الضرائب العقارية تربك الشارع المصري... وتوقعات بتأثيرها على السوق

سادت حالة من الارتباك والتوتر، الشارع المصري، بعد إعلان وزارة المالية عن بدء تحصيل الضريبة العقارية، معلنة فرض غرامات على من يتأخر في السداد، ما دفع المواطنين للتوجه إلى مصلحة الضرائب العقارية لمعرفة الضرائب المستحقة عليهم، وتسبب ذلك في حالة من الفوضى في مكاتب الضرائب العقارية، في ظل عدم وضوح الموضوع، على الرغم من أن هذا النوع من الضرائب ليس جديداً، وكان موجوداً من قبل تحت مسمى «العوايد»، لكن الآلية الجديدة للتحصيل أثارت الغضب، وسط توقعات بتأثيرها على الاستثمار وسوق العقارات.
كانت المسألة مربكة لسعيد محمد، أحد سكان عقار بحي العجوزة بمحافظة الجيزة، ولجيرانه سكان العقار نفسه، بعد وصول إخطار بالحجز على جميع وحدات العقار السكنية والتجارية وحتى غرفة البواب، إذا لم يتم دفع الضريبة العقارية المستحقة على كل وحدة، وقال سعيد لـ«الشرق الأوسط»: «فوجئنا بإنذار بالحجز رغم أن أحداً لم يخطرنا من قبل بهذه الضريبة»، مشيراً إلى أن «الإنذار تضمن مبلغاً مالياً كبيراً على كل وحدة سكنية يزيد عن 13 ألف جنيه مصري (الدولار الأميركي يعادل 17.8 جنيه مصري)، ولا نعلم هل هذا المبلغ عن عام واحد، أم عن كل السنوات منذ إنشاء العقار».
وأضاف سعيد، الذي اشترى شقته في عام 2012، إنه «قرأ أن حد الإعفاء على الوحدات السكنية يصل لـ2 مليون جنيه، وقيمة وحدته السكنية لا تتجاوز مليون جنيه»، متسائلاً: «على أي أساس تم وضع الضريبة، وما الأسس التي بناء عليها تقدر قيمة العقار»، مشيراً إلى أن «الإنذار تضمن ضريبة عقارية على غرفة البواب أيضاً، وبالتأكيد فإن قيمتها السوقية والإيجارية أقل من حد الإعفاء الضريبي».
ولا يفرض القانون رقم 196 لسنة 2008 بشأن الضريبة العقارية ضريبة جديدة، فهي ضريبة مفروضة بالفعل بموجب القانون رقم 56 لسنة 1954 وقد تعارف عليها المجتمع بـ«العوايد».
وقال الدكتور عز الدين حسنين، خبير اقتصادي، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الضريبة العقارية قديمة وكان اسمها (العوايد)، لكن ما تغير هو آلية فرضها»، موضحاً أن الوحدة السكنية التي تبلغ قيمتها السوقية 2 مليون جنيه، ستكون الضريبة المفروضة عليها هي 120 جنيهاً سنوياً، أي 10 جنيهات شهرياً، وهو مبلغ ضئيل جداً.
وتسرى الضريبة على كافة العقارات المبنية المقامة على أرض مصر، كما تفرض الضريبة على الأراضي الفضاء المستغلة جراجات، أو مشاتل أو مؤجرة وغيرها، كما تخضع للضريبة التركيبات التي تقام على أسطح أو واجهات العقارات إذا كانت مؤجرة، أو كان التركيب مقابل نفع أو أجر. ويرى البعض أن تنفيذها في هذا التوقيت سيزيد الضغط على المواطنين، لكنه في الوقت نفسه قد يقلل من ارتفاع أسعار العقارات والتعامل معها كاستثمار آمن.
وقال تامر ممتاز، خبير اقتصادي، لـ«الشرق الأوسط»، إنه «كان من الأفضل تأجيل فرض الضريبة في الوقت الحالي في ظل تزايد الضغوط على المواطنين نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة والسلع، والضرائب من المفترض أن تفرض في أوقات الرخاء ووجود فائض لدى المواطنين حتى لا نزيد من ضغوطهم».
ويقترح ممتاز أن يتم توسيع حد الإعفاء الضريبي لمن يملك أكثر من وحدة سكنية، لتكون وحدة سكنية في كل محافظة، بحد أقصى تقرره وزارة المالية، بدلاً من وحدة سكنية واحدة، مشيراً إلى أن بعض الناس تتطلب ظروف حياتهم الإقامة في أكثر من محافظة.
بينما يرى حسنين أن «المتضرر الوحيد من هذه الضريبة هو الغني الذي يملك قصوراً متعددة ووحدات في منتجعات سياحية، ولا يدفع نظيرها أي شيء»، مشيراً إلى أن «فرض مثل هذه الضريبة سيقلل من ظاهرة (تسقيع) العقارات لبيعها وتحقيق مكاسب بعيداً عن الدولة».
وأضاف عز الدين حسنين: «لو تم وضع تشريع يجبر كل من يشتري عقاراً على إبلاغ مصلحة الضرائب العقارية، فإن هذا سيحد من ظاهرة استخدام العقارات نوعاً من الاستثمار، وربما يتسبب ذلك في النهاية في خفض أسعار العقارات».
ولا تخضع للضريبة كل العقارات المبنية المملوكة للدولـة والمخصصة لغرض نفع عام، والعقارات المبنية المملوكة للدولة ملكية خاصة، والأبنية المخصصة لإقامة الشعائر الدينية، أو لتعليم الدين، والعقارات التي تنزع ملكيتها للمنفعة العامة، والأحواش ومباني الجبانات، والمباني تحت الإنشاء.
وتحدد الضريبة بقيمة 10 في المائة من القيمة الإيجارية السنوية بعد خصم 30 في المائة مصاريف للسكني، 32 في المائة لغير السكني مقابل جميع المصروفات التي يتكبدها المكلف بأداء الضريبة بما فيها مصاريف الصيانة، وسيتم توجيه 25 في المائة من حصيلة الضريبة العقارية للمحافظات للصرف منها على التعليم والصحة، وتخصص نسبة 25 في المائة من كامل الحصيلة لأغراض تطوير وتنمية المناطق العشوائية.
وقال الكاتب الصحافي عمر طاهر، في مقاله بجريدة «المصري اليوم» تحت عنوان «الإتاوة العقارية»، إنه «لم يظهر لي طيلة حياتي في هذا البلد مَن يهددني بالحجز على شقتي ما لم أدفع، والكل يعرف أن قيمة العقار التي تحددون الضريبة بناءً عليها هي قيمة غير حقيقية، وأن الأسعار ارتفعت ثلاثة أضعاف من فرط الحكمة والوطنية، بما يعنى أنني أدفع ضريبة العقار وأدفع ثمن التضخم الذي أصاب قيمته بسببكم».
وقال حسنين إن «الغرض من الضريبة هو فرض نوع من العدالة اجتماعية، خصوصاً على من يملكون وحدات سكنية متعددة ولا يدفعون عنها أي ضرائب، وعندما تدخل الضرائب في الموازنة العامة سيتم تقديم خدمات أكثر بها لدعم المستحقين»، وأضاف: «أي شخص يجد أن قيمة الضريبة مبالغ فيها عليه أن يتقدم بطعن، ومصلحة الضرائب لديها لجان متخصصة لتقدير قيمة الوحدات العقارية».
وأثارت الضريبة حالة من الجدل، حيث طالب عدد من أعضاء مجلس النواب بتعديلها لتتناسب مع حالة الغلاء، لتقتصر على أصحاب الشقق الفارهة، في الوقت الذي اعترض فيه عدد من المستثمرين، خصوصاً في الصعيد، على الضريبة لأنها تزيد أعباءهم، خصوصاً في ظل الظروف الحالية الصعبة التي تمر بها البلاد، وقال محمود الشندويلي، رئيس جمعية «مستثمري سوهاج»، إن «الصعيد يحتاج إلى نظرة مختلفة من مسؤولي الحكومة».
من جانبه أكد ممتاز أن «فرض ضرائب على المستثمرين في هذا التوقيت سيزيد من أعبائهم، لذلك كان من الأولى تأجيلها».
وما زالت حالة الجدل مستمرة، وسط محاولات لتقديم طلبات إحاطة في مجلس النواب، بينما تزدحم مكاتب الضرائب العقارية بالمواطنين، خشية أن تفرض عليهم غرامة.