدمون للوحدات السكنية خياماً أمام مقر الصندوق في شارع الجمهورية، بعد قرار الوالي في وقت سابق من العام الماضي بدعوة المواطنين للتقديم. وظلت تلك التجمعات مصدر إزعاج وإرباك للسلطات، ولم تتعامل معهم إدارة الصندوق، إلى أن جاء قرار الوالي الأخير بمنع هذه التجمعات خوفاً من عدوى «كورونا» الذي ينشط في الزحام.
وبين أيوبيه أن الخطة الإسكانية لا تحتاج لتجمعات أمام مباني الجهات المختصة، حيث هناك ترتيبات وإجراءات للتقديم والتسلم تتم عبر منافذ صناديق الإسكان في البلاد، وعندما تكون هناك وحدات جاهزة للتسليم يتم الإعلان عنها عبر الصحف اليومية، موضحاً أن كل ولاية لديها مكاتب إدارية في كل ولايات السودان، وتتبع الإجراءات نفسها المعمول بها في العاصمة.
ولم يخفِ أيوبيه أزمة السكن في البلاد، والفجوة في المساكن والوحدات السكنية، والمقدرة بنحو مليوني وحدة سكنية في ولاية الخرطوم فقط، لكنه أشار إلى أن لديهم خطة مدروسة لإنشاء 40 ألف مدينة سكنية، تم الفراغ من نسبة عالية في العاصمة الخرطوم، بجانب 10 آلاف وحدة سكنية.
وقال إن هذه المشاريع الإسكانية ستغطي فجوة كبيرة في السكن الشعبي والاقتصادي في البلاد، موضحاً أن العقبة أمام تنفيذها هو التمويل، لكنها كمشاريع جاهزة للتنفيذ والتطبيق، مشيراً إلى أن لديهم جهوداً محلية ودولية لتوفير التمويل لهذه المشاريع.
وقال إن اجتماعاً سيتم بين الصندوق القومي للإسكان وبنك السودان المركزي ووزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، لتوفير الضمانات بالنسبة للتمويل الخارجي واعتماد مبالغ للإسكان من الاحتياطي القانوني للمصارف المحلية.
وأكد الدكتور عبد الرحمن على أهمية التنسيق والتعاون المشترك بين الجهات المعنية لإنفاذ المشروع القومي للمأوى، وتوفير السكن للشرائح المستهدفة، مجدداً أن أبواب السودان مشرعة للاستثمار في مجال الإسكان. وأشار إلى أن الصندوق القومي للإسكان سيشارك في معرض أكسبو في دبي في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وذلك بجناح يعرض فيه الفرص الاستثمارية في السكن والوحدات السكنية في السودان، وسيتم عرض كل الفرص الجاهزة والمتاحة في العاصمة والولايات.
وقال إن هناك آثاراً متوقعة من قرار رفع العقوبات الاقتصادية الأميركية على البلاد، ومن المتوقع أن يسهم كثيرا في إنعاش سوق العقارات واستقطاب رؤوس أموال لصالح التوسع في مشروعات الإسكان. وأبان أن الصندوق استطاع خلال السنوات الماضية إحداث جسور للتعاون مع دول ومنظمات واتحادات ومؤسسات مختلفة، وحالت العقوبات دون استثمارها بالشكل المطلوب، مشيرا إلى أن جهودهم ستتواصل للاستفادة من الخبرات والموارد المالية المتاحة عبر القروض والمنح والاستثمارات.
وأكمل الصندوق القومي للإسكان في السودان تحديد المواقع والدراسات لمشروع المأوى القومي ومنازل العمال، حيث ستشيد المنازل بأنماط مختلفة من السكن الاقتصادي، الشعبي، الاستثماري، الريفي، والمنتج، بتمويل من البنوك العاملة في البلاد، وفق خطة الصندوق.
وقد طرحت إدارة الصندوق عطاءات منذ بداية العام الجاري لتنفيذ مدن سكنية، كما دعت المستثمرين إلى الدخول في شراكات للاستثمار العقاري بالولايات لتوفير المأوى للشرائح المستهدفة، إلا أن التمويل وقف عثرة أمام تلك المشاريع.
وطرح الصندوق القومي للإسكان في ولاية الخرطوم أن يطرح حالياً نحو 10 آلاف وحدة سكنية لمحدودي الدخل والفئويين والمهنيين في مدن العاصمة الثلاث، كما يطرح العديد من الفرص المتاحة في مجال الإسكان والتطوير العقاري، حيث تم الانتهاء من تجهيز 5 آلاف شقة و15 ألفا للسكن الاقتصادي في مدن الخرطوم الثلاث.
وتم تزويد تلك المساكن بخدمات الكهرباء والطرق والمدارس وبعض المرافق الأخرى، بهدف تسهيل وتوفير تكلفة البناء للأسرة، حيث تتصاعد أسعار مواد البناء في البلاد بشكل جنوني تماشياً مع الارتفاع الذي يشهده الدولار مقابل الجنيه السوداني والأوضاع الاقتصادية المتردية التي تمر بها البلاد حالياً.
يذكر أن الصندوق القومي للإسكان لديه خطة لتوسيع قاعدة السكن لمحدودي الدخل، عبر الإسكان الرأسي، الذي يتكون من مجمعات سكنية، كل مجمع يضم بناية من 7 أدوار، ويتكون الطابق من 10 شقق سكنية، بمساحات من 180 إلى 300 متر مربع.
ويتوقع الصندوق أن يجد مشروع الإسكان الرأسي والشقق، رواجاً وإقبالاً في أوساط السودانيين محدودي الدخل، خاصة أنه أقل تكلفة وأصبح كثير من السودانيين يفضلونه على السكن الأفقي، الأمر الذي دفع الصندوق لتنفيذ برامج إعلامية لرفع مستوى وعي وثقافة المواطنين للتعامل مع السكن الجماعي والتعاون فيما بينهم.
ووفقاً لمسؤول في الصندوق القومي للإسكان فإن برنامج التوعية والتثقيف بالسكن الرأسي، يتضمن كيفية المحافظة على خدمات البناية، ورفع وعيهم بهذا النوع من البناء، حتى تتحول الخرطوم إلى عاصمة حضارية وجاذبة. وأضاف المصدر أن برنامج التوعية بالسكن في الشقق ودوره في تقليل تكلفة السكن، سيتولاه فريق من اتحاد مراكز الخدمات الصحافية، الذي يضم جميع وسائل الإعلام المحلية، مما سيوسع قاعدة انتشار الحملات الإعلامية للسكن الرأسي.
تغير ثقافة المواطن السوداني من السكن التقليدي (الحوش) إلى مساحات صغيرة مغلقة لا تطل على الشارع أو الجيران، ليس أمرا هينا. وبين أن خطوة الصندوق الحالية للاعتماد على السكن الرأسي مهمة لأنها تزيل كثيرا من المفاهيم المغلوطة عن السكن في الشقق السكنية.
يذكر أن الصندوق القومي للإسكان عام 2018 بدأ بالتعاون مع شركة هيتكو البريطانية للاستثمار، لتنفيذ مشروع الإسكان الفئوي الرأسي، الذي يستهدف بناء 50 ألف وحدة سكنية بالعاصمة الخرطوم، وكذلك مشروع لبناء أكبر مسجد في السودان، بمساحة 5 كيلومترات، وبناء 3 آلاف شقة ومحلات تجارية.