مكالمة بين ظريف وكيري.. والأول مستاء من توسيع لائحة العقوبات

مكالمة بين ظريف وكيري.. والأول مستاء من توسيع لائحة العقوبات
TT

مكالمة بين ظريف وكيري.. والأول مستاء من توسيع لائحة العقوبات

مكالمة بين ظريف وكيري.. والأول مستاء من توسيع لائحة العقوبات

في مكالمة هاتفية هي الأولى من نوعها منذ عقود، عبر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لنظيره الأميركي جون كيري عن «استياء» طهران إزاء قرار واشنطن توسيع لائحتها السوداء للعقوبات ضد إيران. وجاء ذلك بينما يجري مسؤول أميركي كبير جولة هذا الأسبوع في أوروبا وإسرائيل وتركيا لبحث تطبيق العقوبات الاقتصادية المفروضة على الجمهورية الإسلامية.
وتسبب إدراج عشرة أسماء، الخميس، على لائحة الشركات والأفراد المشتبه في خرقهم العقوبات التجارية المفروضة على طهران، في تعليق المحادثات التقنية بشأن الملف النووي الإيراني في فيينا بين طهران ومجموعة الدول الست (الولايات المتحدة، الصين، فرنسا، بريطانيا، روسيا، إضافة إلى ألمانيا). وأكدت وزارة الخارجية الإيرانية، في بيان، أمس، المحادثة الهاتفية. وقال البيان: «في أعقاب التطورات الأخيرة الخاصة بتنفيذ برنامج العمل المشترك، أجرى وزير الخارجية الأميركي مكالمة هاتفية مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، وأن الدكتور ظريف أعرب عن استياء إيران من التدابير الأميركية الأخيرة». ولم توضح وزارة الخارجية الإيرانية متى جرى الاتصال الهاتفي. وبدوره، أكد ناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط»، أن جون كيري تحدث مع جواد ظريف. وأوضح أن الاتصال جرى خلال توجه كيري إلى فيتنام (السبت). وقال الناطق، إن كيري وظريف «بحثا أهمية التقدم في تطبيق خطة العمل المشتركة التي اتفق عليها في جنيف»، بالإضافة إلى اتفاقهما على «إبقاء بيئة بناءة بينما تتواصل المفاوضات». وامتنع الناطق عن توضيح تفاصيل أخرى من الحوار وإذا كانا قد تطرقا إلى سوريا، مكتفيا بالقول: «الحوار ركز على الطريق إلى الأمام» في تنفيذ الاتفاق الدولي حول البرنامج النووي الإيراني.
وجاء ذلك، بينما أعلنت وزارة الخزانة الأميركية، في بيان أمس: أن مساعد وزير الخزانة المكلف شؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، ديفيد كوهين، سيجري هذا الأسبوع جولة في ألمانيا وبريطانيا وتركيا وإسرائيل. أوضحت الخزانة الأميركية أن كوهين سيبحث خلال لقاءاته، خصوصا تطبيق العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران.
وكان ظريف أكد أن بلاده ملتزمة 100 في المائة التوصل إلى اتفاق نهائي شامل، رغم العقبة التي شهدتها المفاوضات النووية الأسبوع الماضي.
وقال في مقابلة مع صحيفة «واشنطن بوست»، إن إيران «تجري مناقشات كي تتأكد من التزام الجميع ما جرى التوصل إليه في جنيف». وأضاف ظريف، الذي يرأس أيضا فريق التفاوض الإيراني مع الغرب، أن بلاده ستواصل المحادثات، رغم ما وصفه بـ«النتائج المخيبة للآمال» المتمثلة في إعلان وزارة الخزانة الأميركية الأسبوع الماضي تدابير جديدة لفرض العقوبات الحالية.
وشكا ظريف من أنه لم يتلق إشعارا مسبقا من قبل الولايات المتحدة بشأن الإجراءات الجديدة التي ستنفذها وزارة الخزانة. لكنه أشار إلى أن غضب إيران تجاه الإجراءات الجديدة لن يجعل الحكومة تنسحب من المحادثات.
وقال ظريف: «لقد انحرفت العملية عن مسارها. لكنها لم تمت. ومن ثم، فنحن نحاول إعادتها مرة أخرى وتصحيح المسار ومواصلة المفاوضات، لأنني أعتقد أن هناك الكثير على المحك بالنسبة للجميع».
وكانت إيران وافقت على تجميد بعض أنشطة برنامجها النووي، مقابل رفع بعض العقوبات الحالية ضد الجمهورية الإسلامية. علاوة على ذلك، لن تفرض أي عقوبات ضد إيران خلال الستة أشهر.
ويبدو أن مخاوف الإيرانيين بشأن العقوبات الجديدة قد تراجعت بعض الشيء بعد المكالمة الهاتفية بين ظريف ونظيريه الأميركي والروسي سيرغي لافروف، وكذلك منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون.
وقال ظريف خلال المقابلة: «ما سمعته من الوزير كيري وأشتون هو أنهما ملتزمان استكمال عملية جنيف بهدف التوصل إلى اتفاق شامل. وأنا أشاركهم هذا الهدف».
وفي غضون ذلك، رد مسؤولون إيرانيون بشكل سلبي تجاه الخطوة الأميركية الأخيرة، إذ أعلنت لجنة الأمن القومي والسياسية الخارجية في مجلس الشورى الإيراني (البرلمان)، أنها ستعقد اجتماعات خاصة بشأن القضية خلال الأسبوعين المقبلين. وقإل علي لاريجاني، رئيس المجلس، للصحافيين، إن الخطوة تناقض روح اتفاق جنيف، وأنها «تخلق حالة من سوء التفاهم». ومن المقرر أن يجري عباس عراقجي، نائب وزير الخارجية الإيراني، مشاورات في بروكسل مع أشتون اليوم (الثلاثاء).
وقال مايكل مان، المتحدث باسم أشتون، إن عراقجي سيلتقي المسؤولة الأوروبية في إطار زيارته إلى بروكسل التي تهدف إلى التركيز على «تنفيذ خطة عمل مشتركة».
وكان من المقرر أن يغادر عراقجي ألمانيا مساء أمس (الاثنين) متوجها إلى بروكسل لعقد اجتماعه مع أشتون والتباحث حول أحدث المستجدات حول الملف النووي الإيراني.
وبدورها، قالت أشتون أمس إنها تتوقع أن تستأنف المحادثات الفنية مع الإيرانيين قريبا. وأضافت: «لقد سوينا معظم التفاصيل، ولكن مما لا شك فيه أن هناك مجالا واحدا أو اثنين يتوجب علينا التفكير مليا حول كيفية تنفيذ خطة العمل بشأنهما. إن الإيرانيين على اتصال معنا. وأتوقع أن تبدأ المحادثات مرة أخرى قريبا جدا».
وأدلت أشتون بهذه التصريحات قبل اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الذين أيدوا خطة العمل المتفق عليها مع إيران. وأعلن الوزراء أن الاتحاد الأوروبي مستعد لتعليق عدد من العقوبات على إيران ما إن تتحقق الوكالة الدولية للطاقة الذرية من تطبيق طهران تعهداتها بموجب الاتفاق حول الملف النووي.



الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
TT

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

كان جوهري، قيادي «طالبان» السابق يرتدي نظارات شمسية ومعطفاً من الصوف الثقيل، كما لو أنه قد يترك المكان في أي لحظة. على طاولة مغطاة بالبلاستيك تفصل بيننا تحت ضوء الفلورسنت، كان هناك تل من اللحم والأرز الذي لم يُمس. كانت هذه هي المرة الأولى التي نلتقي فيها، تحديداً في شتاء عام 2022، وقد اختار للقاء مكاناً يقع في نُزل وسط شارع مزدحم.

كانت أصوات التجار وهدير حركة المرور تتسلل عبر نافذة مفتوحة فيما كنت أشرح له لماذا تعقبتُ أثره. منذ أكثر من عقد من الزمان، حاصر 150 مقاتلاً من «طالبان» قاعدة أميركية في سفوح جبال «هندوكوش»، وقُتل تسعة جنود وأُصيب أكثر من عشرين فيما باتت تُعرف بمعركة «ونت»، التي تعد واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية خلال الحرب بأكملها.

وايغال هي قرية كبيرة في عمق وادٍ باسمها لم تتمكن القوات الأمريكية من الوصول إليها مطلقاً خلال حملتها بنورستان (نيويورك تايمز)

هذا الرجل، الملا عثمان جوهري، كان قائد ذلك الهجوم، وهي معجزة أنه لا يزال على قيد الحياة. فخلال الحرب، كان القادة المتوسطون في «طالبان» يلقون حتفهم بانتظام. لكن ها هو حيٌّ يُرزَق. على مدار أكثر من عشرين عاماً، كانت الصحافة الأميركية تغطي نصف الحرب فقط. وأنا، بصفتي صحافياً سابقاً في أفغانستان ورئيس مكتب كابل، كنت جزءاً من ذلك أيضاً. كانت أجزاء كبيرة من البلاد محظورة، وكان تصوُّر «طالبان» غالباً ما يقتصر على دعاية الحركة، وكانت القصة الحقيقية غير معروفة. قرأتُ بصفتي صحافياً كل التقارير المتعلقة بمعركة «ونت»، وكل درس مستفاد. لكن الآن وقد انتهت المعارك، أصبحت أتساءل عما فاتنا. قد أتمكن من الحصول على بعض الرؤى حول كيفية انتهاء الحرب بشكل سيئ بالنسبة إلى الولايات المتحدة (وكذلك بالنسبة إلى كثير من الأفغان، لا سيما النساء).

أردت رؤية الحرب من الجانب الآخر لتقديم منظور قد لا يراه القارئ مطلقاً، ودروس مستفادة من الجماعة الوحيدة التي لم يُطلب منها ذلك، جماعة «طالبان». فبعد حرب فيتنام، التي تتشابه إلى حد كبير مع الحرب في أفغانستان لدرجة أنها أصبحت أشبه بالإكليشيه، مرّت عقود قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع عدوها السابق.

وبحلول ذلك الوقت، كان كثير من قادتها العسكريين قد ماتوا، وضاعت فصول من التاريخ ربما إلى الأبد، حسب المؤرخين.

الملا عثمان جوهري بمنزله في وايغال بولاية نورستان بأفغانستان (نيويورك تايمز)

قدمتُ هذا العرض للملا عثمان جوهري مرتين من قبل: الأولى كانت عبر حارسه الشخصي، الذي كان يرتدي زياً يشبه زي قوات العمليات الخاصة؛ والأخرى كانت عبر مساعده، الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في الانتظار، ولم يعد مطلوباً. أخيراً، جلستُ أمام الملا عثمان نفسه، وعندما انتهيت من حديثي، لم يقل شيئاً، ولم يحرّك حتى رأسه. نظرنا إلى الطعام الذي بدأ يبرد أمامنا حتى أشار إلى حارسه ليتهيأ، فقد كنا متجهين إلى موقع «ونت» بسفوح جبال «هندوكوش».

اليوم في «ونت»، ما زالت بقايا القاعدة الأميركية السابقة قائمة، مهدمة وممزقة كذكرى باهتة، أطرافها التي كانت قائمة في السابق ذابت في الأرض مثل لوحة لسلفادور دالي. أراني الملا عثمان خطوط إمداد «طالبان» ومواقع إطلاق النار، وأعاد تمثيل الحصار. لكن بينما كنا نتحدث على مدار الأيام التالية، ثم الأشهر والسنة التالية، أقنعني الملا عثمان بأن معركة «ونت» بدأت فعلاً قبل سنوات -لكنّ الأميركيين لم يكونوا يدركون ذلك. قال لنا إنه لكم يكن عضواً في «طالبان» عندما بدأت الحرب. وبعد انضمامه، أصبح موضع سخرية في قريته. كان السكان المحليون في الوادي يؤمنون بمستقبل وَعَدَتْهم به الولايات المتحدة. لكن بعد ذلك، بدأت الغارات الجوية الأميركية، التي استهدفت مسلحين مشتبه بهم، في قتل الأبرياء. هذه القصة مألوفة بشكل محبط، ولكن كان ما هو أغرب، فالأمريكيون قتلوا وجرحوا أولئك الذين دعموا وجودهم أكثر من غيرهم.

بدأت عمليات تجنيد «طالبان» في الازدياد، حسب الملا عثمان، مع تحول الأميركيين من حلفاء إلى أعداء.

يقول : «لم يكن هناك أي عنصر لـ(طالبان) هنا عندما بدأت الحرب»، عبارة قالها لي الملا عثمان جوهري في تلك الرحلة الأولى إلى قريته الأصلية في ويغال، التي تقع في عمق الوادي تحت الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج. «لكن بعد أن دخل الأميركيون وبنوا قواعدهم وقتلوا الأبرياء، نهض الناس وقرروا القتال».

دروس مستفادة

نورستان، منطقة جبلية في شمال أفغانستان، لم تكن تهدف مطلقاً لتكون نقطة محورية في الحرب على الإرهاب. لم تكن معقلاً طبيعياً لـ«القاعدة» أو «طالبان». في الواقع، خلال فترة حكمهم الأولى في التسعينات، كانت «طالبان» قد دخلت المنطقة بالكاد. ومع ذلك، اعتقد الأميركيون أنها طريق لتهريب الأسلحة والمقاتلين وملاذ آمن لتنظيم «القاعدة»، لذا بنوا قواعد وبدأوا في تنفيذ دوريات عدوانية في أماكن كانت معتادة على الاستقلال.

في رحلاتي عبر الوادي، قابلت حلفاء للولايات المتحدة تعرضوا للتشويه جراء الغارات الجوية، والذين فقدوا عائلاتهم أيضاً. هؤلاء الأشخاص كانوا بمثابة تذكير بقلة إدراك الولايات المتحدة للحرب التي كانت تخوضها. اتضح أن الأميركيين كانوا مخطئين بشأن كون نورستان معقلاً للإرهابيين. لكن قواعدهم أصبحت بمثابة مغناطيس يجذب المسلحين، مثل «حقل الأحلام» للمتمردين: الأميركيون بنوها، ثم جاءت «طالبان». وبحلول الوقت الذي قاد فيه الملا عثمان فريقه عبر الجبال لشن الهجوم على القاعدة الأميركية في «ونت»، كان الوادي قد تحوَّل ضد الأميركيين، وكانت النتيجة مأساوية.

*خدمة «نيويورك تايمز»