شولي رين
بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

الأسواق الناشئة قد تفقد المصرفي الصديق

أفضى استعداد الصين لتقديم الائتمان إلى تحولها لأفضل أصدقاء الأسواق الناشئة. ولكنَّ هناك أسباباً تدعو للاعتقاد بأن تدفق الأموال السهلة قد يؤدي إلى تلاشيها على نحو مفاجئ - تماماً كما تتطلع الاقتصادات المنكوبة من الأرجنتين وفنزويلا إلى تركيا وباكستان صوب الصين لمد شريان الحياة الحيوي الذي سوف يكون أقل إرهاقاً من خطط الإنقاذ لدى صندوق النقد الدولي.
وعلى مدى العقد الماضي، وفّرت الصين أكثر من 62 مليار دولار في صورة قروض إلى فنزويلا، التي أسفر التضخُّم الجامح فيها إلى تخفيض قيمة العملة المحلية (بوليفار) بنسبة 95 في المائة في مطلع الأسبوع الماضي.
وفي يوليو (تموز)، تمَّت الموافقة على تخصيص مبلغ 5 مليارات دولار لزيادة الإنتاج النفطي هناك، على الرغم من أن البرنامج السابق للنفط مقابل القروض قد رجع بنتائج عكسية.
كما وقعت الصين أيضاً على مقايضات العملات مع 32 جهة مناظرة منذ عام 2009. وفي حين أن هذه المقايضات كانت تهدف بالأساس إلى تسهيل التجارة بالعملة الصينية (يوان)، فإن هذه الترتيبات قد ساعدت على زيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي لدى الشركاء المتعثرين.
وتفيد التقارير الإخبارية بأن البنك المركزي الأرجنتيني يتفاوض الآن على توسيع رقعة المقايضات من 11 إلى 15 مليار دولار، بينما يحاول جاهداً إيقاف هبوط قيمة العملة المحلية (بيزو) عن طريق رفع معدلات الاحتياطي المصرفي.
كما يستفيد مؤيدو مبادرة الحزام والطريق الصينية، التي أعلنها الرئيس الصيني، من السخاء الصيني. ومع توتر العلاقات البينية مع الولايات المتحدة ودول حلف «الناتو»، يممت تركيا وجهها شطر الصين طلباً للتمويل. وقدم بنك التنمية الصيني، والبنك الأكبر في البلاد، فيما يتعلق بسياسات الإقراض، أكثر من ملياري دولار من القروض إلى أنقرة، خلال العام الماضي، وهو ما يمثل وثبة بأكثر من 40 في المائة من عام 2016، كما تظهر البيانات التي تحصلت عليها وكالة «بلومبيرغ» الإخبارية. وصارت باكستان، التي تتأهب لطلب حزمة المساعدات رقم 13 في تاريخها من صندوق النقد الدولي، مرشحة هي الأخرى للاستفادة من خطة الإنقاذ الصينية.
غير أن الاقتصاد الصيني المحلي المهتزّ قد يعني أنه غير قادر من الناحية السياسية على أن يحافظ على حالة السخاء الصيني لفترة طويلة.
ويعكس بنك التنمية الصيني أفضل الأمثلة على ذلك. والبنك معروف بصدارته في تمويل المشروعات الخارجية، إلا أن مجال عمله وتفويضه لا يتعدى المجال الداخلي. وفي تقريره السنوي عن عام 2017، فإن دعم مبادرة الحزام والطريق قد عاد بفواتير أقل من جهود محاربة الفقر في الداخل وتمويل مشاريع البنية التحتية الصينية والصناعات الوطنية الاستراتيجية، مثل صناعة أشباه الموصلات والسيارات الكهربائية.
وفي العام الماضي، قدم بنك التنمية الصيني مبلغ 880 مليار يوان (ما يساوي 128 مليار دولار) لإعادة تطوير مدينة الصفيح، ومبلغ 17.6 مليار دولار فقط في صورة قروض مخصصة لمشاريع مبادرة الحزام والطريق. وتمثل القروض الصينية المعلقة والممنوحة إلى جهات خارجية نسبة 2.4 في المائة فقط من دفتر القروض المصرفية في البنك.
وفي أواخر يونيو (حزيران)، تعرَّضت أسهم العقارات وأسواق الأسهم الصينية لهزة كبيرة، بعد صدور التقارير التي تفيد بأن البنوك السياسية قد شددت من الموافقات على قروض المشاريع في مدينة الصفيح الصينية، في جزء من الجهود الحكومية الرامية إلى كبح جماح سوق العقارات الملتهبة.
ومن شأن ذلك أن يُلحق الضرر بالاقتصاد الحقيقي. ففي عام 2017، بلغ مقدار تمويل البنوك السياسية نسبة 85 في المائة من إجمالي أعمال التجديد في مدن الصفيح، وذلك وفقاً لتقديرات مؤسسة «نومورا» البحثية.
وشكَّلت الأسر التي تحصل على الإعانات والتسويات النقدية الحكومية نسبة 23 في المائة من المبيعات العقارية، من حيث القيمة، في مستوى 3 إلى 5 مدن خلال العام الماضي... الأمر الذي يشكل بدوره نصف إجمالي المبيعات العقارية في الصين بأسرها.
فإن عجز بنك التنمية الصيني عن تحقيق هدفه الأساسي من انتشال ملايين المواطنين الصينيين من خط الفقر، فسوف يصبح من العسير للغاية تبرير مدّ يد العون والمساعدة إلى الدول الأخرى.
ومن شأن الحرب التجارية والسيولة المقيدة أن تشتد في الأيام المقبلة. وتراجعت مستويات ثقة المستهلكين في الصين خلال الشهور الأخيرة، في حين أن تقرير أرباح الربع الثاني لشركات التكنولوجيا، ومقاييس القوة الاستهلاكية تبدو قبيحة للغاية.
وتتحمل الشركات الخاصة العبء الأكبر في ذلك، وفي الوقت الذي تقيد فيه الصين من الأعمال المصرفية غير الرسمية.
وهبط مؤشر «كايشين» لمديري المشتريات، الذي يُعتبر مرجِّحاً لتكلفة الميزان لصالح النشاط التصنيعي من قبل الشركات الصغيرة، لما وراء مؤشر مديري المشتريات الرسمي عبر خمسة أشهر متتالية. وفي الأثناء ذاتها، تقع سوق الأسهم في البر الرئيسي ضمن منطقة الارتفاع القوية، ويرجع ذلك جزئيّاً إلى أن عجز الشركات عن السداد قد يرتفع في أكثر الأماكن غير المتوقعة.
في فبراير (شباط) الماضي، بدا الرئيس الصيني منيعاً لا يُقهر بعدما ألغت الحكومة الصينية حدود فترة رئاسة البلاد، بعد عام أثبت فيه الاقتصاد والأسواق في البلاد مرونة غير مسبوقة. أما الآن، ومع الإشارات التي تفيد بالبطء الاقتصادي الكبير في خضم الحرب التجارية الراهنة، بدأ الكثيرون يتساءلون عما إذا كان منهج الرجل القوي في بكين قد بدأ يرجع بنتائج عكسية.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»