شاشة الناقد

بين حياة وموت

من «فترة خطوبة طويلة»
من «فترة خطوبة طويلة»
TT

شاشة الناقد

من «فترة خطوبة طويلة»
من «فترة خطوبة طويلة»

الفيلم: «فترة خطوبة طويلة جدا» A Very Long Engagement
إخراج: جان - بيير جونيه Jean‪ - ‬Pierre Jeunet
أدوار أولى: أودري توتو، غاسبار أوليل، دومينيك بينون، أندريه دوسولييه.
تقييم الناقد:(4*)

بعد عشر سنوات على إنتاجه، وبعد أن جرى إطلاقه على أسطوانات سنة 2006، يعاود «فترة خطوبة طويلة جدا» تحقيق حضوره من خلال إطلاق جديد لمجموعة مزمعة الصدور قريبا لأفلام المخرج الفرنسي جان - بيير جونيه.
جونيه لم يدرس السينما بل علم نفسه بنفسه من خلال حضوره أفلام الغير، في العام 1991 أنجز فيلمه الأول «حلوى» الذي نال جائزتين من جوائز سيزار، لم ينجز هذا الفيلم وحده بل مع مارك كارو، أنجزا معا عدة أفلام أخرى أفضلها «مدينة الأطفال الضائعين» عام 1995، بعد عامين أنجز فيلمه الأول منفردا وكان الأميركي Alien‪:‬ Resurrection الذي لم يستقبل جيدا، سنة 2001 أنجز «أميلي» وبعده «فترة خطوبة طويلة جدا» كلاهما أفضل ما حققه إلى اليوم.
هناك حكاية عاطفية في قلب هذا الفيلم الذي يتناول أحداثا حربية تقع سنة 1917 وما بعدها، مثل فيلم آبل غانس «إني أتهم» (1919)، لدى الحكاية قلبا جريحا يسردها المخرج في شخص بطلته ماتيلدا (أودري توتو) وفيه تناوب بين مشاهد الحرب ومشاهد الحب، شعريا ورومانسيا وجماليا وعبر رسائل وبحث مستفيض لامرأة تريد معرفة ما حل بخطيبها في الجبهة.
ثم ها هي الحرب انتهت ومن بقي حيا عاد منها مهزوما حتى ولو انتصر وهي غير واثقة من أنه مات ولا تعرف بالتأكيد أنه ما زال حيا، لكن هذه الحكاية العاطفية ذات الشفافيات الرومانسية الواضحة هي في ذاتها أقرب إلى كوابيس مفجعة.
مشاهد الحرب على الجبهة مؤلمة، يبدأ الفيلم مثل الكتاب الذي اقتبس الفيلم عنه والذي وضعه الروائي جان - بابتيست روسي تحت اسم مستعار هو سيباستيان جابريسو (تحت ذلك الاسم المستعار كتب روسي رواية «جريمة مركبة النوم» التي أخرجها كوستا - غافراس فيلما) بجبهة القتال خلال الشهر الأول من العام 1917، لقد مرت ثلاث سنوات على حرب ضروس تخاض بضراوة وبكثير من التضحيات، خمسة من اليائسين (كلوفيس كورنيلاك، دنيس لافان، دومونيك بتنفيلد، جيروم كيرشر، جاسبار أوليل) يقدمون على إحداث إصابات وتشويهات في أبدانهم لأجل الهرب من خط النار طمعا في تسريحهم لكي يعودوا إلى الحياة المدنية، الفيلم يقدمهم بتعليق بينما الكاميرا تحوم عليهم من عال ثم تشاركهم السير في الوحول وهم يقادون إلى الحكم عليهم.
جونيه يعمد هنا إلى ابتكار معالجة سريعة وموجزة لحياة كل منهم قبل انضمامه إلى الحرب، وفي ذلك يؤسس مدخلا للمجند مانيش أصغر هؤلاء، فنراه في قبس من لحظات الأمس عازما على الزواج من ماتيلدا قبل أن يجر إلى خطوط القتال؛ إذ تقضي المحكمة بدفع الرجال الخمسة إلى أتون المعركة، يعلم الجميع أنهم في فوهة المدفع، فتنفيذا للقرار عليهم التقدم فوق أرض من الموت تفصل بين الجيش الفرنسي والجيش الألماني؛ حيث تعرضهم للموت أمر محتم. لكن جونيه يترك مصير مانيش معلقا، لا نراه يقتل فعلا ولا نعرف إذا ما نجا بأعجوبة أم لا.
في هذا الوضع، نحن مثل بطلة الفيلم ماتيلدا لا تعرف شيئا مؤكدا تستطيع معه الخروج بقناعة أكيدة.



شاشة الناقد: أفلام على اختلافها لم تأتِ جيدة جداً

«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
TT

شاشة الناقد: أفلام على اختلافها لم تأتِ جيدة جداً

«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)
«معطراً بالنعناع» (ريزون 8)

معطراً بالنعناع ★★☆

رسائل شفهية في عتمة الأماكن

فيلم محمد حمدي الأول مختلف جداً عن أي فيلم مصري (أو عربي) حٌقّق في تاريخ السينما العربية. الاختلاف بحد ذاته لا يمنح الفيلم درجة التقييم. من الممكن أن يكون مختلفاً وبديعاً أو مختلفاً ورديئاً وهو أقرب إلى التصنيف الثاني. فيلم داكن في الصورة وفي الذوات البشرية التي تسكنه. يجد المخرج لها مبررات مناسبة. هذا لأن أبطاله يتقدمهم دكتور محبط (علاء الدين حمادة)، يعيشون حالات من الكآبة المطلقة تزداد عبثاً مع تناولهم الحشيشة طوال الوقت. أي نحو 90 دقيقة من مدة عرض الفيلم (التي تبلغ 113 دقيقة). وعوض استمتاعهم بهذه «السلطنة» تبقى أدمغتهم واعية وقادرة على الحديث في مسائل وجودية وسياسية (على الخفيف) مع قليل من الشّعر وكثير من الذكريات التي تتشابك بحيث لا تتضح لها زاوية فعلية تنطلق منها أو تعود إليها.

في دقائقه الـ10 الأولى يؤسّس أسلوب عمله من حالات شخصية وتصوير (قام به بنفسه) وإيقاع. هذا الإيقاع خافت باستمرار والمُشاهد عليه أن يفتح أذنيه جيداً ليتمكّن من التقاط الكلمات المتبادلة. هذا لأن الإيقاع الخافت يشمل كذلك الأداء والتلقين وتشخيص الحالات. الدكتور وأصحابه (من ثلاثة لأربعة حسب المشاهد) يركضون في الظلمة مثل جرذان هاربة من مطاردين (لا نعرفهم) ويأوون دوماً إلى خرابات تضمّهم بعتمتها أو إلى شِقق هي بدورها تبدو كخرابات كلّ شيء فيها قديم وباهت. حتى في ساعات النهار فإن النور مبتسر تأكيداً أو ترميزاً للحالة التي يمر بها أشخاص الفيلم.

الصورة، على الرغم من سوداويتها، هي أهم وأفضل من الموضوع المطروح. صحيح أن رجال الفيلم يتعاطون، لجانب الحشيش، مسائل تهمّهم، لكن ليس كل ما يهم شخصية ما في فيلم ما يهم المشاهدين. بالضرورة. لذا تنحصر الحسنات في الصورة. بينما تمرّ المَشاهد بإيقاع خافت ورتيب، مما يحدّ كثيراً من قدرة الفيلم على التواصل مع مشاهديه.

* عروض حالياً في مهرجان مراكش

Maria ★★★

العمق العاطفي لماريا كالاس

«ماريا» هو ثالث فيلم بيوغرافي ينجزه المخرج التشيلي بابلو لاراين (حسب اللفظ الأسباني) بعد (Jackie) «جاكي»، 2016 و(Spencer) «سبنسر»2021. مثل سابقيه هو فيلم عن امرأة ومثلهما هو عن شخصية حقيقية هي مغنية الأوبرا ماريا كالاس (هناك حفنة أفلام عنها أهمها «Maria By Callas» لتوم وولف، 2017) إلى جانب فيلم إيطالي آخر في التحضير بعنوان «Maria‪/‬Callas» لروبرت دورنهلم.

«ماريا» (ذِ أبارتمنت)

معالجة لاراين تختلف كونها متّصلة بالكيفية التي يحاول فيها تقديم رؤيته لشخصياته فهو يسعى دائماً إلى التقاط العمق العاطفي أكثر مما يهتم لسرد السيرة حكائياً. على ذلك، «ماريا» كما يقدّمه هنا يبقى على السطح أكثر من الدخول في عمق شخصيّته. ما يشغله في سرد الأيام الأخيرة من حياة بطلته هو التصاميم الفنية والديكوراتية وتحريك الكاميرا عبرها وهذا جيد لولا إنه يأتي على حساب تحديدٍ أفضل لمن هي ماريا كالاس.

يسرد الفيلم أحداثها الأخيرة وبعض مواقفها الشخصية والفنية لكن الحكاية يمكن لها أن تكون عن أي شخصية لمغنية وإن كانت خيالية. بطبيعة الحال، وكما بات مألوفاً، يعمد المخرج إلى مشاهد استرجاعية (الفلاشباك) بالأبيض والأسود لكن أهم عنصر في هذه الدراما هي محاولة ماريا التغلّب على ذكرياتها مع أرسطو أوناسيس (الذي تركها للزواج من جاكي كينيدي، شخصية فيلم لوراين السابق).

* عروض حالياً في مهرجان البحر الأحمر

TROIS AMIES ★⭐︎

حوارات ومشاهد تُراوح مكانها

لا يبتعد المخرج موريه في فيلمه «ثلاث صديقات» عن التيمة التي اختارها سابقاً لمعظم ما حقّقه من أفلام مثل «تغيير عنوان» (Changement d'adresse) 2007، و«هل نُقبّل» (Shall We Kiss) 2007، و«الأشياء التي نقولها، الأشياء التي نفعلها» (Les Choses qu'on dit, les Choses qu'on fait) 2020. التيمة المذكورة لا تخرج عن نطاق تداول وتناول العلاقات المتأرجحة ما بين الحب والجنس، أو الحب من دون جنس أو العكس.

«ثلاث صديقات» (موبي دَك فيلمز)

القصّة في عنوانها: 3 صديقات جوان (إنديا هير)، ريبيكا (سارا فورستييه) وأليس (كامل كوتان) والعديد من الحكايات السابقة (تشعر جوان إنها مسؤولة عن موت حبيبها السابق إريك لأنها تركته)، وفي الحكايات الحاضرة يتداولن التجارب التي مررن بها مع آخرين. لا الأحداث مهمّة ولا الحوار (يمتد بلا نهاية) يعني كثيراً. كل ذلك يَرِد مثل قراءة صفحة واحدة من مجلة إشاعات ومن دون لمسات فنية تذكر. بدورها كل لقطة تشبه، تأسيساً وإدارة. ما يسبقها وما يليها.

* عروض: حالياً في صالات فرنسية

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز