«داعش» يستغل «الأطفال اللاجئين»

انتحاريون في أوروبا... جواسيس في المخيمات

أطفال «داعش» في سوريا والعراق نواة لمقاتلين في أوروبا («الشرق الأوسط»)
أطفال «داعش» في سوريا والعراق نواة لمقاتلين في أوروبا («الشرق الأوسط»)
TT

«داعش» يستغل «الأطفال اللاجئين»

أطفال «داعش» في سوريا والعراق نواة لمقاتلين في أوروبا («الشرق الأوسط»)
أطفال «داعش» في سوريا والعراق نواة لمقاتلين في أوروبا («الشرق الأوسط»)

أعاد تنظيم داعش الإرهابي اللعب بورقة تجنيد الأطفال أو ما يطلق عليهم «الأشبال»؛ لكن هذه المرة ليست في «أرض الخلافة المزعومة»؛ إنما في المخيمات، عبر الاعتماد على «الأطفال اللاجئين» تحت سن الرشد لتنفيذ مهام محددة، تمكنه من عمل تفجير هنا، أو عملية انتحارية هناك، يصورها ويعود بها لإفزاع العالم، بعد هزائم طالته في سوريا والعراق طوال الأشهر الماضية عصفت بحلم تمدده... مساعيه هذه المرة لتجنيد «الأطفال اللاجئين» للمساعدة في تنفيذ عمليات في أوروبا، ونقل المعلومات من داخل المخيمات.
وتضم مخيمات «اللاجئين» في الدول المجاورة لسوريا، الكثير من «اللاجئين الصغار» دون صحبة ذويهم، وهؤلاء باتوا هدفاً سهلاً لـ«داعش» لتجنيدهم وتسفيرهم إلى أوروبا.
خبراء من متابعي الحركات الأصولية أكدوا أن «داعش» يستغل الوجه البريء للأطفال للنفاذ إلى الأهداف بسهولة. قائلين لـ«الشرق الأوسط»: «إن عودة ظاهرة تجنيد الأطفال تشير إلى إفلاس يعاني منه التنظيم، وإنه لجأ إليها ليس فقط لتعويض نقص المقاتلين؛ بل لإظهار أن رسالته تجد تأييداً واسعاً بين الأطفال. لافتين إلى أن إقدام التنظيم على تجنيد الأطفال لتنفيذ مثل هذه المهام، نابع من كونهم أسهل في الإقناع من الكبار، الذين بدا لأغلبهم تضليل وكذب «فكرة الخلافة المزعومة».

خداع مادي
كلام الخبراء، اتفق مع دراسات كثيرة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أشارت إلى أن «داعش» استغل أزمة «اللاجئين» لتهريب خلايا إرهابية من سوريا إلى الدول الأوروبية، لتدريب من ينضم إليه من اللاجئين للقيام بعمليات إرهابية.
وأوضحت الدراسات أيضاً أن «داعش» عمل على استغلال مخيمات اللجوء التي تقيمها بعض الدول للاجئين على أراضيها في تجنيد عناصر تابعة له، سواء كانت من خلال المخيمات الإنسانية، أو طرق الهجرة إلى الدول الأوروبية أو الدول التي يكثر فيها اللاجئون، كما أنه يستغل سوء الأوضاع في بعض مخيمات اللجوء ويحاول إغواء الأهالي بضم أطفالهم إلى التنظيم مقابل حوافز مادية لخداعهم، وغالباً ما يستخدم الأطفال كجواسيس بين «اللاجئين».
ويستخدم «داعش» أساليب مختلفة في تجنيد الصغار، حيث يستغل إهمال الغرب لـ«اللاجئين» ليقدم نفسه كمدافع عنهم، ويزرع الكراهية نحو الغرب في عقول الأطفال.
ويشار إلى أن إغراءات التنظيم للصغار بدأت في سوريا والعراق، حيث منح الصغار السطوة والسلاح... أما في المخيمات فقدم لهم الطعام لاستمالتهم في البداية، ثم وفر لهم الدعم المالي لتأمين سفرهم لأوروبا عبر شبكات التهريب.

تخوف الغرب
وما زال الغرب متخوفاً من أبناء المقاتلين الأوروبيين الذين كانوا في صفوف «داعش» بسوريا والعراق... فـ«اللاجئون» الذين يصلون إلى أوروبا هرباً من جحيم أنظمتهم أو من الأوضاع السيئة، يجدون أمامهم جحيم التنظيمات الإرهابية، التي تراهن عليهم، للانضمام إليها وتنفيذ مخططاتها.
وتحولت مخيمات «اللاجئين» في الآونة الأخيرة إلى «قنابل على وشك الانفجار»، بعدما نجحت الجماعات والتنظيمات الإرهابية في اختراقها واستقطاب الكثير من الموجودين بداخلها وإقناعهم بالانضمام إلى صفوفها؛ ولعل تنامي أعداد اللاجئين؛ خاصة الفارين من بؤر الصراع، جعلهم عرضة للوقوع تحت تأثير الأفكار المتطرفة التي يعتنقها «الإرهابيون»، وبالتالي إقناعهم بتنفيذ هجمات انتحارية.
وسبق أن حذر تقرير لمنظمة «كويليام» للأبحاث في بريطانيا العام الماضي، من أن «داعش» يسعى لتجنيد أطفال في صفوفه عن طريق تمويل وصولهم إلى أوروبا من دون مرافقين. مشيرة إلى اختفاء مئات من طالبي اللجوء تحت عمر 18 سنة بعد دخولهم لدول أوروبية مهاجرين... وتشير الإحصاءات الدولية إلى أن هناك ما يقرب من 20 مليون لاجئ، أكثر من نصفهم تحت سن الـ18، أي في سن الطفولة.

إفلاس داعشي
وقال الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي مصر، مدير مرصد دار الإفتاء، إن عودة ظاهرة تجنيد الأطفال من قبل «داعش» تشير لإفلاس يعاني منه التنظيم، لافتاً إلى أن التنظيم لجأ إلى هذه «الحيل» ليس فقط لتعويض نقص المقاتلين؛ بل لإظهار أن رسالة التنظيم تجد تأييداً بين الأطفال على غير الحقيقة.
وأضاف: «إن التنظيم يسعى من خلال هذا المخطط إلى ربط أجيال جديدة به، والحفاظ على أفكاره المتطرفة باقية حتى وإن رحل كبار قادته، إذ يراهن على هؤلاء الأطفال أن يصبحوا مقاتلين مدربين على مستوى رفيع في المستقبل، لا سيما أن حداثة سنهم تعطي التنظيم فرصة قوية لتنشئتهم على أفكاره ومعتقداته الدينية والقتالية».
الدراسات المصرية أكدت أن «التنظيم الإرهابي عرض على (المهربين) مبالغ مالية ضخمة مقابل عمليات تجنيد الأطفال للعبور إلى أوروبا وتنفيذ عمليات انتحارية محتملة». وصنفت الدراسات «الأطفال اللاجئين» حسب خطورتهم لعدة فئات، الفئة الأولى هم، الأطفال دون 6 سنوات (الذين ولدوا في أرض الخلافة المزعومة)، وهؤلاء لا يشكلون أي خطر حقيقي على المجتمع؛ لكن يتعين احتواؤهم والتعاطي معهم بطرق خاصة، نظراً لما عانوه من مخاطر وتهديدات في سنوات عمرهم الأولى.

مشاهد مفزعة
أما الفئة الثانية وفق الدراسات فهم، الأطفال فوق 6 سنوات إلى 12 سنة، الذين ذهبوا إلى سوريا والعراق مع ذويهم وتشربوا الفكر الإرهابي الداعشي، فهؤلاء قد يكونون جيلاً جديداً من المجندين لصالح «داعش»، ويمكن تحييد هذه الفئة من خلال برامج تأهيلية نفسية واجتماعية وثقافية.
في حين أن الفئة الثالثة، وتضم الأطفال من 12 سنة إلى 18 سنة، هي الأخطر، التي ربما انخرطت في معارك «داعش» بسوريا والعراق، وأخضعت فعلاً لعملية «غسيل أدمغة»، وهؤلاء ينبغي أن توليهم الأجهزة الأمنية نوعاً من الرعاية التأهيلية المتخصصة، وأن تأخذ بعين الاعتبار ظروفهم النفسية والاجتماعية.
وسبق لـ«داعش» أن أفزع العالم بمشهد درامي في فبراير (شباط) عام 2016 بطله طفل (11 عاماً) في ريف حلب شمال سوريا، بعدما احتضن أباه وتسلق سيارة محملة بالمتفجرات بعد أن علمه والده كيف يقودها؟، ومضى بعيداً وفجر نفسه في مهمة انتحارية... فضلاً عن مشاهد إعدام الأطفال لأشخاص اتهمهم التنظيم بالجاسوسية، على حد زعمه.
ويشار إلى أن «داعش» كان يُجبر الأطفال على مشاهدة تسجيلات فيديو وهم يشاركون في قتل سجناء، وفي إحدى التسجيلات المصورة شارك 5 أطفال أعطى التنظيم 4 منهم مسدسات لقتل السجناء، فيما أعطى الخامس سكيناً لنحر سجين آخر. ويقول المراقبون إن «داعش» دأب على إرسال الأطفال في مهام صادمة للعالم الخارجي، ليؤكد سيطرته على المشهد «الجهادي».

كُتب الدواعش
وأكد نجم، أن التنظيم استغل في وقت سابق النزعة الدينية لدى الصبية ورغبتهم في الشهادة والفوز بالجنة، وحولهم لأشخاص سطحيين متسرعين متهورين لا يستطيعون التمييز بين الصواب والخطأ... وهذا ما ظهر جلياً في العمليات التفخيخية والتفجيرية التي قام بها الأطفال من قبل. لافتاً إلى أن إقدام التنظيم على تجنيد الأطفال لتنفيذ المهام نابع من كونهم أسهل في الإقناع من الكبار، الذين بدا لأغلبهم تضليل وكذب التنظيم.
من جانبه، قال الدكتور خالد الزعفراني، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن عودة استخدام «داعش» للأطفال في تنفيذ مخططاته وهجماته، سواء تلك التي تصنف بالانتحارية أو التي توظفهم داخل المخيمات، هو مؤشر خطير جداً، مضيفاً: «إن الطفل وجه برئ يُمكنه النفاذ إلى الأهداف بسهولة، ولا يحتاج إلى تدريب، مجرد تلقين فقط لتنفيذ أي عملية لا يعرف خطورتها».
ويؤكد المراقبون، أن «كُتب التعليم المدرسية الخاصة بـ(داعش) التي كانت تُدرس في سوريا والعراق، استخدمت أمثلة الحرب في المسائل الحسابية، وسلطت الضوء في كُتب التاريخ على الغزوات، أما كُتب اللغة الإنجليزية تضمنت كلمات مثل «جيش وقنبلة».

جيل الأشبال
واستعان «داعش» في مايو (أيار) الماضي، بالأطفال لتنفيذ عمليات ضربت إندونيسيا، وبالتحديد في منطقة سورابايا، حيث شارك الأطفال أسرهم في خوض هذه العمليات التي استهدفت ثلاث كنائس.
ويشار إلى أن جيل «أشبال الخلافة» الذي أعده «داعش» في سوريا والعراق، لم يعرف سوى الإجابة على سؤالين فقط، كيف تقتل عدوك؟، وكيف تقدم الولاء المطلق للقائد؟. وتشير تقارير دولية إلى أن تنظيم داعش في سوريا والعراق ضم معسكرات لـ«أشبال الخلافة» جرى فيها إعداد نفسي وعقائدي مدروس قام على مبدأ التكرار وزرع الفكرة في عقل الطفل، فعندما كان يرى كل طفل ما يجري في مسارح العمليات، كان يردد «أريد أن أصبح انتحارياً»... والهدف الاستراتيجي والبصري الأول في الدروس التي قدمت للأطفال عملت على «غسل الأدمغة».

غسل الأدمغة
وقال الزعفراني، إنه في سبيل تجنيد الصغار عمل التنظيم على «غسل الأدمغة» ونزع معالم الرحمة من قلوبهم في معسكرات مغلقة تلقوا فيها مبادئ التنظيم، وكان يلهب حماسهم بالأناشيد «الجهادية»، والتدريب على حمل السلاح واستخدامه باحتراف، ولبس الأحزمة الناسفة والقيام بالأعمال التفجيرية المنفردة.
وجدير بالذكر أن «داعش» كان يُجند الأطفال في سوريا والعراق بالقوة، وحتى الآن لم يعرف العدد الحقيقي للأطفال المجندين لديه... وفي الوقت الذي يسجل «داعش» تراجعاً في العراق وسوريا، تتخوف الدول الغربية من الأجيال الداعشية القادمة، التي تربت وغسلت أدمغتها بعقائد التنظيم لتأمين استمراريته مستقبلاً، الأمر الذي دعا الدول إلى تحديد العدد المسموح به في إطار لا يشكل خطورة على كيانها.
ويقول مراقبون إن «داعش» يستفيد من كون «اللاجئين» أشخاصاً غير معروفين لدى أجهزة الأمن، ليدس عناصره الصغيرة بينهم، دون أن يكون لأي منهم معلومات مسبقة أو سجل إرهابي، حول طبيعة نشاط هذه الخلايا متناهية الصغر المندسة بين «اللاجئين» في المخيمات.
في ذات الصدد، حذر الدكتور محمود عز الدين، أستاذ القانون الدولي، من أن هؤلاء الأطفال قد يكونون بعيدين عن مراقبة أجهزة الأمن والاستخبارات في الدول، وعدم وجود سجل جنائي لهم، قد يساعدهم في تنفيذ أي عملية إرهابية، لافتاً إلى أنه يتم استغلال الصغار أيضاً في أعمال التجسس من خلال عمليات الاستطلاع وجمع المعلومات بعدما تدربوا عليها من قبل.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.