ليبيا: مظاهرات تطالب بالانتخابات وتحسين الخدمات

مسلحون يخطفون رئيس هيئة الأوقاف في حكومة السراج

TT

ليبيا: مظاهرات تطالب بالانتخابات وتحسين الخدمات

وسط مظاهرات شعبية شهدتها عدة مدن ليبية، احتجاجا على تدهور الأوضاع المعيشية، وللمطالبة بإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية قبل نهاية العام الجاري، تصاعدت أمس مجددا أعمال الخطف في طرابلس.
ففي أحدث عملية اختطاف يتعرض لها مسؤول كبير بحكومة الوفاق الوطني، التي يترأسها فائز السراج وتحظى بدعم بعثة الأمم المتحدة، اختطف مسلحون مجهولون أمس بالعاصمة طرابلس عباس القاضي، رئيس الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية بحكومة السراج.
وقالت مصادر أمنية إن مسلحين اقتادوا القاضي إلى مكان مجهول، حيث ما زال مصيره مجهولا. كما لم تعرف دوافع عملية الخطف، أو الجهة المسؤولة عنها في الدولة التي تعاني فوضى أمنية، وصراعا على السلطة منذ الإطاحة بنظام العقيد الراحل معمر القذافي عام 2011. والتي تزايدت فيها حوادث الاختطاف في الآونة الأخيرة، خصوصا بحق الأجانب.
وجاء هذا الحادث بعد اندلاع مظاهرات في عدة مدن ليبية، من بينها العاصمة طرابلس وصرمان، والزنتان والزاوية، مساء أول من أمس، احتجاجا على تردي الأوضاع المعيشية، وانقطاع الكهرباء وانعدام الخدمات.
وأعرب حراك أهالي طرابلس في بيان له عن قلقه من «انتشار الفساد وتفشي الفقر والحاجة»، في ظل تمسك ما سماه بـ«أجسام سياسية منتهية الشرعية بالسلطة إلى ما لا نهاية في ظل بلوغ الأزمات المعيشية ذروتها».
وأعلن الحراك تأييده لإجراء الانتخابات كما تخطط لها بعثة الأمم المتحدة في ليبيا في العاشر من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، قبل أن يتهم مجلس النواب، المتواجد في مدينة طبرق بأقصى الشرق، بتعطيل الاستفتاء على الدستور الجديد للبلاد «من أجل البقاء أطول وقت ممكن في السلطة».
وتعقيبا على هذه المظاهرات التي نددت أيضا بسياسة إيطاليا في ليبيا، واتهمتها بالانحياز المطلق لحكومة السراج، قلل جوزيبي بيروني، سفير إيطاليا لدى طرابلس، من شأن هذه المظاهرات، التي وصفها بأنها «ليست كبيرة»، وقال في هذا السياق «عندما يكون هناك 20 أو 30 شخصا ضد إيطاليا، فنحن نقبل بها ونحترمها».
وعدّ بيروني في مقابلة تلفزيونية مساء أول من أمس مع قناة محلية ليبية أن «وجود مرجعية دستورية متينة شرط أساسي لتمكين الانتخابات المرتقبة في ليبيا من الدفع بالمصالحة الوطنية، وتحقيق الاستقرار»، مشددا على أن الليبيين يعانون من عدة مشاكل، ويستحقون خدمات أفضل، وحلا لأزمة السيولة، ومزيدا من الأمن والاستقرار في البلاد.
في غضون ذلك، أعلن بيروني أن حكومته، التي تعطي أولوية للقضايا الليبية، بصدد تنظيم مؤتمر دولي حول ليبيا في الخريف المقبل، وذلك في إطار السياسة التي تتبناها إيطاليا تجاه ليبيا، لافتا إلى قيام ثلاثة وزراء من الحكومة الإيطالية الجديدة بزيارة طرابلس في أقل من شهر واحد.
ووضع بيروني المؤتمر في إطار التزام بلاده بالدعم الكامل لليبيا، والعملية السياسية، وتحقيق الاستقرار على أمل أن يشكل المؤتمر فرصة لتقدم العملية السياسية، حتى يتمكن الشعب الليبي من الوصول إلى دولة مستقرة ديمقراطية وآمنة.
وخلافا لوجهة النظر الفرنسية، التي تدعو إلى إجراء انتخابات في ليبيا قبل نهاية العام الجاري، قال بيروني إن إيطاليا لا تريد إجراء الانتخابات في ليبيا بأي ثمن، وبأي تكلفة، ورأى أن الانتخابات ستزيد من عدم الاستقرار والفوضى والنزاعات. وقال بهذا الخصوص «الليبيون لا يريدون الانتخابات، ومع ذلك فإن إيطاليا ستكون سعيدة بإجراء الانتخابات في ليبيا إذا كانت هناك ظروف ملائمة لذلك». نافيا «انتهاك بلاده للسيادة الليبية»، وذلك في إطار تعليقه عن هوية طائرات تجسس تقلع من قاعدة بجنوب إيطاليا.
إلى ذلك، دعا الحزب الديمقراطي الإيطالي المعارض، الحكومة الإيطالية إلى تعديل مرسومه الخاص بمنح حرس السواحل، التابع لحكومة السراج في العاصمة طرابلس، 12 زورقا.
واستبق الحزب عرض القرار على مجلس النواب الإيطالي خلال الأسبوع القادم باقتراح تعديلات، تشترط وجود هيئات تابعة للأمم المتحدة على متن سفن خفر السواحل الليبي، وكذلك في مخيمات اللاجئين في ليبيا، بالإضافة إلى تصديق حكومة السراج على اتفاقية جنيف.
ونقلت وكالة «أكى» الإيطالية عن ماتّيو أورفيني، رئيس الحزب، قوله «إذا لم توافق الأغلبية الحاكمة على تعديلاتنا، فبوسعنا الامتناع عن التصويت». قبل أن يضيف أن «المسألة بالنسبة لوزير الداخلية ماتيو سالفيني تقتصر على تسليح الليبيين، وترك المهاجرين بأيديهم، ونحن لا يمكننا قبول ذلك». معتبرا أنه «لا يوجد كيان في ليبيا يمتلك سلطة حقيقية، ويتمتع بالاعتراف والشرعية»، قبل أن يتساءل عن «الجهة التي ستحصل على الزوارق، وما إذا كانت جهة عسكرية أو شبه عسكرية».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.